اللاهثون وراء السراب!

نشر في 01-10-2016
آخر تحديث 01-10-2016 | 00:02
 عبدالهادي شلا مرغمون ونحن نعيش عصر التقنيات والتواصل السريع أن تقع أعيننا على ما يكتبه البعض من موضوعات متنوعة ومن صور وأفلام، منها ما يستحق التقدير والدخول إلى تفاصيله، ومنها ما أنتجه من لا يُقدِّرون قيمة هذه التقنيات ويقتحمون فضاءها بلا حرج، لاهثين وراء سراب لينشروا كل ما يظنون أنهم يحققون به نصرا أو "اقتحاما" لعقولنا فيصدمنا ويصفع عيوننا بما لا يطاق!

يبدو أن بعض هؤلاء اللاهثين يجدون يسراً في "صف" الكلمات المبهمة ذات الإيقاع الرنان على السمع، فتكون الصدمة لما فيها من خواء. الأكثر "شــَراً" أنه يقف خلف النوع الثاني من يعمل على نشره ورقياً، لتصبح المكتبة العربية متخمة بأوراق لا فائدة من محتواها، مع سبقه بدعاية مبهرة، فيقع المتلقي في حفرة الندم على ما أنفق من وقت ومادة فيما لا فائدة منه.

العقلاء وحدهم الذين يسأمون النماذج الباهتة وهم يَجدّون في البحث، بين ما يُنشر، عن الجديد والمعرفة للإجابة عن أسئلة في أذهانهم لا تنتهي فيكتئبون لما وصل إليه حال الثقافة والإبداع بسبب اللاهثين وراء السراب. ربما يُرضي العـُقلاء والجادين شيء "واحد" من هذا الغثاء الذي أتخمت به وسائل التواصل من الكتاب والشعراء والدعاة، ذلك أنهم "يكتشفون" أن هناك آلافا من الأسماء التي تتوالد وتتكاثر لأصحاب الفكر الضحل، الأمر الذي يصيبهم بالصدمة حين يكونون على هذه الهيئة المقززة، ما يجعلهم يعيدون النظر في حال الثقافة ودعاتها الكثيرين في زمن لا يمكن وصفه، وهو بهذا العقم، بالإبداع الثقافي، فتزيد الفجوة اتساعا بين الإبداع الحقيقي والمتابع فيختلط الغث بالثمين. هذا لا يعني أن الساحتين الثقافية والفنية خاليتان من الإبداع الراقي والفكر المتجدد، غير أن هذه الحالة المستشرية تستدعي الملاحظات واليقظة، خاصة أن الكثير من المستجدات "الهمجية" وغير الثقافية الواعية قد اقتحمت عالمنا الإنساني النقي بعُنفٍ، وتعمل جاهدة على أن تكون السمة الغالبة والمتربعة على العرش مُكلفة ومخلفة ضحايا من البشر ودماراً للموروثات في محصلتها لن يسلم منها عقل ولا جسد. القابضون على دفة الثقافة الواعية منذ زمن لا يستطيعون التخلي عن السفينة وهي تبحر في هذا البحر اللجي المتلاطم بكل ما فيه من زبَد، لذلك نجد أقلامهم وريشتهم تحارب وتصارع وسط هذا التلاطم، متمسكين ومتماسكين كجدار لن يسمح بالتجاوز، وإن حصل بمساعدة من يفتحون النوافذ والأبواب سِراً أو علانية تحت مسميات وبِدع. التاريخ لا يحفظ في طياته سوى العلامات المنيرة الساطعة ويرفع من شأنها على مر العصور، لتبقى مرشدة ومـُبصرة لما يفيد البشر، وإن جاورتها بعض العلامات السَوداء!

فهل يستيقظ الغافلون واللاهثون وراء السراب؟!

back to top