حين يُدار الإعلام بعقلية أمنية

نشر في 24-10-2016
آخر تحديث 24-10-2016 | 00:15
No Image Caption
حين تربع الشيخ سلمان الحمود على عرش وزارة الإعلام، تشاءمنا كثيراً، ولم نكن مقتنعين، بحال من الأحوال، أن هذه الوزارة ستتطور، أو لنقل ستتغير... منذ أتاها سلمان الحمود تغيرت، لكن إلى الأسوأ والأردى، واستطاع أن يحقق إنجازاً لم يحققه أحد قبله.

استطاع الحمود أن يطفئ ما ورثه من بقايا شموع الحرية التي تَعاقب وزراء قبله على إطفائها، واحدة تلو الأخرى، بعدما كانت الكويت منارة لحرية الإعلام في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن المنصرم.

كان سلمان الحمود مسؤولاً في جهاز أمن الدولة، وعاش آنذاك أزمة «دواوين الاثنين»، وقبلها حلّ مجلس 1986، ونشأ أمنياً في خضم الصراع حول الديمقراطية، بين مطالبين بعودتها ومتمسكين بتقليمها لتكون بحجم الإبرة.

جاء الحمود بعد أن تشبع بمناخ المتمسكين بوأد الديمقراطية، وكان الأداة الأولى لهم والأداة الأقوى والأكثر فتكاً، ليصبح وزيراً للإعلام في ظل وجود مناخ مخالف إلا أنه استمرأ تكملة الطريق الأمني وأساليب المخابرات، ولم يدرك معنى القول السائد بأن الصحافة (الإعلام) هي السلطة الرابعة!

أخيراً وليس آخراً، أصدر وزير إعلامنا أو إعدامنا - فلا فرق- جملة من «الفرمانات» الأمنية، فحظر أخبار تغطية الفرعيات و«ما يتعلق بها» دون سند قانوني، وسيُعيد «الصمت الانتخابي» الذي قرر القضاء عدم قانونيته، وغير ذلك من المحظورات المغلفة بكلمات مطاطة مثل «الإساءة» و«الإخلال» وغيرهما من تلك المفردات التي لا معنى لها ولا تحديد، وهي نفس الكلمات التي دأب عليها إعلام النظام الواحد، والحزب الواحد، إعلام الدكتاتوريات والأنظمة المستبدة.

هل فكر وزير الإعلام أن العمليات الانتخابية وتفاعلاتها بين المرشحين والناخبين وقطاعات المجتمع كله، لا تحيا ولا تصل دون إعلام حر ينقل الصورة ويحللها ويشرحها وينقد ما يستحق النقد، ويبين للناس ما لا يبينه المرشحون، أو ما لا يعرفه الناس؟

ماذا يريد وزير الإعلام؟ هل يريد عملية انتخابية على غرار نشرات تلفزيونه، مطلعها سافَرَ، وغادر، ووصل، وأرسل، واستقبل معالي وزير كذا وكذا، وهو ما دفع أغلبية المسؤولين والمرشحين إلى اللجوء للمحطات الخاصة، لأنهم يدركون أن الناس لا يشاهدون تلفزيونه؟ أم يريدها مثل كتب المعارض تدخل على عشرات الفلاتر (المنقيات) حتى تكاد أوراقها تأتيك بيضاء فارغة فراغَ مفاهيم الوزارة.

إن العقلية الأمنية والمخابراتية لا يمكنها إدارة أي مرفق غير المخابرات والأمن، ودمار الإعلام وصل إلى قطاعات الفن والثقافة ودمر ما بقي منها، بعد أن كانت مثالاً يحتذى وشعلة يسترشد بها الآخرون.

فبالله عليكم؛ هل يعقل أن تكدس وزارة الإعلام مئات القضايا ضد الصحف بذريعة الإساءة لنظام الأسد، لأنه في عرفها نظام «دولة صديقة»، أو بحجة الإساءة إلى إيران «الدولة الصديقة» ولبعض «ملاليها»؟!

لا ندري ماذا يريد وزير الإعلام؟ هل يريد أن يمرر الانتخابات بهدوء وبصمت؟ ولماذا؟ ألا يؤكد ذلك وجود استهداف مبطن لحرية الممارسة الانتخابية وحرية التعبير عن الرأي؟

لقد استمرأ وزير الإعلام «فرمانات» وأد الحرية، وخنق قطاعات الإعلام في ظل وجود مجلس أمة لم يحاسبه، ولم يكن فيه من قام ووضع حداً لممارساته، فظن الوزير، كما يبدو، أن مجالس الأمة نسخة واحدة، وأن المجلس المقبل سيكون نسخة طبق الأصل من السابق، كما في الأنظمة البوليسية والأمنية... لم يضع حساباً لمعنى الحساب، ولم يقرأ تجارب الأمم المتحضرة التي لم ولن يكون لديها وزارة إعلام، بل هيئات تعنى بقطاعات السياحة والفن والثقافة، لا هيئات تابعة لمعاليه كحالنا يدمرها كما يريد.

نخشى أن تجود قريحة الوزير، وتتفتق عقول طاقمه، فترفع قضايا ضد الصحف التي تسيء إلى إسرائيل، بعد تطبيع عدد من الدول العربية «الصديقة» علاقتها معها، باعتبار أن «صديق صديقي صديقي، وعدو عدوي صديقي».

أمام عقلية كتلك ومنهج كهذا، نقول: على الحرية وعلى الإعلام السلام.

الجريدة

back to top