وليمة دخيل الخليفة الجديدة

نشر في 26-10-2016
آخر تحديث 26-10-2016 | 00:00
 طالب الرفاعي عادة ما يستقبل المبدع صدور عمله الجديد بفرح ونشوة. فأي عمل أدبي هو مخاض عسير وولادة، خاصة لمن يُدرك قيمة الكلمة ودورها المؤثر بمن حولها. لكن الصديق الشاعر دخيل الخليفة، ومع صدور ديوانه الأخير عن دار "مسارات للنشر" بعنوان؛ "أعيدوا النظر في تلك المقبرة" عبّر بمرارة عن وجعه قائلا: "ديواني الجديد... سيكون الأخير في تجربتي الشعرية... شعور باللاجدوى يداهمني".

أخي العزيز دخيل، عرفتك منذ ما يزيد على العقود الثلاثة، معاً مشينا درب الحرف والكلمة والشعر والقصة والرواية والعمل الثقافي والألم. لكن بخاطري أسألك؛ "متى كانت الجدوى حاضرة على جادة ذاك الطريق؟ ومتى كان الشعود مُداهماً؟".

يا صديقي لا أظنك نسيت كلمات ذاك المتوحد سركون بولص، الذي مات في غربته، ولسان حاله يردد:

"هذا طريق من سار عليه،

أضاع أمه وأباه،

وأضاع الأول والتالي".

دخيل، شعور اللاجدوى لا ينفك يلوح لنا أجمع صباح مساء. كيف لا وقد صار العنف الأعمى وغدت الوحشية زاداً على مائدة المواطن العربي، في سورية واليمن والعراق وليبيا ولبنان وشيء من مصر وغيرها حول العالم كثير؟ العنف الأعمى والوحشية صارا يبنيا أعشاشهما فوق رؤوسنا وتحت أظافرنا. ويكفي أن تقترب من أي وسيلة تواصل اجتماعي لترى الصور المفزعة وتقرأ ما يقطّع قلبك.

صديقي دخيل، شكسبير يقول؛ "إنه من غير الطبيعي أن تكون طبيعيا في ظروف غير طبيعية". وكل ما حولنا عربياً وعالمياً مقلوب يقف على رأسه محركاً قدميه المتسختين في الهواء! فهل تريد أن تكون طبيعيا مطمئنا القلب، والعربي يموت غرقاً في بحار الدنيا، دون أن يجد يداً تمتد إليه، وإذا امتدت له كف لينة في أوروبا أخذته إلى معسكرات لاجئين تعاف النفس العيش بها، حتى أن موجة لجوء معاكس بدأت تنبعث في أوروبا وتركيا تقول؛ "أموت على أرض بلدي أستر وأحسن".

يا دخيل متى كانت القصيدة استرخاء وبطراً حتى تكون لك كذلك؟ فأنت تعرف جيداً صديقك "أبو عادل" مظفر النواب، وهو يردد باكياً حين يشتد به الوجد: "مو حزن لكن حزين/ مثل ما تنقطع جوّا المطر/ شدّة ياسيمن/ مو حزن لكن حزين/ مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضي السنين/ مو حزن لكن حزين/ مثل بلبل قعد متأخر/ لقى البستان كلها بلاي تين/ مو حزن لكن حزين".

عزيزي دخيل قدرنا أن نعيش وشيء من المرارة في خفق قلوبنا. ولذا، وكما عشتَ عمراً ترفس بقدمك حصى الطريق، دون أن تدمي قدمك، لترفس هذه اللاجدوى، ومؤكد أنك لم تكن محقاً حين قلت داهمني، فهذا الشعور النبيل ينام ويصحو معنا.

عزيزي أيها الشاعر، مضَّ اليباس بأغصان أشجار كثيرة من حولنا؛ أغصان شجرة الأصدقاء، وأغصان شجرة الإبداع، وأغصان حلم شجرة الوطن العربي الحبيب، وأغصان وأغصان. بات أحدنا يردد أبيات ذاك الذي مات في ريعان شبابه؛ رياض الصالح الحسين، قائلاً خلف بول فانسانسيني؛ "أعدّ الأيام على أصابعي/ وعليها أعدّ أيضاً/ أصحابي وأصدقائي/ وفي يوم ما/ لن أعدّ على أصابعي/ سوى أصابعي".

دخيل يا عزيزي، صديقي وصديقك علي المسعود كتب قبل أيام في حسابه على "تويتر" يقول: "كان أحد الأصدقاء يتصل، يقول: حيّاك، عازمك على قصيدة جديدة. ولابد من تلبية دعوته على وليمة الشعر. هل انقرض هذا النوع من الشعراء؟"، وأنا أردّ على صديقنا الأحب علي أقول؛ "لا يا عزيزي، لم ينقرض هذا النوع من الشعراء، وها هو دخيل الخليفة يدعونا لوليمة جديدة عنوانها "أعيدوا النظر في تلك المقبرة".

أخي دخيل، الإنسان في كل مكان يعيش متأرجحاً على عارضة لحظته الشاهقة، ما عاد له من شيء يحفظ توازنه إلا الفن... أرجوك أعد النظر بقرارك.

back to top