محاربة هجرة الأدمغة في الطب

نشر في 11-10-2016
آخر تحديث 11-10-2016 | 00:06
على برامج التدريب الطبي في البلدان النامية توجيه أطباء المستقبل نحو تلبية الاحتياجات المحلية، إذ ينتمي أغلب الطلاب إلى عائلات ثرية، وهو ما يعني في كثير من الأحيان أنهم من المدن الكبرى، لذلك ينبغي قبول عدد أكبر من الطلاب المنحدرين من المناطق الريفية لتدريبهم في الأماكن التي هي في أشد الحاجة.
 بروجيكت سنديكيت تعاني جميع بلدان العالم نقصا في عدد الأطباء، ويزداد الطلب على الأطباء المولودين خارج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مما يؤرق الموارد الطبية في البلدان المتوسطة الدخل بشكل فعلي. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سينخفض عدد الأطباء إلى ما يقرب من 95000 بحلول عام 2025، أي ما يعادل 43٪ من مجموع الأطباء العاملين اليوم.

وكلما نقص عدد الأطباء اتجهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى دول مثل الفلبين لإغلاق الفجوة، ولكن يسبب هذا خللا كبيرا في عدد المهنيين الطبيين في الفلبين.

الوضع في إفريقيا ليس بأفضل، في كينيا أكثر من 50٪ من جميع الأطباء يمارسون الطب الآن في الخارج، وبقي فقط 20 طبيبا لكل 100.000 من السكان، على النقيض من ذلك تتوافر المملكة المتحدة على 270 طبيبا لكل 100.000 شخص.

ومن المؤكد أنه ليس من الخطأ بعث الأطباء من أجل العمل والتدريب في الخارج، على العكس من ذلك فإن الاحتكاك بنظم الرعاية الصحية المتنوعة أمر بالغ الأهمية لتكوين ذوي الخبرة والأطباء الأكفاء، لكن المشكلة الأساسية تكمن في مغادرة العاملين في المجال الطبي وطلاب العالم النامي بشكل جماعي للتدريب في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبعد ذلك لا يعودون أبدا للعمل في مجتمعاتهم الأصلية. وعلاوة على ذلك غالبا ما تنفق البلدان الأم أموالا باهظة على هذا التعليم الطبي بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من دون الاستفادة من الأطر التي كونتها.

لعكس هذا الاتجاه يجب السماح لطلاب الطب بالتدريب في المرافق الصحية ذات المستوى العالمي، مع تشجيعهم على العودة لممارسة المهنة في بلدانهم، وهذا لن يكون سهلا جزئيا، وذلك لأن ممارسة الطب في البلدان المتقدمة مربحة أكثر بكثير من ممارسته في العالم النامي، ويفضل الأطباء بأغلبية ساحقة العمل في البلدان حيث أتموا تدريبهم، لذا ينبغي النظر إلى هذه العوامل لوقف تدفق المواهب الطبية من البلدان النامية.

بداية، يجب علينا التركيز على المكان الذي يحدث فيه التدريب الطبي، ويمكن للطلاب استكمال التدريب قبل السريري، وجزء من تدريبهم السريري، في بلدهم الأصلي، ومن ثم إعطاء خيار استكمال مهمة التدريب السريري بصفة مؤقتة في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.

برامج الإقامة هي المرحلة الأخيرة من عملية التدريب الطبي التي تحدد في كثير من الأحيان وضع الممارسة المفضلة لدى الأطباء، فعندما يستكمل الأطباء من العالم النامي برامج إقامتهم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نادرا ما يعودون إلى الوطن الأصلي. في الواقع تُعطى لهم حوافز قوية للبقاء: وضع تأشيرة دائمة ورخصة سارية المفعول لممارسة الطب.

على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل توفير المزيد من برامج الإقامة، وعلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين تتحملان بعض المسؤولية عن عدم التوازن بين العرض والطلب الحالي في ميدان الطب، مساعدتها بالتمويل والخبرة.

نحن بحاجة أيضا إلى معالجة الحوافز المالية التي تجتذب عددا كبيرا من الأطباء في العالم النامي إلى الخارج في المقام الأول، وربما من خلال إلزام الأطباء المهاجرين الذين تم تمويل تدريبهم الطبي لإعادة دفع الأموال التي أنفقت عليهم، قبل السماح لهم بممارسة الطب في البلدان ما وراء البحار. وبالتالي سيصبح الأطباء مسؤولين عن قيمة التدريب المدعوم عندما يختارون العمل بالخارج.

يمكن فرض هذا الشرط من خلال نظام جيد للمنح الدراسية يجسد شعار: "إعادة دفع التكاليف إذا كنت لا تنوي العودة". في ظل هذا النظام سيَقبل عدد أقل من الطلاب الذين يعتزمون العمل بشكل دائم في الخارج الإعانات الحكومية، وسيصبح المزيد من المال متاحا للطلاب الذين يرغبون في ممارسة المهنة في بلدهم الأصلي، أو للاستثمارات في البنية التحتية للرعاية الصحية.

وقد نفذت ترينيداد بنجاح مثل هذه الاستراتيجية- يُطلب من الأطباء الذين يتدربون في الخارج العودة إلى ديارهم لمدة خمس سنوات نظرا لاستفادتهم من منح دراسية من حكومتهم- وللولايات المتحدة برنامج مماثل يهدف إلى تشجيع الطلاب على ممارسة الطب في مناطق جغرافية معينة في جميع أنحاء البلاد.

في جامعة سانت جورج، التي أشغل فيها منصب الرئيس والمدير التنفيذي، لدينا برنامج يُدعى "أطباء المدينة" للمنح الدراسية، حيث إن طلاب مدينة نيويورك الذين يحصلون على منح دراسية كاملة للدراسة بكلية الطب مُلزمون بالعود لممارسة المهنة في نظام المستشفيات العامة في مدينة نيويورك لخمس سنوات بعد استكمال التكوين والتدريب. وإذا قرر الطلاب عدم العودة، يُفرض عليهم تسديد المنحة كما لو كانوا على قرض.

ويجب أيضا على برامج التدريب الطبي في البلدان النامية توجيه أطباء المستقبل نحو تلبية الاحتياجات المحلية، إذ ينتمي أغلب الطلاب إلى عائلات ثرية، وهو ما يعني في كثير من الأحيان أنهم من المدن الكبرى، وينبغي قبول عدد أكبر من الطلاب المنحدرين من المناطق الريفية- التي غالبا ما تشكو من نقص كبير في الأطباء- ومن ثم يتم تدريبهم في الأماكن التي هي في أشد الحاجة. من خلال توسيع قاعدة المواهب الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية وتحديد المرشحين الجيدين يمكن الزيادة من احتمال عودة الطلاب إلى الممارسة الطبية في مجتمعاتهم الأصلية.

سنستفيد جميعا من التدريب الطبي المستدام على الصعيد العالمي، الذي سيساهم في تلبية احتياجات الرعاية الصحية لكل البلدان، فبالنسبة إلى الدول النامية لا توجد وسيلة أخرى للتقدم إلى الأمام.

* ريتشارد أولدز، الرئيس والمدير التنفيذي لجامعة سانت جورج في غرينادا وجزر الهند الغربية.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

يجب السماح لطلاب الطب بالتدريب في المرافق الصحية ذات المستوى العالمي مع تشجيعهم على العودة لممارسة المهنة في بلدانهم
back to top