كان مجلس «تعديات»... لا تحديات

نشر في 18-10-2016
آخر تحديث 18-10-2016 | 00:15
No Image Caption
لم يكن قرار حل مجلس الأمة مفاجئاً، بل كان متوقعاً من الجميع، إلا قلة قليلة لم ترَ أن هناك مبرراً جوهرياً للحل، وهي تلك القلة التي ارتبطت مصالحها به وبعدد من نوابه، لذا تراه من أسهل المجالس وأسلسها تعاملاً.

لقد كتبنا، على صدر هذه الصفحة من «الجريدة» في الثامن والعشرين من سبتمبر المنصرم، أن هناك تلاقياً للمصالح في حل المجلس، وقلنا إن قرار الحل هو الأرجح، وهو الذي يبدو في الأفق، من أجل تجاوز أزمة البنزين (قبل مسرحية الـ 75 لتراً) وتقديم موعد الانتخابات، ووضع حد للتصعيد النيابي.

لكن مرسوم الحل جاء أمس الأول ليذهب إلى أبعد من ذلك وأعمق، وحدد أنه راجع إلى «الظروف الإقليمية الدقيقة وما استجد منها من تطورات وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير، الأمر الذي يفرض العودة إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار ممثليه للتعبير عن توجهاته وتطلعاته والمساهمة في مواجهة تلك التحديات».

إذاً سبب الحل واضح وضوح الشمس، فهذا المجلس لم يكن بحجم تحدياتنا الأمنية وانعكاساتها، ولا بوزن يسمح له بمواجهة ما يدور حولنا من ظروف إقليمية، لذا فإن مرسوم الحل لم يحمّل الحكومة أية مسؤولية ولو خارجياً، بل حمّل المسؤولية الكاملة للبرلمان الذي كان ديدنه التسرع في تشريعات لا ضرورة لها تحمل راية المزايدة ومحاولة إثبات أنه «ملكي أكثر من الملك»، فصاغ قوانين متعجلة لم تسعد، في نهاية الأمر، القيادة السياسية بقدر ما أحرجتها.

لعب المجلس «المحلول» دور المساند لنوابه أمام ناخبيهم، فنفخ في ميزانية «العلاج بالخارج» على حساب إيرادات الدولة وميزانها المالي، وأخلّ بالمعادلات الاقتصادية التي أرادتها القيادة السياسية ودعت إلى مراعاتها في أسعار الكهرباء والبنزين، إرضاءً لنوابه، وحماية لهم أمام قواعدهم الانتخابية على حساب مرئيات الإدارة السياسية وقراراتها.

لو كانت المشكلة في الحكومة لا في المجلس، لأعيد تشكيلها، ونحن هنا لا ندافع عنها، بل نردد أنها والمجلس مسؤولان عن تردي الأوضاع والتراجع الذي تشهده كل قطاعات الدولة... لكن المرسوم حمّل المجلس المسؤولية بالدرجة الأولى.

الغريب في الأمر أن الأخ رئيس مجلس الأمة أكد، في لقائه التلفزيوني مساء السبت، أن رغبته في إجراء انتخابات مبكرة تعود إلى تحديات كثيرة، وإلى الظروف الإقليمية، وهو ما تضمنه المرسوم لتبرير الحل. وتلك سابقة في تاريخ الحياة البرلمانية، إذ لم يدعُ رئيس مجلس أمة إلى حله من قبل.

لا ندري من يدافع عمن؟ الحكومة عن المجلس أم المجلس عن نفسه وعن الحكومة معاً؟ لكن مرسوم الحل جاء جلياً واضحاً بأن ذلك المجلس عاجز عن مواجهة التحديات بما لديه من سياسات داخلية تضعف مواجهة الدولة للظروف الخارجية.

بقي أن نقول إن العيب الحقيقي يكمن فينا، فنحن الذين أسأنا الاختيار، فكانت النتيجة مجلساً دون حجم التحديات، ونحن الذين لم نحاسب من اخترناهم، فتمادوا في تعدياتهم وحادوا عن مسؤولياتهم...

اللهم سدد رأي ناخبينا فيمن يختارون، وارزقنا مجلساً يضع الوطن في ضميره قبل أن يختزله إلى مجرد أصوات في صناديق الاقتراع.

back to top