سو كليبولد: ابني هذا الوحش... ما زلت أحبّه! ولدها «ديلان» قتل 13 شخصاً في «كولومباين» الأميركية

نشر في 01-10-2016
آخر تحديث 01-10-2016 | 00:00
بعد 17 سنة من وقوع مذبحة ثانوية «كولومباين» في الولايات المتحدة الأميركية التي أسفرت عن مقتل 13 شخصاً، تعبّر والدة ديلان كليبولد، أحد القاتلَين، عن تجربتها في كتاب. تروي سو كليبولد في هذه المقابلة مع مجلة «باري ماتش» الفرنسية مسار حياتها بعد تلك الحادثة.

في كتابك، تتكلمين عن ابنك بحب كبير ويمكن اعتبار هذا الجانب مفاجئاً لا بل صادماً. ألم تفكري بإنكاره بعد ما فعله بك وبعائلات الضحايا؟

لم تخطر هذه الفكرة على بالي يوماً. أظنّ أنه من ضحايا هذه المأساة.

لكنه كان المسؤول عن تلك المأساة...

منذ وقوع تلك الحادثة المأساوية، قرأتُ كثيراً وفهمتُ أنه حجز نفسه في دوامة انتحارية أثّرت في دماغه وجهاز الغدد الصماء من دون أن أدرك ذلك. فقد السيطرة على نفسه ووقع ضحية ذلك المرض الدماغي. لذا لا يمكن أن أحمّله كامل مسؤولية أفعاله مهما كانت وحشية. مع ذلك لا أفهم حتى الآن كيف استطاع أن يقتل.

لكنّ صاحب الميول الانتحارية لا يصبح قاتلاً بالضرورة...

قتل لأنه أراد أن يموت. في 1 أو 2% من الحالات، يترافق الانتحار مع القتل. إنها حالات نادرة.­­­­­

كيف كان ديلان في سن المراهقة؟

كان ذكياً وعميقاً ومثالياً وخجولاً. أراد أن يقوم بكل شيء بنفسه وأن يسيطر على حياته. كان يرفض طلب المساعدة من أحد.

مضايقات وأفلام عنيفة

كيف تغيّر بهذا الشكل؟

أظن أنه تعرّض لمضايقات في المدرسة وتأثر بصديق مضطرب ومتسلّط ومريض نفسي، هو إريك هاريس.

هل كان يسهل التأثير فيه؟

كان شخصاً مرناً، لكنني أفهم الآن مدى خطورة هذه الصفة لأنها كانت مسؤولة عن رضوخه لصديقه وشريكه في الجريمة إريك.

ماذا تتذكرين عن إريك؟

كنت أحبه كثيراً. كان مضحكاً وظريفاً أحياناً. لكنه انفجر غضباً في وجه ابني في إحدى المرات، ما أثار استياء زوجي. صحيح أنه كان ولداً صعب المراس، إلا أنه لم يكن شريراً.

هل كان ديلان يحب الأفلام العنيفة؟

نعم. لكنني لم أسمح له بمشاهدتها قبل عمر السابعة عشرة.

هل تؤثر هذه الأفلام في الأولاد؟

طبعاً. أرادا تقليد فيلم Natural Born Killers (قتلة بالفطرة). قبل ثلاثة أشهر من وقوع المأساة، كتب ديلان في مذكراته أنه يشعر بالتعاسة ولا بد من تقليد ذلك الفيلم للخروج من هذه الحالة.

ألم تلاحظي عليه شيئاً؟

لا. اكتشفتُ ذلك بعد موته. علمتُ أن ميوله الانتحارية نشأت قبل سنتين من موته. حتى أنه خدش ذراعه من دون علم أحد. يصعب أن نكتشف أنّ الشخص الذي نحبه يضع قناعاً لإخفاء معاناة كبيرة. حين اكتشفتُ مذكراته، أدركتُ كم كنت بعيدة عنه.

هل كان يحب الأسلحة؟

سألني يوماً إذا كان يستطيع الحصول على مسدّس في عيد الميلاد. لكنه كان يعرف أنني أرفض وجود الأسلحة في المنزل.

هل كان ليصوّت لصالح الحزب الديمقراطي أم الجمهوري؟

لم يكن يهتم بالسياسة، لكن حبذا لو كان صوته للديمقراطيين مثل العائلة كلها!

يوم عادي

صفي لنا يوماً عادياً في عائلة كيبولد.

ينشغل الجميع بأعمالهم. أنا أهتم بالدروس التي أعطيها للأولاد الذين يواجهون المشاكل، في حين يتابع زوجي عمله كعالِم جيوفيزيائي، وينشغل الأولاد بدروسهم ونشاطاتهم الرياضية ومهاهم الصغيرة. كنا نمضي وقتاً طويلاً في السيارة. كانت حياتنا العائلية تقليدية جداً.

كيف كانت علاقتكم بديلان؟

كنا نعشق ذلك الطفل الذي لا يسبب المشاكل. كان مقرباً جداً من والده. وحين مات، اعتبر أنه خسر صديقه. كانت طفولته مثالية، ظاهرياً على الأقل.

هل كان مجتهداً في المدرسة؟

كان يتعلّم بسهولة. لم تكن علاماته ممتازة، لكن قبلوه في جامعة أريزونا.

هل كانت له حبيبة؟

كنتُ أعرف صديقته روبين. لكنني اكتشفتُ في مذكراته أنه انجذب إلى عدد من الفتيات وأصبح مهووساً بواحدة في المدرسة. حتى أنه كتب عن رغبته في الانتحار معها!

الجحيم

أكثر ما تندمين عليه؟

قبل 14 شهراً على المأساة، تم توقيف ديلان مع إريك بتهمة سرقة أجهزة إلكترونية. أندم لأنني لم أفكر بتداعيات تلك الحادثة على وضعه النفسي. لو عرفتُ حينها ما أعرفه اليوم، لأتخذت تدابير لازمة لمساعدته.

قبل أيام على وقوع المأساة، أصبح صوته حاداً.

في صباح ذلك اليوم المريع، خرج في وقت أبكر من العادة وقال «وداعاً» بصوت حاد. قلتُ لزوجي إنه تشاجر على الأرجح مع أحد في المدرسة وطلبتُ منه أن يكتشف ما يحصل.

ثم بدأ الجحيم في ذلك اليوم...

نعم، حذّرنا المحامي من أننا سنتلقى رسائل كره وتهديدات وطلب منا أن ننتبه على سلامتنا. وكان محقاً.

هل تطاردك تلك الحادثة حتى اليوم؟

لا يزال الوضع صعباً.

هل سررتِ بموت ابنك؟

سؤال مثير للاهتمام. لو نفّذ خطته كاملة، لكانت الحصيلة أسوأ. أتخيّله أحياناً في السجن حيث ينتظر الإعدام، وتراودني كوابيس كثيرة. لا يمكن أن أقول إنني سعيدة بموته لأنني أشتاق إليه دوماً، وأردتُ من خلال ما أفعله أن أبقى قريبة منه.

ألا تفكرين بأنك أنجبتِ «وحشاً»؟

فكرتُ بذلك في البداية. أشعر بالذنب حتى الآن لأنه انتحر. لم أعرف كيف أساعده، إذ لم ألحظ أنه كان يحتاج إليّ. لكني لم أعتبر نفسي مسؤولة عن الجرائم التي ارتكبها لأنني ربّيتُه على رفض العنف واحترام الآخرين. أظنّ أنه استمدّ الغضب من الخارج.

هل تلومين المعلّمين لأنهم لم يحذروك؟

في تلك الفترة، ما كانوا يستطيعون معرفة شيء أكثر مني. لذا بدأتُ النضال للوقاية من حوادث الانتحار. اليوم، يمكننا دق ناقوس الخطر بفضل برامج ينشرها بعض المدارس الثانوية.

تأثير كبير

هل قابلتِ طبيباً نفسياً؟

نعم لسنوات طويلة. توقفتُ لفترة، ثم استأنفتُ العلاج حين أصابتني نوبات هلع. وذات يوم، أدركتُ أنني بلغتُ مستوىً من التوازن.

كيف أثرت تلك المأساة في حياتك العائلية؟

أدت إلى طلاقي من زوجي بعد 43 سنة من الزواج. كانت ردود فعلنا متناقضة جداً، لذا انهارت علاقتنا. أردتُ أن أفهم لماذا مات ديلان ورحتُ أشارك في نقاشات عن الموضوع وأوزع المنشورات، فيما لم يهتم زوجي بهذه المسائل. لكننا ما زلنا صديقَين.

ألم تفكري يوماً بتغيير مكان إقامتك؟

بلى. فكرتُ أيضاً بتغيير اسمي لكنّ حياتي كلها هنا. لم أكن أستطيع الهرب من حقيقتي. وما زلت أتواصل مع أشخاصٍ كانوا مقربين من ديلان.

ماذا عن والدَي إريك هاريس؟

كنا نتقابل من وقت إلى آخر. لا أتقاسم المعلومات معهما، لكنهما عرفا بصدور كتابي.

الكتاب علاج
تقول والدة ديلان كليبولد إن الكتاب جاء نتاج اندفاع داخلي، وتضيف: «سمحت لي الكتابة بمعالجة نفسي. أكتب مذكراتي منذ فترة طويلة. كتبتُ صفحات كثيرة ثم لخّصتُها لإصدار الكتاب. لكن كان نشره أصعب قرار بالنسبة إلي. أخبرني بعض المقربين مني بأن طريقتي في تجاوز المحنة وكلامي لهم ساعدهم على تحسين تربيتهم أولادهم. لذا اقتنعتُ بأنني أستطيع مساعدة الناس عبر نشر قصتي. وحين تقاعدتُ في عام 2010، أصبحتُ ناشطة اجتماعية بدوام كامل». وتؤكد أنها لا تقبض فلساً من الكتاب وأنها أحالت حقوقها ككاتبة إلى منظمات تعالج الأمراض العقلية والميول الانتحارية.

توضح أنها تشعر بسلام داخلي اليوم، مضيفة: «لو حصلت هذه المأساة مع أشخاص آخرين، لأعتبرت أهاليهم مسؤولين، لأنني قبل موت ديلان، كنت مقتنعة بأنني أم مثالية. لكنني تجاوزتُ المحنة وأعرف أن الناس لن يفهموا هذه التجربة ما لم يمروا بها».

كانت تخشى أن يجدد الكتاب موجة السخط التي انطلقت خلال الأشهر التي تلت حادثة «كولومباين» ولكنها، كما تقول، ارتاحت كثيراً حين لاحظت أن مخاوفها لم تتحقق.

كان مثالياً وأراد أن يقوم بكل شيء بنفسه وأن يسيطر على حياته
back to top