وسائل فاعلة لتجاوز الشعور بالذنب

نشر في 08-12-2016
آخر تحديث 08-12-2016 | 00:00
No Image Caption
ينتشر شعور الذنب على نطاق واسع وقد يصعب التعامل معه في حالات كثيرة. يبقى هذا الشعور سليماً حين يظهر كردة فعل على خطأ معين لكنه قد يتخذ طابعاً مَرَضياً حين يغزو الحياة ويفسدها. كيف يمكن تبديد مفعوله لاستعادة الراحة أخيراً؟

الأخطاء تؤجج مشاعر الذنب

يرتكب كل إنسان في هذا العالم أخطاءً لا مفر منها. بحسب شخصيته ورغباته، قد ينحرف عن الخط المستقيم ويسلك طرقاً موازية لكن تحثّه روحه باستمرار على العودة إلى الطريق الصحيح. في بعض الأحيان، قد تنتج روحه تصرفات أو سلوكيات أو أفكاراً لا تتماشى مع حقيقتها أو مع طبيعة الشخصية الفردية. وقد يتأثر أحياناً بمحيطه ورغباته وأوهامه وقوة «الأنا» الهائلة. نتيجةً لذلك، تتلاحق الأخطاء المرتكبة. في البداية، قد لا يدرك الشخص الذي يسلك هذه الطريق أنه مخطئ لكنه يفهم تدريجاً المعاناة التي سبّبها لنفسه وللآخرين، فينشأ شعور قوي بالذنب في أعماق ذاته. يترسّخ يوماً بعد يوم ولا يمكن محوه بأي طريقة ما لم يقرر الشخص المعنيّ حذفه من داخله. لذا من الضروري أن يرصد مظاهر الذنب كي يحسّن علاقته بذلك الشعور.

التكيّف مع الذنب

يشكّل الذنب مشكلة محورية في مجال التحليل النفسي. يتذمر عدد كبير من المرضى الذين يأتون لاستشارة الأطباء من الذنب الذي يشعرون به لأنهم لا يعرفون سببه. قد يظهر ذلك الذنب في أي لحظة من اليوم، في العمل أو مع الأولاد والأهل والأصدقاء، أو في الحياة العاطفية، أو في سلوكنا كمواطنين. قد يؤدي ذلك الشعور دوراً محفّزاً لكنه قد يشكّل عائقاً كبيراً أمام رغباتنا وطموحاتنا أو يقنعنا بأننا لا نعيش حياة كاملة أو لا نرقى إلى مستوى طموحاتنا.

مؤشر على ضرورة التغيير

يجب أن يدرك الشخص وضعه بطريقة تدريجية. قد يشعر بضرورة فعل ذلك غداة مواجهة مصاعب ملموسة أو مشاكل صحية حادة. إنها مؤشرات تحذيرية وقد تمنعه من تغيير سلوكه واستعادة قيمه الفعلية. لا يفقد الشخص قيمته الحقيقية لكنه يتناساها بكل بساطة. ينسى الكثيرون حقيقتهم الكامنة في أعماق ذاتهم ويتجاهلون الحب الكبير الذي يجب أن يحملوه لنفسهم. تُعتبر «راحة الضمير» شائعة ولا يمكن التوصل إليها قبل أن تدرك أنك سلكت طريقاً خاطئاً وارتكبت الأخطاء لكن من دون أن تشعر بالذنب بسببها. من الطبيعي أن يرتكب الناس الأخطاء لكن من غير الطبيعي أن يركزوا عليها ويطوروها لأنها ستفسد حياتهم وتجعلهم يكرهون نفسهم.

سامح نفسك

يجب أن تُشغّل مشاعر الحب تجاه تلك الأخطاء وتبرر موقفك في تلك الظروف وتعترف بأنك تغيّرت وتقرر تغيير سلوكك وتتخلّص من الجوانب القاتمة في داخلك. ويجب أن تسامح نفسك بالكامل لأن جزءاً من الظروف كان خارجاً عن إرادتك. بعد فهم سبب تصرفاتك، يجب أن تستعيد قوتك الداخلية القادرة على تجديد حياتك. ستكون مسامحة الذات على المعاناة التي سببتها للآخرين أو مسامحة الغير أسهل مما تتصور. يصعب أن نعيش من دون أن نسبّب المعاناة لمن نحبهم. حين نفهم هذه الفكرة، سنتوقف عن تحمّل مسؤولية ما يحصل.

زد مستوى وعيك

يمر الإنسان خلال حياته بمستويات عدة من الوعي ويُفترض أن تسمح له بتبديد جميع أخطائه وتوضيح أفكاره المغلوطة. لكن يميل الفرد في لاوعيه إلى معاقبة نفسه على تصرفاته. إنه حل سيئ جداً! تقضي أفضل مقاربة بتوضيح كل ما عجزتَ عن فعله بالتناغم مع روحك ووعيك وبتقبّل جميع التصرفات التي لا تتماشى مع رغباتك والتخلص من أي شعور بالذنب يرتبط بسلوك أو كلام صدر عنك.

بغض النظر عن طبيعة أخطائك، على مستوى التفكير والكلام والتصرف، يجب أن تتخلى عن مسؤوليتها كي تتحرر وتتابع حياتك بطريقة متناغمة. ما حصل أصبح جزءاً من الماضي لذا يجب أن تعيش اللحظات المتبقية لك براحة وإيجابية. يجب أن تنقطع بالكامل عن الماضي المثقل بالأعباء لأنه لم يعد جزءاً من حياتك الراهنة. ويجب أن تركز على طاقة الحب حصراً لأنها تستطيع تجاوز كل مصدر معاناة وتشفي من كل مرض. يمكن أن تحقق هذه الطاقة الموجّهة العجائب. باختصار تعلّم أن تحب نفسك!

أحبّ نفسك

يكون حب الذات أساسياً في حياتك. طالما لم تفهم هذه الفكرة جيداً ولم تدرك قيمة هذه الميزة، ستتعثر وتعاني وتمرض وتتمرّد! لكن حين تحب ذاتك، ستسامح نفسك على جميع أخطائك وستحب الآخرين وتسامحهم وستتحرر من القيود التي كبّلتك لفترة طويلة.

امتلئ من طاقة الحياة

إذا لم تفهم بعد أن مشاعر الذنب والحقد تُدمّر كيانك وجسمك وتصرّ على تغذيتها بِطاقة سلبية، يجب أن تعيد النظر في مقاربتك وتغذي مشاعرك بطاقة إيجابية وتكرر هذه الطريقة في حياتك اليومية. ويجب أن تعرف أن عدداً كبيراً من أمراضك يشتقّ من عدم قبول الذات ورفض المحيطين بك. يعكس المرض انزعاجاً معيناً أو غياب الحب تجاه الذات والحياة.

يجب أن تفهم أهمية الحياة وقيمة دورك في العالم. لا يحق لك أن تخسر نفسك وتدمّرها. في هذه الحالة، سينجذب إليك الضعفاء ويزيدون مشكلتك سوءاً. بفضل مصادر الطاقة الجديدة التي تبدأ بدمجها في أعماقك، ستخوض تحولات كثيرة على مستوى جسمك ونظرتك إلى نفسك وإلى الحياة. ستشعر فجأةً بأن جميع جوانب حياتك أصبحت أخف وطأة وأكثر بساطة شرط أن تخفف أعباءك وقيودك.

تجاوز الماضي وعِشْ الحاضر

يجب ألا تسترجع الأحداث التي تعذّبك لأن الماضي لن يعود حتى لو عشت معاناة كبيرة وشعرت بندم شديد على هفواتك أو عجزك سابقاً. لا يمكن تغيير الماضي ومن الطبيعي أن يترك آثاره وذكرياته، لكنه لا يعكس واقع حياتك الراهنة. يجب أن تتساءل عن حقيقة ما تهرب منه في الزمن الحاضر عبر التمسك بأخطاء الماضي.

ثم يجب أن تتعلّم عيش اللحظة والتخلي عن أشباح الماضي. إنها فرصة ممتازة لتحسين وضعك. لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تزيد ثقتك بنفسك وتقتنع بأنك تستطيع تغيير وضعك. يمكنك أن تعيش الحاضر أيضاً عبر التركيز على ما تفعله في هذه اللحظة إذا استعملت مفاهيم الحماسة والفرح وحب المغامرة لإيجاد أفضل طريقة كي تكتشف ذاتك وتستعيد السلام الداخلي.

صحّح وضعك بحذر

لتجاوز مشاعر الذنب، تتعلّق قيمة أساسية بالمثابرة. من الطبيعي أن تتجدد صدمات قديمة في لحظات غير متوقعة أحياناً، لذا يجب أن تقوي نفسك كي لا ترضخ لها. ويجب أن تتذكر الحلول التي اكتشفتَها كي تبتعد عن أسباب المشكلة وتستعيد الهدوء وتقتنع بأنك قادر على الخروج من ذاتك وتستطيع القيام بخيارات واعية وسلسة تتماشى مع طبيعتك العميقة. ستضمن بذلك استرجاع السلام بعد فورة مشاعر الذنب وستفتخر بتصرفاتك على مر الأيام.

تتعدد المشاكل النفسية الكامنة وراء شعور الذنب الذي نحمله في لاوعينا تجاه أشخاص أعزاء. تكثر الأخطاء التي يمكن أن تؤجج لدينا مشاعر الذنب في لحظة معينة من حياتنا، منها مستوى الحب والرعاية الذي تلقيناه في مرحلة الطفولة على حساب فرد آخر من العائلة، أو كسب الاستقلالية بأصعب طريقة، أو استحالة تلبية توقعات المقرّبين منا. إذا كنت تشعر بأنك تحمل أعباء العالم كله وتضطر دوماً الى التحقيق في توقعات الآخرين، حان الوقت لإنهاء هذا الوضع. قد يساهم العلاج النفسي أو التحليل النفسي في التحكم بمشاعر الذنب المنهجية. يسمح بعض المقاربات الفاعلة في بلوغ هذه الغاية لكن يكمن الحل الأولي في داخلك!

يجب أن تتعلّم عيش اللحظة والتخلي عن أشباح الماضي
back to top