د. الدويش وقبور الصبية الأثرية (1-4)

نشر في 08-12-2016
آخر تحديث 08-12-2016 | 00:15
من أبرز أهداف بحث الدويش حصر أنواع المقابر ودراسة هندستها المعمارية ومعرفة الحالة الاجتماعية والاقتصادية لأصحاب هذه المقابر، ومن بين الأسئلة التي حاول الباحث العثور على إجابة لها: لمن تعود هذه المقابر، لسكان محليين أم غرباء؟ وما علاقة هذه المدافن بطريق التجارة القديمة؟ ولماذا الاختلاف في أشكال القبور والمدافن؟
 خليل علي حيدر اختار د. سلطان الدويش لرسالة الماجستير التي قدمها في مصر عام 2010 موضوعا فريدا وهو "مقابر الصبية"، المنطقة الواقعة شمالي جون الكويت، عائدا بالقارئ آلاف السنين قبل الميلاد لعصر لم تبقَ من آثاره ورسومه إلا مقابر بعضها خال حتى من العظام.

د. الدويش وثق جهده العلمي ودراسته الأثرية في كتاب بعنوان "مقابر مدينة الصبية بدولة الكويت"، نشره عام 2015 في 452 صفحة. وقد وفق الباحث نفسه د. سلطان الدويش مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كما نشرت وسائل الإعلام مؤخرا، إلى أن يعلن حدثا واكتشافا مهما بموقع "بحرة" بالصبية نفسها، ضمن أعمال البعثة الآثارية المشتركة بين المجلس الوطني والبعثة الهولندية، وهو العثور على شقفة من الفخار عليها أثر بصمة إصبع". (الجريدة 29/ 11/ 2016م).

وأوضح د. أحمد سعيد أستاذ التاريخ بجامعة الكويت أن هذه البصمة المكتشفة ستضيف معلومات مهمة عن "عصر حضارة العبيد"، عام 5500 ق.م، وتلقي الضوء على هذا الموقع في شمال شرق الكويت، وعلى مبعدة نحو خمسين كيلوا مترا عن مدينة الجهراء، وهو من المواقع الأثرية المهمة التي ظهرت فيه بداية الاستيطان البشري، حيث كشف عن الأدوات التي كانت تستخدم في الحياة اليومية والزراعة مثل رؤوس السهام والرحى، الأداة الحجرية لجرش الحبوب.

وأضاف د. سعيد أن هذه الكشوف تلقي الضوء على مظاهر الحياة للإنسان الذي عاش على أرض الكويت منذ 7300 سنة، في تلك الثقافة ضمن العصر السحيق ما بين 5500 و3500 ق.م.

ويأتي اكتشاف د. الدويش لهذه "البصمة" إضافة إلى بصمات عفوية وغير عفوية أخرى في مجال الآثار والمكتشفات التاريخية ذات الأهمية من هذه البصمات، كما ذكر د. أحمد سعيد، بصمات البنائين لأصابع الإبهام في "أريحا" بفلسطين التي ترجع إلى الألف السابعة قبل الميلاد، واكتشاف مماثل في تركيا في منطقة Boncuklu Hoyuk واكتشاف "قرية بنجكلو"، كما اكتشف بعض الخبز في مصر عليه بصمة لخباز في المقابر ترجع إلى نحو عام 1600 ق.م. ولفت الأستاذ سعيد إلى "أن أقدم بصمات للإصبع حتى الآن على الإطلاق ما أعلن العلماء في مارس 2016 اكتشافه من بصمات بشرية على الأدوات العظمية الحيوانية التي تعود إلى نحو 50 ألف سنة، وعثر عليها بكهف Denisova في روسيا، وأدت التحاليل المعملية إلى نتائج علمية هائلة وجديدة على تلك الفترة.

كما أن هناك تمثالا (أنثى) للمعبودة الأم يرجع إلى أكثر من 26 ألف عام قبل الميلاد، أي خلال العصر الحجري القديم الأعلى، وجدت عليه بصمة طفل كشف عنه في ولاية Doinl Vestonice بجمهورية التشيك عام 1929".

وأكد د. الدويش في صحيفة "القبس" 20/ 11/ 2016، "أن هذا الموقع- بمنطقة الصبية- يعد من المواقع الحضارية والأثرية التي من الممكن أن تمثل بداية الحضارة الإنسانية في العصور الحجرية، خاصة بعد اكتشاف مدينة سكنية ومعبد ومجموعة من المقابر والأواني الفخارية وآبار المياه القديمة التي تمثل جانبا مهما في حياة الإنسان البدائي في المنطقة نفسها".

أما عن كتاب د. سلطان الدويش عن مقابر الصبية، فقد تولى مركز البحوث والدراسات الكويتية نشره، وكتب رئيس المركز د.عبدالله الغنيم تصديرا للرسالة المنشورة قال فيها إنها "تجمع بين المنهج الوصفي للظواهر الأثرية والعمل الميداني والمنهج التحليلي المقارن في دراسة هذه المكتشفات ومقارنتها بشبيهاتها في المحيط الإقليمي". وأضاف د. الغنيم أن مقابر الصبية "من أهم المكتشفات الحديثة التي أعطت نتائج جيدة وكشفت عن جوانب مهمة في تاريخ الكويت، وذلك لانتشارها الواسع وتنوع أشكالها وهندستها المعمارية".

ويقول د. سلطان الدويش في مقدمة الكتاب إن "الأمر المهم والمحير يتمثل بعدم العثور على مقابر في المستوطنات السكنية خاصة في فيلكا، فالمستوطنات الكبيرة في الصبية- مواقع العبيد- وجزيرة فيلكا لم يتم العثور فيها حتى الآن على مقابر تعود إليها رغم كبرها وامتدادها إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد".

ولا تعد دراسة د.الدويش الدراسة الأولى في مجال دراسة قبور المنطقة الخليجية التاريخية، رغم قلة هذه الدراسات وأغلب الدراسات التي أجريت في دولة الكويت عبارة عن تقارير ميدانية عن الحفائر التي تمت حديثا، ومنها تقرير "بولنسكي بطرس" من البعثة البولندية 2007- 2009، وتقرير "جلوب بيتر فلهم" من البعثة الدنماركية في مملكة البحرين. وللدكتور الدويش نفسه عدة دراسات سابقة في المنطقة نفسها شمالي الكويت في أعوام سابقة.

ولعل أبرز أهداف البحث، كما يقول د. الدويش، حصر أنواع المقابر ودراسة هندستها المعمارية ومعرفة الحالة الاجتماعية والاقتصادية لأصحاب هذه المقابر. ومن بين الأسئلة التي حاول الباحث العثور على إجابة لها: لمن تعود هذه المقابر، لسكان محليين أم غرباء؟ وما علاقة هذه المدافن بطريق التجارة القديمة؟ ولماذا الاختلاف في أشكال القبور والمدافن؟ واتجاهات القبور وأماكن انتشارها ودلالاتها؟ كذلك وضعية الدفن- القرفصاء- سواء كان هيكلا كاملا أو عظاما متفرقة؟ وما سبب ارتباط الصبية بجزيرة فيلكا المأهولة منذ العصور البرونزية؟

أما "أطرف" سؤال أو مبحث يتناوله الكتاب فهو: "لماذا كانت أكثر القبور خالية من العظام"؟!

وللقبور التاريخية والدفن عموما صلة قوية بنوعية التربة وطبقاتها، وقد عمل مسح شامل للتربة في الكويت من قبل الشركة الصينية عام 1991 مع شركة AACM.

ويشير كتاب د.الدويش إلى أن تربة الكويت الجافة في الكويت تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

1 - تربة صحراوية تغطي أكثر من ثلاثة أرباع مساحة الدولة، "وتتميز بضعف تكويني لطبقات التربة تعرف محليا بالجتش". (Gatch، وهي كلمة فارسية تعني الجبس).

2 - تربة صحراوية حديثة التكوين تمثل 14% من الأراضي وهي مشابهة للمجموعة الأولى، ولكن تختلف عنها في عدم احتوائها على طبقات تربة ظاهرة، ولكونها رملية فإن جزئياتها غير متماسكة مع عدم وجود طبقات صماء.

3 - تربة رسوبية: وهي تربة حديثة تكونت بفعل ترسبات الطمي على المناطق الساحلية، وتمثل مجموع 7% من مساحة دولة الكويت، ومعظمها في شمال البلاد.

أطرف سؤال أو مبحث يتناوله كتاب الدويش هو: «لماذا كانت أكثر القبور خالية من العظام»؟!
back to top