الأميركي شون بين: أحبّ الأفلام التي تحمل رسالة عميقة

الممثل الوحيد الذي كُرِّم في مهرجانات كان والبندقية وبرلين

نشر في 08-12-2016
آخر تحديث 08-12-2016 | 00:00
شون بين وتشارليز ثيرون
شون بين وتشارليز ثيرون
في عمر السادسة والخمسين يتابع الممثل الجامح شون بين رسم طريقه عبر تقديم أداء تمثيلي مدهش والالتزام بمشاريع إنسانية والإدلاء بتصريحات غير مألوفة. بعد عرض الفيلم الذي أخرجه The Last Face (الوجه الأخير) في مهرجان «كان»، نحاول في هذه المقابلة الكشف عن أسرار غموضه.
غداة الانتقادات التي سبّبها عرض فيلم The Last Face رسمياً، بدا الممثل الأميركي شون بين مجروحاً وقال مدافعاً عن عمله: «لم أقرأ شيئاً مما كُتِب ولن أقرأ. لكني أدرك أن قطاراً دهسنا يوم أمس. أجيد تقدير الانتقادات الإيجابية لكني أدركتُ منذ فترة طويلة ضرورة أن أرمي الانتقادات السلبية جانباً وأمضي قدماً. أنا متمسّك بالفيلم كما هو. لن يتكلم لغةً غير لغتي. وإذا لم يتفاعل الآخرون مع هذه اللغة، لا يمكنني القيام بأي أمر لأجلهم».

عملياً لا شيء ينقذ The Last Face الذي يروي قصة حب بين طبيبَين يقومان بأعمال إنسانية في إفريقيا. اعتبر بعض الصحافيين العمل «مشيناً» وتعرّض لهجوم حاد بسبب نظرته إلى الأفارقة الذين ظهروا بصورة همجيين صالحين يكتفون بمشاهدة النمل الذي يتسلق الشجر. كذلك اعتبر آخرون أن الفيلم يدمّر الثقافة ويهاجم الفن.

سرعان ما تغيرت ملامح شون بين حين شاهد صورة ابنه على غلاف مجلة «غالا» فقال مبتسماً: «من المدهش أن تشاهد ابنك على غلاف مجلة فرنسية!». بدت على وجهه فجأةً آثار نضالاته الإنسانية وتمرّده على الأنظمة السائدة في عصره. لا يمكن أن ننسى السنوات التي أمضاها خلال الثمانينيات في عالم «الروك أند رول» أو زواجه المضطرب بمادونا وخلافاته الصاخبة مع مصوّري «الباباراتزي».

كذلك خاض شون بين مغامرات في هايتي بعد الزلزال الذي ضرب الجزيرة في عام 2010، ثم أسس منظمة غير حكومية يتابع إدارتها حتى اليوم وفيها 350 موظفاً. لكن حين سُئل عما إذا كان يتخذ مواقفه المتطرفة كي يتميز عن غيره، أجاب بكل ثقة: «أحب أن أتميز طبعاً وإلا لما كنتُ سيّد نفسي!».

خضة قوية

تعرّض شون لخضّة قوية بعد الحملة الانتخابية المحتدمة التي انتهت منذ فترة قصيرة في الولايات المتحدة فقال: «لم أكن أظن أن دونالد ترامب يمكن أن يفوز في الانتخابات لكنّ موجة الغباء التي أطلقها ستلازمنا من دون أدنى شك». كان شون بين أنفق 56 ألف دولار في عام 2002 لكتابة مقالة ضد بوش في صحيفة «واشنطن بوست» المرموقة. وسط هذا المناخ المضطرب، أعلن بين تأييده هيلاري كلينتون لكنه يعترف بأنه كان يفضّل أن يتابع أوباما حكم البلاد بعد الولايتين الشائبتين اللتين ورثهما من عهد بوش.

بين براندو وبونو

في فيلم Tree of Life (شجرة الحياة) الفائز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» للمخرج تيرينس ماليك، ترتسم معالم الدهشة على وجه شون في معظم مشاهده على الشاشة. ربما لم يتكيف مع فكرة أن يكون ابن براد بيت في الفيلم! يقول بين: «أستمتع بمشاهدة أي عمل من إخراج ماليك بقدر ما أستمتع بالتمثيل في أفلامه. هو يعتبر الممثلين أشبه بلوحة فنية. في هذه المرحلة من حياتي أحب أن أمثّل تحت إدارة مخرجين مهمّين. أحب أن أعمل مجدداً مع أليخاندرو غونزاليز إيناريتو ومايكل مان وألفونسو كوارون. لكني لا أريد أن أطوّر مهنتي لأن تطوير المسيرة المهنية مرادف للموت!».

يضيف: «أقدّر كثيراً الأعمال التي تحمل رسالة عميقة وأحب المشاركة فيها». تشير هذه الرسالة إلى بُعد ديني أو دعوة مقدسة أو مهمّة سامية ولا شك في أن هذه الكلمات تَصِف أعمال هذا الناشط المتمرد الذي يبدو وكأنه الحلقة المفقودة بين مارلون براندو وبونو.

إنساني بامتياز

بالنسبة إلى شون بين الذي أبدى إعجابه دوماً بنجوم السبعينيات من أمثال دينيرو وآل باتشينو، لا يُعتبر وضع السينما الأميركية اليوم أفضل بكثير من الوضع السياسي: «أدّت طفرة الأفلام المؤلفة من أجزاء عدة إلى تضرر هوليوود وقد انجرّ الممثلون وراء هذا النوع من الأعمال بطريقة مبالغ فيها. كانت سلسلةIron Man (الرجل الحديد) ممتازة ومضحكة وممتعة وأعتبر روبرت داوني جونيور ممثلاً استثنائياً لكن لم تتوقف الخيارات السينمائية المشابهة عند هذا الحد».

يتابع: «لا أعني بكلامي شخصاً محدداً لكني أظن أن الممثلين يتحملون جزءاً من مسؤولية ما يحصل. في الماضي كانت هوليوود تقدم الأفلام للممثلين فتمنحهم من جهة مشروعاً تجارياً ومربحاً ثم تعطيهم من جهة أخرى مشروعاً طموحاً وشخصياً. أما اليوم، فتعمد هوليوود إلى إنتاج 15 فيلماً تناسبها في مقابل فيلم يرضي الممثلين. لا يعجبني عدد كبير من الأفلام التي تصدر راهناً. خسرنا التوازن المطلوب في هذا المجال. يعمل الناس في هذا القطاع اليوم لأجل المال والمكانة الاجتماعية حصراً».

يعكس هذا التقييم شخصية رجلٍ منفصل عن هذا العصر لكن يصعب أن يعارضه أحد، لا سيّما أنه كان يتجنب دوماً المشاركة في أفلام تجارية مربحة إذا كانت تفتقر إلى العمق. نال شون بين جائزتَي «أوسكار» وجوائز أخرى من مهرجانات سينمائية كثيرة (إلى جانب جاك ليمون، إنه الممثل الوحيد الذي تكرّم في كان والبندقية وبرلين) ويبدي اليوم رأيه بالممثلين المعاصرين استناداً إلى نظرته العقائدية التقليدية: «أظن أن معظم الممثلين الذين يعتبرهم الناس اليوم مهمّين مجرّد فقاعة فارغة. لكني أستثني طبعاً دانيال داي لويس لأنه ممثل حقيقي. وأحب ليوناردو دي كابريو أيضاً. لكن لنوقف لعبة الأسماء كي لا أضطر إلى مهاجمة اسم لا يعجبني».

لا يحمل شون بين مشاعر الكره لأحد لكنه ممثل متكامل ويلتزم بأعماله السينمائية بقدر التزامه بمهامه الإنسانية. يعتبر أدواره بمثابة رحلات بلا عودة ويفيض بالمشاعر الإنسانية ولا يتردد في أداء الأدوار التي تجسّد هذه الناحية منه كما في فيلم Carlito’s Way (طريقة كارليتو) أو Mystic River (النهر الغامض)، ولا ننسى أداءه المؤثر في Harvey Milk الذي منحه ثاني جائزة أوسكار في عام 2008 بعدما أدى فيه دور أول مثلي أميركي يُنتخَب في منصب عام.

طفرة الأفلام المؤلفة من أجزاء عدة أضرّت بهوليوود

هوليوود تنتج 15 فيلماً تناسبها في مقابل فيلم يرضي الممثلين
back to top