ارجعوا إلى الثوابت كي لا تندموا

نشر في 23-11-2016
آخر تحديث 23-11-2016 | 00:15
No Image Caption
لم يبقَ على فتح صناديق الاقتراع للناخبين إلا أيام معدودة، يُدلي بعدها كلٌّ بصوته، ويختار ممثله في مجلس الأمة.

وحين يختلي الناخب بالصندوق أمامه، والورقة في يده، فعليه أن يختار ما يُمليه عليه ضميره، وما تحدده له قيمه ومبادئه وثوابت تفكيره.

أمام صناديق الاقتراع... يجب أن ندرك، كناخبين، أننا أمام استحقاق وطني كبير، فنحن مسؤولون عن النتائج، ومحصلتها بأيدينا، ونحن مطالبون من أنفسنا وضمائرنا أن نصوِّت لتعويض ما افتقدناه في مجالس كثيرة، وما كنا ولا نزال نتحسَّر عليه من نتائج متكررة للانتخابات.

افتقدنا الضمائر الصادقة التي كانت تضع الوطن نُصب أعينها، حتى وصلنا إلى مخرجات برلمانية كرَّست الطائفية والقبلية والمال السياسي، وأشعلت سلوكيات التجاوز وخرق القوانين والواسطة والاستثناء... كل ذلك كان من صنع أيادي المصوتين الناخبين.

وطمرت الممارسات الانتقائية للتصويت المبادئ والثوابت التي جُبل عليها أهل البلاد في اختياراتهم منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حتى بدء العمل بدستور 1962.

لقد مرَّ على الممارسة الانتخابية أكثر من نصف قرن، وهو ليس عمراً طويلاً في تاريخ الأمم، لكنه ليس كذلك بالعمر القصير، فهو سن الرشد لأي ممارسة سياسية، التي تأتي بعدها سن النضج والتمكن، لكننا - وبكل أسف - لم نمضِ بالخمسين عاماً إلى سن النضج، فعبث مَن عبث بالممارسة، بينما عمل آخرون على تدميرها وتخريبها وتفريغها من محتواها، ورافقتها جراح أدمت التجربة، وأبرزت سلبياتها على حساب إيجابياتها... وكان الناخب ولايزال هو الأداة التي تمارس هذا التجريح، وهو الذي يُدمي ويشوِّه وجه التجربة، وهو الذي يفرغها من محتواها، بدلاً من أن يثريها ويؤصلها.

حين يكون الناخب عُرضة لأوهام وأساليب في الخطاب والإثارة السياسية التي يغذيها الإعلام المدعوم بالمال السياسي، فإن النتيجة حتماً لا تأتي بما يحتاج إليه الوطن، بل تكون محققة لمكاسب أصحاب هذه الأساليب وتلك الخطابات... فليس كل معارض، أو كل مدَّعٍ للمعارضة صادقاً وأهلاً لأن يمثل الأمة، وليس كل ذي صوت عالٍ وحادٍّ يستحق أن ينال شرف العضوية، وليس كل مدَّعٍ للدين يمثل الدين الحق، واختيارات المذاهب والقبائل ليست اختيارات وطن، بقدر ما هي اختيارات على حساب الوطن... بل إنها تضع الدولة في أدنى اعتباراتها، والكفاءة لا تعني لها شيئاً، فالأفخاذ والمذاهب ومشايخها أو مراجعها هم الذين يحكمون، وكل ذلك تهميش للممارسة الديمقراطية وخرق لثوابتها ومبادئها التي جبلنا عليها في بدايات الممارسة السياسية والتي توارثناها من جيل المؤسسين.

قد يقول قائل إن الناخب ضحية، فقد تكالبت عليه قوى وظروف أكبر منه، فهناك متنفذون يؤثرون، وهناك أدوات إعلامية تساهم في توجيه دفة الممارسة السياسية... وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن الناخب الذي يرضى بأن يكون أداة لجريمة بحق وطنه يتحمَّل المسؤولية، والناخب الذي يساهم في تهميش وطنه وإلغائه على حساب مصالحه أو مصالح فئته أو طائفته أو قبيلته، هو في نهاية الأمر المسؤول عن تشويه الممارسة الديمقراطية، وهو شريك في نحر وطنه، من حيث يدري أو لا يدري.

لقد مررنا بمجالس مختلفة، السواد الأعظم منها لم يقدم للوطن ولا للمواطن شيئاً، مجالس يتحمَّل مسؤولية رداءتها الناخب لا غيره.

إننا، كناخبين، نملك تحديد مصيرنا بأيدينا، فإذا أحسنّا الاختيار، نكون قد خدمنا وطننا ومواطنينا، وإن أسأنا، فكلنا سندفع الثمن، ولنا في تجارب آخر المجالس عِبر ودروس.

بقي أن نقول: لقد آن الأوان لنعيد إلى الوطن نضارته، ونبقيه وطناً حياً، حيوياً، نحيا به، ونحيا معه، نعطيه أكثر مما نأخذ منه، وهذا أقل الوفاء... وكل الوفاء أن نكون صادقين معه، وأن نجسِّد ولاءنا له، لا لغيره، كائناً ما كان، وحين نختلي بصناديق الاقتراع، علينا أن نفكر فيه، وفي مصالحه، ونضعه نُصب أعيننا، بدلاً من أن ننصب عليه.

الجريدة

back to top