طائر الوطن

نشر في 04-12-2016
آخر تحديث 04-12-2016 | 00:00
 ناصر الظفيري "ياللي أنتي كل ما فيج

ياكويتنا ينحب

ونعشق هوى ترابك

مهما حدرنا شب

ودام انتي وسط القلب

ليش نسألك وينك؟"

مسفر الدوسري صوت البحر وطائر الحب الذي هاجر حضن وطنه ولم يهجره الوطن، لم يتخلف يوماً عن عشقه لهذا البحر. لم تمنعه سياجات البعد وأشواك اللقاء من أن يجد قصيدة يعشق بها أرض البلاد، التي كانت طينه وماء عروقه. ليس بإمكان المسافة أن تمتد بعيداً في روحه، التي تنبض بعشقه، حتى إن تمكنت من جسده. أبقى قصيدته معلقة على أسوارها، يعود إليها كما يعود مهاجر إلى حضن حبيبته، ويتركها معلقاً قصيدة أخرى تذكره بأنه لن يهجرها تماماً.

مسفر الدوسري، هذا الشاعر الذي غنى الأرض وعانى أيام احتلالها وتسامى عليه وجسّده في شعره أصبح يزور الأرض ليس كما يزورها الآخرون، تغيرت أوراقه الرسمية ولم يتغير انتماؤه. حين يلقى قصيدة كالتي أشرنا إلى مقطع منها في الأعلى لا يلقي تحية شاعر زائر لوطن آخر، ولكنه يلقي قصيدة ابن هذه الأرض لأمه الأرض. لا يستطيع أن يخفي جرحه الغائر في قلبه وقصيدته ولا ينكر حنينه لسماء غادرها طائر الشعر إلى أرض قريبة، فهو يغنيها وطناً حقيقياً ينتمي إليه وتنتمي إليه.

ما يميز مسفر الدوسري هو الصوت الكويتي الذي بقي يحمله، هويته الأصيلة التي تعيش في كل لفظة شعرية، وكل مفردة من مفرداته، لم تستطع سنوات البعد القسري أن تغتاله أو تعتدي على خصوصيته، وهو بذلك يقول لنا ولهم: أنا شاعر كويتي، كويتي بلهجتي وحبي وعشقي وحزني وفراقي. تغيرت الناس وتبدل العشاق ولم يتبدل مسفر ولم يمنح قصيدته إلا لمعشوقته وطناً كان أم أنثى.

هناك شعراء يجيدون الكتابة عن الحب ومسفر من القلة، الذين يجيدون الحب أكثر من الكتابة، ويبدع في كتابة الفراق كمن يبدع في كتابة الحب. يستطيع أن يصنع من فراقه ومن ملامح حزنه قصيدة عشق لا تليق إلا به.

في أمسيته الأخيرة، التي ألقاها الأسبوع الماضي، كان مسفر شاعراً يغني وطنه حيناً وفراق حبيبته حيناً آخر، تاركاً هذا الخيط الرفيع للتأويل بين أنثى تغضب وتحزن وتفارق، وبين وطن يمارس ذات الحزن والفراق والغضب. سألت مسفر وكأني أسأل نفسي لماذا لم تتبدل؟ فأجاب بكل صدق: "أنا ابن هذه الأرض كل ما بداخلي ينتمي إليها". هذا العشق الحقيقي لا يطلب الآن منه شيئاً سوى أن يعيش علاقته الخاصة بوطن حمله بين دفتي قلب ينشره شعراً أينما كان. حاولت ظروفه القاسية أن تخرجه من وطنه ولم تستطع كل الظروف القاسية أن تخرج الوطن منه. بقي صوته مشبعاً برائحة البحر وعطش الصحراء.

"لو غيبوا شمسج

تبقين فينا نور

لا كويتي قبل السور

لا كويتي بعد السور

كل اللي فوق أرضج

دم بشرايينج"

هو مسفر الدوسري واحد من أهم المدارس الوطنية التي نتعلم منها.

back to top