جومانا أبو مطر: ألواني تبوح بصراخٍ هادر في أعماقي

شاركت في «صالون موناكو للفن التشكيلي» مع 44 فناناً عربياً

نشر في 26-10-2016
آخر تحديث 26-10-2016 | 00:03
شاركت الرسامة التشكيلية اللبنانية جومانا أبو مطر في «صالون موناكو للفن التشكيلي» (من 22 إلى 25 سبتمبر)، إلى جانب 44 فناناً تشكيلياً عربياً من: المغرب، والسعودية، وعمان، ولبنان، وتونس، وسورية والعراق.
وتأتي هذه الخطوة لجومانا أبو مطر ضمن سلسلة من المشاركات في دول عربية وغربية، عرضت خلالها لوحات عكست هموم الإنسان في الوطن العربي وآلامه، وأوصلت صرخة المقهورين والرازحين تحت نيران الحروب... وفي كل لوحة ترسمها، كانت دموعها تمتزج بألوانها وتجعل لوحتها تصرخ أن كفى قتلاً وذبحاً وتدنيساً لكرامة الإنسان في هذا الشرق.
حول الرسالة التي تحملها من خلال لوحاتها ومجمل مسيرتها الفنية وتجربتها في كتابة الشعر، كان الحوار التالي معها.
اخترت الأزياء الفلكلورية اللبنانية محوراً في لوحاتك، لماذ التركيز على هذه الناحية؟

لأنها أحد عناوين الأناقة والجمال في تراثنا اللبناني الأصيل، وتعبّر عن حقبة زمنية ما قبل عام 1880، إذ كانت ترتديها الطبقة الأرستقراطية آنذاك، فضلاً عن أن التراث يلفت من ناحيتي الشكل والألوان، وأنا أفخر به ليس لجهة الأزياء فحسب، بل لناحية العادات والتقاليد، فجميل أن تبقى في ذاكرتنا ونرسمها حين نريد توثيقها للأجيال. كذلك رسمت جبران خليل جبران لأنه أديب وشاعر ورسام لبناني معروف في العالمين الشرقي والغربي، ورأس الحصان العربي ذي القسمات الجميلة.

لم يتضمّن المعرض لوحات عن الوجع العربي اليوم، فيما رسمت هذا الوجع في لوحات عرضتها في دول أوروبية وعربية.

صحيح، أردت في «صالون موناكو للفن التشكيلي» إبراز صورة عن لبنان الحضارة والتراث، من دون أن أنسى الواقع الذي نعيشه في العالم العربي، إنما أردت أن أعبّر عن عشقي لوطني بهذ الطريقة.

أما اللوحات التي عرضتها في أوروبا والمغرب... فجسدت من خلالها معاناة أمتي، مثلاً عندما انتهيت من رسم لوحة «النفس الأخير»، التي عرضتها في مدينة أليكانتي التاريخية الجميلة في إسبانيا، ملأت الدموع عينيّ وتساءلت: ترى، هل من أحد سيقرأها وسيفهم أبعاد مأساة أمتي؟ لكن الحمد لله قرأتها الجمعية الإسبانية- العربية المغربية، ونلت درع المعرض وهو رمز قلعة أليكانتي الإسبانية.

أمل وألم

ما أبرز اللوحات التي عرضتها في أنحاء العالم وتعكس مأساة الأمة العربية؟

شاركت بـ»بوابة الأمل» في سمبوزيوم روما، و»الوردة الدامعة أو الخجل» في إسبانيا، و»ربيع لبنان» في مراكش، و»موعد مع الفرح واللقاء» في أوهايو أميركا، و»رقصة الفرح» في الحديقة العالمية في كليفلند بأوهايو. وفي تورنتو بكندا شاركت مع مجموعة من التشكيليين العرب ضمن سلسلة معارض بعنوان «الوجه الآخر».

في هذه اللوحات، أبوح بألواني بالصراخ الداخلي الهادر في أعماقي لتكون ناطقة على الجدران الصامتة، وتخترق الآذان فتسمع ندائي للسلام والحب، والفرح والجمال. هذا الكوكب الجميل الذي نرسمه ونتغزّل به هو ملك الإنسانية جمعاء كما الشمس والماء والهواء وليس حكراً على أحد، لذا نرسم بألوان الفرح وقوس قزح.

تنبض لوحاتك بعشق لبيروت، لكنك ترسمينها مكبلة بالأسلاك والأغلال، فهل هي مدينة تختنق برأيك وما دور الرسام في تحريرها من قيودها؟

بيروت عاصمة وطني الغالي لبنان... بيروت عروس البحر والعواصم المتلألئة بالحب والجمال... لم أرسمها مكبلة أبداً، لأن بيروت ترفض القيود وتبتلع دموعها ومعاناتها... بيروت جابهت المؤامرات وخرجت منها بصبر وكبرياء... رسمت بيروت خلف الأسلاك، لأقول للعالم ألا شيء يمكن أسر هذه المدينة لأن اشعاعاتها الروحانية المتوهجة بمحبة أهلها تحميها وتزيدها ألقاً ورونقاً، وستبقى مضاءة من خلف تلك الأسلاك الوهمية الواهية التي ستتلاشى مع الأيام.

أنت ابنة حضارة عريقة تعود إلى آلاف السنوات لها أكبر فضل في اختراع الأبجدية، فكيف تتجلى هذه الحضارة في لوحاتك؟

تجري عراقة أمتي وأصالتها في دمي، ففي إحدى لوحاتي رسمت طائر الفينيق ينفض جناحيه من تحت الرماد وينطلق فوق السهول والجبال والوديان، وهو رمز لهذه الحضارة ولهذا الإنسان اللبناني الذي يتعالى على المحن والشدائد ويبقى متجذراً في هذه الأرض.

تعبير وتفاعل

تعتمدين الأسلوب التعبيري في رسمك فكيف يتفاعل معه الجمهور في البلدان التي تعرضين فيها لوحاتك؟

التعبيرية لغة تشكيلية لا تقيّد المتلقي بموضوع معين بل تجعله يكتشف بنفسه أبعاد اللوحة في حال اخترق عمقها، ففي كل بلد كان الجمهور يتفاعل بطريقة مختلفة مع لوحاتي، وهذا أمر طبيعي لأن العناصر التي تؤلف لوحتي متشعبة ولا بد من أن تمسّ بطريقة أو بأخرى المتلقي، وفق طبيعة مجتمعه ومفاهيمه وعاداته. لمست ذلك في معارضي، سواء في بيروت أو الخارج، لا سيما معرض «بيروت للفن المعاصر» (2003) الذي نظمته اللجنة الفرانكوفونية العالمية، فكان لاختيارها لوحتي «الحياة» أثر جميل ومهم في مسيرتي الفنية، إذ أدرج اسمي مع الفنانين العالميين الكبار المختارين من خمس قارات الذين شاركوا في المعرض، وتتالت هذه المواقف في معارض خارجية.

ما هو موقع الرسام التشكيلي في العالم العربي وهل ثمة محظورات مفروضة عليه من ناحية اختيار المواضيع؟

يختلف موقع الفنان التشكيلي في العالم العربي من منطقة الى أخرى أو من بلاد إلى أخرى، وفق ثقافة المجتمع ونظرته إلى دور الفنان التشكيلي في قدرته على التعبير بألوانه عن القضايا التي يرسمها. نحن الرسامين نتفاعل معاً ضمن مرجعية فنية ونقدّر بعضنا البعض في مجتمع يقدّر عمل الفنان ونضاله الثقافي الواسع. لكن ذلك يفيد من الناحية المعنوية فيما الناحية المادية متقهقرة، نظراً إلى الكوارث السياسية المحتدمة في بلادنا العربية، لذا يشبه الرسام الزهرة العابقة بالأريج التي لا تلبث أن تذوي وتموت بعد أن تنشر شذاها في المحيط، وهيهات أن يصل عبيرها إلى الجميع.

لا محظورات مفروضة على الرسام من ناحية اختيار المواضيع خصوصاً في ملتقياتنا الفنية العالمية، إذ يرسم الفنان التشكيلي ما يحلو له... وفي بعض الأحيان تكون المعارض موسمية أو ذات موضوع ثقافي معين تفرض على الفنان المشارك فيتفاعل مع الموضوع ويعبّر بإحساسه الصادق.

للطبيعة مساحة واسعة في لوحاتك فهل تحملينها تفاعلات مشاعرك وأحاسيسك؟

أرسم لوحتي بكل صدق وأحاول قدر الإمكان أن أعطّرها بسحر المكان والزمان الذي أرسمه بحواسي وإحساسي بالجمال، سواء كان ذلك طبيعة أو تجريداً أو تعبيراً أو خطوطاً أو رمزياً أو تقليدياً أو طبيعة صامتة... ولو اختلفت التقنيات أو المواد المستعملة للرسم ضمن حرفيات متنوعة، يبقى الرسم نابضاً بأصالة الشعوب ومدى ثقافتها وحضارتها في كل عصر. 

ما الذي يحفّزك على الرسم؟

إخلاصي للرسم، ووفائي لوطني، واحترامي لنفسي، وتقديري لموهبتي التي صقلتها بالدرس والجد والممارسة الفعلية والمثابرة. أشكر الله الذي جعلني في توق دائم إلى الريشة والقلم كي أعبّر بفن وإبداع صادق وجميل.

كيف بدأت علاقتك مع الخط واللون؟

القلم والريشة والألوان أصدقائي ورفاق عمري منذ زمن بعيد، الرسم والشعر هما الهواء الذي أتنفسه وسعادتي وفرح أيامي. أنا في عطش دائم لأرسم وأكتب وأخطط الحروف العربية في قلب بعض لوحاتي... إنه الالتزام بمفهوم الحب والعشق لمهنتي. أشعر بفرح كبير عندما تنتهي لوحتي وخطوطي أو قصيدتي وأضع توقيعي عليها، ما يعني أنني راضية عنها وباتت جاهزة لتشاهدها عيون الناس ومحبي فني وأدبي.

برأيك هل غيّرت التقنيات الحديثة من فيديو وتجهيز طابع الرسم أم ساهمت في اتساع مساحة التعبير؟

هذه الأمور كلها مجتمعة. اجتاحت اللوحات المطبوعة لروائع المتاحف أنحاء العالم ووصلت إلى بيوتنا. لكن الرسم بالريشة واللوحة الطبيعية أي الأساسية يظلان الأفضل للعين والروح، كونهما يحملان روحية الفنان ويحفزان على التفاعل النفسي معه... اللوحة المطبوعة لا حياة فيها لأن الآلة أخذت بريقها وأقصت رونقها من قلب المتلقي وعينه... 

حكاية شاعرة

إلى جانب الرسم، تكتب جومانا أبو مطر الشعر، حول التكامل بينهما توضح: «أكتب الشعر. منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري. وعندما أصبحت في السابعة والعشرين، جمعت قصائدي ورتبتها في كتاب واخترت له لوحات وإخراجاً جميلاً وأسميته «شوق على أرض الجراح»، وتتالت كتبي الشعرية والأدبية النثرية فكان: «حفنة نور، الرسم شروق في جنة الروح، عطش الأماني، جاءني البحر».

تضيف: «عندما أكتب أشعر كأنني أرسم، فثمة ترابط فكري وروحي ولو اختلفت المواد. تتكوّن الصورة في خاطري فأكتبها أو أرسمها حسب النداء الداخلي الذي يهتف بي إلى اللون أو إلى القصيدة على مساحة النغم الشعري، أو تناثر الألوان لتحاور بعضها بعضاً ضمن أفق موضوعي محدّد. لذا القصيدة أشبه بلوحة أو العكس، والشعر والرسم متلازمان في حياتي وينبضان معاً في دمي، ولو بقي لكل منهما عالمه الخاص ولونه المميز وطابعه الأنيق».

عراقة أمتي وأصالتها تجريان في دمي وفي إحدى لوحاتي رسمت طائر الفينيق

القلم والريشة والألوان أصدقائي ورفاق عمري منذ زمن بعيد والرسم والشعر هما الهواء الذي أتنفسه
back to top