مصر والسعودية في مفترق طرق

نشر في 23-10-2016
آخر تحديث 23-10-2016 | 00:12
 ياسر عبد العزيز لا يبدو أن شهر العسل الذي عاشته العلاقات المصرية- السعودية منذ 30 يونيو 2013، قادر على الاستمرار، والأسوأ من ذلك أن علامات شقاق تلوح في الأفق.

لقد صوتت مصر في مجلس الأمن على مشروعي قرارين بشأن سورية؛ أحدهما إسباني تدعمه السعودية، والآخر روسي ترفضه تماماً؛ وهو الأمر الذي استدعى انتقاداً دبلوماسياً لاذعاً من الرياض، تلته هجمات إعلامية متبادلة واستهدافات حادة على "السوشيال ميديا".

تقول الرياض إنها شعرت بأن مصر "تغرد خارج السرب" العربي، ولا تنتظم ضمن المحور الذي يستهدف ترتيب الأوضاع في سورية، عبر إطاحة بشار الأسد.

بالطبع فإن القاهرة لديها ما تقوله إزاء هذا التصويت "المتناقض"؛ إذ تعتبر أنها لم ترتكب خطأ، لأنها بتصويتها مع المشروعين تكون قد "انتصرت لحق السوريين في الحصول على قرار بوقف إطلاق النار وبدء إدخال المساعدات، ولم تعط اعتباراً للتنافس بين المحورين المنقسمين إزاء الأوضاع في هذا البلد".

ليس موضوع التصويت في مجلس الأمن مربط الفرس في العلاقات المصرية- السعودية، وإنما هو القشة التي تكاد تقسم ظهر البعير.

لم تتوقف السعودية عن دعم مصر مالياً وسياسياً طوال عهد مبارك، وقد عملت بوضوح ضد مصلحة "الإخوان" حين حصلوا على السلطة، وبدأت تقدم دعمها لـ"نظام" السيسي مبكراً، منذ كان وزيراً للدفاع، وقبل حتى أن يترشح للانتخابات الرئاسية.

قدمت السعودية لمصر دعماً مالياً يتجاوز الـ 20 مليار دولار حسب بعض التقديرات، وإضافة إلى ذلك، فقد وضعت ثقلها السياسي والدبلوماسي خلف نظام "30 يونيو" منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات الواسعة ضد مرسي.

وفي أعقاب استتباب الأوضاع للسيسي، استثمرت السعودية كثيراً في الوضع المصري؛ عبر حزم من المساعدات والمنح والتقديمات، التي شملت الصعد العسكرية والأمنية والدبلوماسية والسياسية والمالية والتنموية.

وبسبب هذا العطاء كانت السعودية تشعر أن لها حليفاً قوياً في القاهرة، وأن هذا الحليف لن يتوانى عن التصرف بما يصب في مصلحتها ورؤيتها، في ما يتعلق بالملفات الإقليمية الشائكة، وخصوصاً أن هذا الحليف كان قد تعهد بالوفاء، عبر القول الشهير "مسافة السكة".

حدث الانتقال في السلطة السعودية برحيل الملك عبدالله، وجاء حكم جديد، برؤية وترتيبات جديدة؛ وهي الرؤية التي كانت أكثر ميلاً لإجراء الحسابات العملية في ملف التعاون مع مصر، وأقل حساسية تجاه ملف "الإخوان"، خصوصاً المكونات الممثلة لهم في بعض النقاط الساخنة والمتفجرة في الإقليم.

وحدث أن قام أحد الأجهزة الاستخباراتية بتفجير مشكلة "تسريبات الأرز"، وهي ملفات صوتية نسبت إلى السيسي وبعض كبار معاونيه قولهم ما يُفهم منه "الطمع في المال السعودي"، وعدم تقدير الموقف السياسي الخليجي في آن.

بالطبع نفت مصر صحة تلك التسريبات، لكن يبدو أنها تركت أثراً لم يُمح.

بدأت السعودية بالتعامل مع بعض الأطر "الإخوانية" بانفتاح، خصوصاً في اليمن وسورية؛ فتشخيص الرياض للعداءات يبدأ بإيران، وليس بـ"الإخوان" كما هي الحال في مصر.

ومع الأزمة الاقتصادية التي تواجهها السعودية بات من المحتم أن تتقلص المساعدات السخية، خاصة أن تلك الأزمة ترافقت مع ضغوط على السلطة من الجمهور الذي بدأ يعاني آثارها، وراح يسأل عن جدوى المساعدات للأشقاء.

لم تتقلص المساعدات السخية فقط، ولكن باتت هناك رغبة سعودية في تحصيل عوائد للدعم الذي تم تقديمه؛ وهي عوائد ليست مالية بطبيعة الحال، ولكن سياسية وربما عسكرية أيضاً.

طلبت السعودية تدخلاً برياً مصرياً في اليمن، أو انخراطاً أكثر فاعلية في المعارك الدائرة هناك، كما طلبت دعماً سياسياً مصرياً حاسماً في سورية، أو على الأقل عدم تأدية أدوار في الاتجاه المعاكس، ولم تحصل على هذا أو ذاك.

ردت مصر على الطلبات السعودية بحديث عن "التجارب والخبرات التاريخية"، ملمحة إلى فشل تجربة حرب عبدالناصر في اليمن، أو مؤكدة أن الحلول العسكرية لن تجدي نفعاً في بلد مثل سورية، أو ناقدة الأدوار العربية التي أسهمت في "خراب بعض الدول الشقيقة".

أرادت السعودية مجدداً الحصول على عائد ملموس للاستثمار الضخم في الواقع المصري ما بعد "30 يونيو 2013"، فجرى الحديث عن "صنافير وتيران".

عرفنا لاحقاً أن إصراراً سعودياً ظهر للحصول على الجزيرتين، وأن هذا الإصرار شمل ضرورة أن يجري التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين بشكل معين وفي توقيت معين لخدمة "صورة الحكم الجديد" في السعودية.

لكن بدا أن السعودية بدأت تدرك أن حصولها على الجزيرتين ليس أمراً محسوماً، وأنه قد يتعرض للعرقلة عبر استحقاقات دستورية أو قانونية أو سياسية، هذا إن كان من وقع من الجانب المصري في الأساس، قد عزم بالفعل على أن يتخلى عن السيادة على الجزيرتين.

على الصعيد الآخر، تجد مصر أن مواقف السعودية الداعمة لنظام "30 يونيو" مواقف مبدئية، تتخذها الرياض دفاعاً عن أمنها بكل تأكيد، في ظل الاستهداف "الإخواني" لها.

كما تعتبر القاهرة أن البلدين شقيقان وحليفان بما يكفي لامتناع أن يمنّ أحدهما على الآخر، خصوصاً أن العلاقات بينهما شهدت أوقاتاً كان الدعم فيها يتوجه من غرب البحر الأحمر إلى شرقه، وأنه من الصعب جداً تصور أن تكون السياسة المصرية تابعة ومنقادة لأي بلد آخر في الإقليم.

تتحدث القاهرة عن ذرائع قومية وأخلاقية تحول دون انخراطها في عمليات تخرب الأوضاع في بلد عربي آخر، أو تحوله إلى ساحة للإرهاب والميليشيات؛ وهي لا تريد أن تتورط في اليمن أو في سورية، خصوصاً أن الدول الفاعلة في ملفات البلدين راهناً أخذتهما إلى حرب أهلية ودمار.

تريد السعودية أن تشعر بالتقدير، وأن تحصل على عوائد استثمارها الضخم في مصر منذ ثلاث سنوات، وتريد مصر أن تشعر بالاستقلالية، وأن تنتصر لما تقول إنه "ثوابت وطنية وقومية".

مصر والسعودية في مفترق طرق، لكن بوسعهما أن تجدا طريقاً يحفظ لهما حداً أدنى من التفاهم، ويُبعد الشقاق، لأن تكلفة هذا الأخير خطيرة وموجعة لكلتيهما وللعالم العربي.

* كاتب مصري

back to top