وجهة نظر : لا ترموا وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي

نشر في 05-12-2016
آخر تحديث 05-12-2016 | 00:00
 عبدالمجيد الشطي تمخضت الانتخابات البرلمانية التي شارك فيها حوالي 70 في المئة ممن يحق لهم الانتخاب عن نتيجة مرضية، لاقت ارتياحا وقبولا عاما. لقد أصبحت معظم شرائح المجتمع ممثلة في المجلس، وخاصة فئة الشباب. وأتمنى أن يكون الشباب «ماكينة التغيير» نحو الإصلاح الاقتصادي، فهم الأمل في مستقبل أفضل وواعد، خاصة إذا أحسنوا الاستماع لوجهات النظر المختلفة وحصنوا آراءهم بالحقائق والآراء المهنية.

إن التغيير المنشود يتطلب مواجهة التحديات الاقتصادية التي لطالما تحدثنا عنها وأشبعناها بحثا ودراسة. إن المدخل لمواجهة التحديات هو أن ندرك أولا: أن الاعتماد على الإيرادات النفطية فيه كثير من المخاطرة ويعرض الاقتصاد لصدمات ربما يكون تأثير بعضها شديدا على الأوضاع العامة، مثلما حصل خلال الفترة السابقة.

ثانيا: أن الوضع الاقتصادي غير صحي وغير سليم بسبب الفساد وعدم كفاءة استغلال الموارد، والتشوهات في الأسعار الناتجة عن منظومة الدعم وتشوهات سوق العمل، بسبب سوء تطبيق «دعم العمالة»، وتجارة الإقامات، ونظام الكفيل، وسوء بيئة الأعمال، فمن المعيب جدا أن تكون الكويت الأسوأ خليجيا في مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال الصادر من البنك الدولي.

إن عملية الاصلاح الاقتصادي يجب أن تكون على رأس أولويات المجلس خلال السنوات القادمة، والتي تحتاج إلى التعاون بين السلطتين، ولتكن «وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي» بداية ومحورا للنقاش ومدخلا للإصلاح المنشود.

إن وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي تتضمن خلاصة العديد من الدراسات التي شخصت وقدمت الحلول لما تعانيه الكويت من اختلالات هيكيلة في الاقتصاد خلال الخمسين سنة الماضية (منذ أول دراسة لتنويع الاقتصاد في عام 1965)، فليس من العدالة اختزالها في «رفع سعر الوقود أو رفع سعر الكهرباء». فوثيقة الإصلاح الاقتصادي تتضمن توجهات عامة ضرورية ومتفقا عليها، وتأتي على رأسها إعادة «رسم دور الدولة في الاقتصاد الوطني، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي».

إن هذين التوجهين هما الركيزتان الأساسيتان اللتان يجب أن تبنى عليهما مسيرة إصلاح الاقتصاد وإعادة هيكلته. فمع استمرار الدولة في السيطرة على الاقتصاد ومن دون قطاع خاص نشط وقوي ومزدهر يكون رافدا لتوظيف الكويتيين، ستظل الحكومة الموظف الأكبر للكويتيين، وسيترتب على ذلك زيادة البيروقرطية والمزيد من التردي في الخدمات الحكومية، والمزيد من الفساد.

ولن تستطيع الدولة تنويع الإيرادات، وسيستمر الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات وستستمر الحكومة في الصرف، ويستمر العجز في الميزانية، فلا جدوى من الضرائب على الشركات إذا كانت لا تربح ولم يكن لدينا في الأصل قطاع خاص يعول عليه. يذكر أن النظام الحالي للدعم نظام غير عادل ويهدر الموارد ويكافئ المسرف، ولابد من تعديله.

إن مشكلة الوثيقة لا تكمن في مضمونها، بل لأن الحكومة سبقت الإصلاح المالي على الاصلاح الاقتصادي ليس فقط في العنوان، لكن أيضا في الإجراءات، إضافة الى فشلها في التسويق.

فبدلا من البدء في الإجراءات التي تنمي وتحفز وتنعش الاقتصاد، اتخذت الحكومة إجراءات تقشفية لها آثار انكماشية، مثل رفع سعر البنزين والكهرباء بهدف خفض العجز في الميزانية وتوازنها.

ولا أعرف لماذا لدينا هاجس الخوف من العجز أو الاستدانة لتمويله، فالكويت لديها ملاءة مالية ممتازة وثروة نفطية هائلة، فلماذا التخوف من الاقتراض إذا ذهبت الأموال للتنمية وعرفنا كيف نسدد الدين؟

لقد عالجت أميركا الأزمة المالية لعام 2008 بالمال والمزيد من الصرف الحكومي، بالرغم من تضخم الدين العام لديها، وتجازوت الأزمة باقتدار، فوصلت نسبة البطالة فيها الى مستوى متدن، وسجلت أسعار الأسهم أرقاما تاريخية، وعادت أسعار المنازل الى ما قبل أسعار 2008، وفي المقابل مازالت دول مثل اليونان تعاني الركود والبطالة بسبب إجراءات التقشف.

على الحكومة أن تعيد ترتيب أولويات وثيقة الاصلاح وتجعل من تحفيز الاقتصاد أولى الأولويات، وعلى المجلس أن يبني على ذلك، خاصة أن بعض النواب من الشباب قدم أطروحات اقتصادية جيدة ممكن بلورة البعض منها وضمها الى الوثيقة. فكلما تأخرنا في البدء بالإصلاح زادت تكلفته وزاد الفساد، فلا ترموا وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي، بل حسنوا فيها وابنوا عليها، وحولوها الى «وثيقة للإصلاح الاقتصادي والمالي».

* اقتصادي كويتي، عضو مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية

back to top