الموصل... معارك محورية وعدوّ شرس

نشر في 26-10-2016
آخر تحديث 26-10-2016 | 00:04
جنود عراقيون يحتفلون على مشارف الموصل
جنود عراقيون يحتفلون على مشارف الموصل
بدأت المعركة على الموصل، تلك المدينة المحورية بالنسبة إلى «الدولة الإسلامية». من جهة يبرز تحالف هش له أهداف سياسية متضاربة، ومن جهة أخرى يقف عدو وحشي قد يستعمل أكثر الطرق تطرفاً للدفاع عن تلك المدينة العراقية الكبرى، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية. «شبيغل» سلّطت الضوء على هذا الموضوع وجاءت بالتالي.
يشبه التوجّه إلى الموصل الاقتراب من نهاية العالم! يهدف ستار داكن إلى عزل طائرات المهاجمين ومروحياتهم لأن الدخان يزعج الحناجر ويسبّب الصداع. أطلق أسطول حربي فيه أكثر من 30 ألف جندي ومقاتل من ستة بلدان على الأقل عملية هجومية كبرى ضد عاصمة «دولة الخلافة» في شمال العراق يوم الاثنين الماضي. هذا الحشد ليس فحسب أكبر تحالف يجتمع لمحاربة «الدولة الإسلامية»، بل إنه الأقل توقعاً أيضاً.

يمكن أن نتوقّع إقدام المجاهدين على ارتكاب أي عدد من الأعمال المشينة للتمسّك بأهم مدينة بالنسبة إليهم ومقر عدد كبير من قادتهم. في المقابل، يشكّل المهاجمون جزءاً من تحالف هش جداً: تقدّم القوات الجوية والقوات الخاصة الأميركية إمكانات عسكرية ضخمة يمكن أن تتفاعل سريعاً مع الوقائع الميدانية. في الوقت نفسه، تفتقر جهتان أكثر قوة ميدانياً إلى الثقة المتبادلة: مقاتلو البشمركة من «حكومة إقليم كردستان» والميليشيات الشيعية في معظمها من «قوات الحشد الشعبي».

أعلن مرسوم حديث أن هاتين القوتين تمثلان قوات الدولة العراقية لكنهما تخضعان فعلياً لسيطرة الحرس الثوري الإيراني. تنشر الميليشيات الشيعية الخوف بين الناس، واتُّهمت بطرد السُنّة وتعذيبهم وقتلهم بطريقة منهجية. كذلك يُشتَبه بتنفيذها حملة تطهير طائفي واسعة النطاق بحجّة محاربة «الدولة الإسلامية».

رسمياً، تحصل عملية الموصل بقيادة الجيش العراقي الذي تدرّب وتسلّح على يد الولايات المتحدة منذ انهياره في عام 2014. لكنه لا يستطيع إصدار الأوامر لأطراف أخرى تشارك في الهجوم على الموصل ولا يتمتّع بالمستوى نفسه من القوة العسكرية. على صعيد آخر، انتشر ألفا جندي تركي في موقع قريب من الموصل رغم صدور اعتراضات عنيفة من بغداد ومن عدد مجهول من المقاتلين الأكراد من «حزب العمال الكردستاني» في تركيا وسورية، أي القوات التي تخوض الحرب مع الجيش التركي. ويفصل الجنرالات العراقيون الأكراد بين الوحدتين.

يُستعمَل خليط غريب من المعدات التقليدية والمتطورة تكنولوجياً: تحوم مروحيات هجومية أميركية فوق مساحة مبهمة، بينما تسير مركبات «هامفي» عسكرية تعود إلى الجيش العراقي بموازاة سيارات «كيا» خاصة بالمقاتلين الأكراد إلى جانب سيارات دورية شرطة حماية النفط.

فالهجوم يزداد وحشيةرعي

رغم كل ما يحصل، يؤكد المسؤولون العراقيون والأميركيون نجاح أولى أيام الهجوم الذي تأجّل بشكل متكرر طوال سنة. بحسب قولهم، تتحرّر بلدات إضافية يومياً، كانت شاكولي واحدة منها. حتى اليوم ينتشر على طرفها، بالقرب من معسكر الخازر شرقاً، حطام محروق لإحدى المركبات الوحشية التي أثبتت أنها واحدة من أبرز الأسلحة التكتيكية المرعبة لدى «الدولة الإسلامية»: إنها شاحنات مدرّعة تزن 20 طناً ولا يستطيع سائقوها الخروج منها إلا من خلال فتحة فولاذية وتحمل مقاعدها أطناناً من متفجرات «تي إن تي» لتفجير المركبات والعدو في آن.

يقول مسؤول كردي على طرف البلدة: «لا شيء يستطيع إيقافهم: لا الأسلحة الرشاشة ولا حتى الأسلحة الروسية المضادة للدبابات. لا شيء إلا صواريخ «ميلان» التي قدّمتها ألمانيا».

لكن تقتصر بلدة شاكولي على عدد صغير من المنازل الواقعة على منحدر، وقد تركها سكانها منذ سنة. عمد موقع المدفعيات الكردية فوق التلة، على بُعد مئات الأمتار، إلى قصف البلدة طوال أشهر فيما كان المجاهدون يختبئون في الخنادق والأنفاق. يقول المسؤول الكردي إن ثلاثة أو أربعة مجاهدين منهم لا يزالون هناك، مضيفاً أن الدخان يملأ البلدة الآن نتيجة لحرق العجلات لطردهم. وهو لا يريد أن يجازف بحياة رجاله في مهمّة مماثلة. تتمدّد جثث سبعة مقاتلين من «الدولة الإسلامية» بعدما دُفنوا سريعاً حيث ماتوا، وتبرز يد داكنة حتى الآن من إحدى أكوام التراب.

حتى اليوم، لم يحصل النزوح الجماعي المتوقع من الموصل لأن «الدولة الإسلامية» تأخذ المدنيين رهينة من خلال زرع الطرقات بالألغام وإطلاق النار على من يحاولون الهرب. لكن نجح رجلان في الهرب من بلدتهم الخاضعة لسيطرة «الدولة الإسلامية» وعدّدا أسماء بلدات أُجبر سكانها على التوجه نحو الموصل تحت تهديد السلاح: «سفينة، أرفيلة، نصف تل، طويبة، جرف النصر». تطول اللائحة وتشمل 14 بلدة في أقرب المناطق المجاورة وحدها.

قال أحد الرجلَين: «يتعرّض من يرفضون الذهاب لإطلاق النار. أو يمكن أن يأخذ عناصر «الدولة الإسلامية» أولادهم ويهددوا بقتلهم. أخذوا أربعة أفراد من عائلتي وحدها». سيقوا إلى مكان قريب من المدينة لاستعمالهم كدروع بشرية ومنع الطائرات من شنّ هجومها.

يتحدّث آخرون عن أخذ الرهائن. تتناقش مجموعة من الجنود في الشعبة عن احتمال ذهاب السكان من تلقاء نفسهم لكن يهزّ ضابط المراقبة رأسه معترضاً: «لا. يسود النمط نفسه في كل مكان. يُساق المدنيون إلى مكان قريب من الموصل».

تقع الموصل على بُعد 40 كلم فقط من الجبهة الجنوبية و15 كلم من الجبهة الشرقية. لكن تبقى الأنباء الصادرة من المدينة ضئيلة ومنقوصة ومتناقضة: منذ فترة غير طويلة، يقال إن أشخاصاً مجهولين بدأوا يضعون ملاحظات صغيرة في نسخ القرآن داخل المساجد وعليها عبارة «اقتلوا الدواعش!».

يتحدّث أحد المصادر عن اندلاع انتفاضة عامة. لكن يعتبر مصدر آخر أن الوضع هادئ، موضحاً أن رجال «الدولة الإسلامية» يقومون بدوريات على دراجات نارية كي لا يصبحوا أهدافاً سهلة للضربات الجوية. ويقول مصدر ثالث إن المدنيين يحتشدون ويتسلحون بالسكاكين ويقتلون أي مقاتلين يصادفونهم من «الدولة الإسلامية».

لا أحد يعرف أي خبر هو الأصح.

تهديد كيماوي

رغم تقدّم مختلف قوات التحالف في الأيام الأولى، قد يسوء الوضع مجدداً. حتى الآن، استعملت «الدولة الإسلامية» جزءاً بسيطاً من ترسانتها، فزرعت الشوارع والجسور والمنازل بالألغام ونشرت القنّاصة وجهّزت مدفعياتها. لكن ثمة سلاح واحد لم تستعمله بعد: الأسلحة الكيماوية. في أغسطس 2015، أطلق مقاتلو «الدولة الإسلامية» قذائف غاز الخردل على بلدة مارع في شمال حلب. لاحقاً، تعرّضت وحدات البشمركة في شمال العراق للهجوم بغاز الخردل والكلور.

لكن من أين حصلت «الدولة الإسلامية» على تلك الأسلحة؟ يسهل تصنيع الكلور بكميات كبيرة لأنه عنصر كيماوي صناعي. لكن ماذا عن غاز الخردل؟

يقول هاميش دي بريتون غوردون، خبير بريطاني بالأسلحة الكيماوية: «تتعدد المصادر المحتملة. قد تأتي من المخازن السورية أو من المخازن العراقية القديمة». تبرز أدلة على صحة الاحتمالَين معاً: دُفنت آخر احتياطات الأسلحة الكيماوية العراقية سراً في بداية التسعينيات. وترتبط المجموعة نفسها من كبار الضباط المنتمين إلى الجهاز السري والمشرفين على هذه العملية اليوم بقيادة «الدولة الإسلامية». إنهم الأشخاص الذين يعرفون مخبأ القذائف القاتلة على الأرجح.

في الوقت نفسه، كان يُفترض أن يفتح كبار المفاوضين السوريين جميع مساحات التخزين والمختبرات بعد عام 2013 ويسلّموا جميع الكميات المخزّنة داخل البلد، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وفق تقرير غير معلن لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، احتفظ النظام في المقام الأول برؤوس حربية مليئة بغاز الخردل. يتحدث الخبراء عن وجود 100 أو 200 طن من قذائف غاز الخردل، لا سيما النوع الذي أطلقته «الدولة الإسلامية» في الماضي.

كان بريتون غوردون في السابق قائداً للفوج الكيماوي البيولوجي الإشعاعي النووي البريطاني المشترك، وسافر حديثاً إلى سورية بشكل متكرر بحثاً عن دليل يثبت إقدام نظام الأسد على استعمال غاز الكلور في الاعتداءات. بحسب رأيه، ثمة احتمال ثالث حول مصدر غاز الخردل لدى «الدولة الإسلامية» وهو الأقرب إلى الواقع بنظره: «أصبحنا متأكدين الآن من قدرة «الدولة الإسلامية» على إنتاج غاز الخردل وحدها».

مع ذلك لا تطرح الأسلحة الكيماوية منزلية الصنع أكبر خطر داهم. يقول الخبير: «على بُعد 40 كلم في جنوب الموصل، يقع مصنع المشراق العملاق للكبريت. إذا فجّرته «الدولة الإسلامية»، قد تتكوّن سحابة من مركّبات الكبريت والهيدروجين القاتلة. ستنشأ حينها نسخة عراقية من أحداث «بوبال»، في إشارةٍ إلى الكارثة التي وقعت في عام 1984 في «بوبال»، حين مات آلاف الناس بعد إطلاق أطنان من المواد السامة من مصنع كيماوي هندي.

صدرت تقارير مفادها أن «الدولة الإسلامية» أشعلت مخازن الكبريت في المصنع، ما أدى إلى نشوء سحابة من الدخان السام، وأفادت وكالة «رويترز» بدورها أن مستشفى في جنوب الموصل أعلن عن استقبال نحو ألف شخص أصيبوا بمشاكل تنفسية نتيجة ما حصل.

تحالف هش

ربما يحصل أي نوع من التطورات في أي وقت: يمكن أن يصبح قادة «الدولة الإسلامية» وكل من يصدّق الحملة الدعائية عن حرب نهاية العالم مسؤولين عن اقتراب تلك النهاية. لكن قد تكون الإشاعات السائدة داخل أوساط «الدولة الإسلامية» صحيحة أيضاً، بمعنى أنّ ممرات الهروب السرية نحو سورية ربما بقيت مفتوحة مقابل امتناع «الدولة الإسلامية» عن ارتكاب جرائم قتل جماعية بالأسلحة الكيماوية.

ربما يبدأ القتال في الموصل أيضاً بين الأشخاص الذين يفضّلون تدمير كل شيء على الاستسلام والأشخاص الذين يريدون تجنب تدمير المدينة بالكامل. يعتبر المخبرون أن هذه المعارك بدأت أصلاً وقد تتوقف نجاة مئات آلاف الناس على نتيجتها.

بغض النظر عن ميل «الدولة الإسلامية» إلى التعامل بوحشية مع هزيمتها العسكرية في الموصل، قد تصبّ هذه النتيجة في مصلحة المجاهدين على المدى الطويل. بدأ الحلفاء على جبهات القتال يشككون ببعضهم بعضاً منذ الآن. لا يجمعهم إلا عدوهم المشترك وسعيهم إلى طرده من الموصل. حين يتحقّق هذا الهدف، قد يصبح حلفاء اليوم أعداء الغد. طالب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بانسحاب الجيش التركي من العراق في مناسبات متكررة.

حضرت القوات التركية لفرض الميليشيات المتحالفة التي تنتمي إلى حاكم الموصل السابق كحكّام للمدينة، علماً أنها تشمل أكثر من 3 آلاف مقاتل. في غضون ذلك، أعلنت الميليشيات الشيعية نيّتها مهاجمة الوحدة التركية مع أنها تتلقى الأوامر من طهران وليس بغداد. هكذا أصبحت الموصل ساحة نزاع بين قوى متنوعة.

رسمياً، يُفترض أن يدخل الجيش والشرطة الاتحادية إلى المدينة دون سواهما، لكن أعلن زعيم الميليشيات الشيعية بشكل متكرر أنه يريد الاستيلاء على الموصل أيضاً.

قال رجل داخل المدينة منذ بضعة أشهر: «نخاف من الجميع. نخاف من الدواعش الذين يحتلوننا ونخشى أن ترغب الميليشيات الشيعية في طردنا وقتلنا».

يأمل صاحب مدوّنة «عين الموصل» أن تبقى الموصل جزءاً من العراق شرط حصول ذلك تحت مراقبة دولية نظراً إلى استحالة الوثوق بأحد في هذا البلد، بحسب قوله.

* كريستوف رويتر | Christoph Reuter

المسؤولون العراقيون والأميركيون يؤكدون أن بلدات إضافية تتحرّر يومياً

«الدولة الإسلامية» تأخذ المدنيين رهائن وتطلق النار على من يحاولون الهرب
back to top