كيف سترد السعودية على إقرار قانون «جاستا»؟

• خيارات عدة للمملكة بينها تجميد التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي مع واشنطن
• مراقبون يرجحون أن تتجاهل الرياض القانون
• اللوبي السعودي: لا للتهويل وإيران الأكثر تضرراً

نشر في 30-09-2016
آخر تحديث 30-09-2016 | 00:05
السيناتور شاك سومر، الذي وضع قانون «جاستا» بعد التصويت عليه في مجلس الشيوخ بواشنطن أمس الأول     (رويترز)
السيناتور شاك سومر، الذي وضع قانون «جاستا» بعد التصويت عليه في مجلس الشيوخ بواشنطن أمس الأول (رويترز)
أثار تفعيل قانون «جاستا» تساؤلات عن كيفية رد السعودية التي تعتبر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة والعالم. وانقسم المراقبون بين من رجح إمكانية رد الرياض عبر تقليص تعاونها مع واشنطن، وآخرين عبروا عن قناعتهم بأن المملكة قد تتكيف بسهولة مع إقرار هذا القانون وتتفهم لحظة إقراره في موسم انتخابي أميركي.
حذّرت أوساط رسمية وغير رسمية في المملكة العربية السعودية وحلفائها من أن قانون «العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية» (جاستا) الذي يسمح لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، بمقاضاتها، ستكون له تداعيات سلبية.

وفي الواقع، فإن المملكة تحتكم إلى ترسانة من وسائل الرد، من ضمنها إقناع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بأن تحذو حذوها وتتبع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والسماح للقوات المسلحة الأميركية باستخدام القواعد العسكرية في المنطقة.

وتمتلك السعودية أدوات ضغط كبيرة من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي، وهو ما أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» عندما أكدت أن السعودية هددت بسحب نحو 750 مليار دولار على شكل سندات خزانة وأصول من أميركا في حال تفعيل قانون «جاستا».

ووفقاً لأرقام حصلت عليها وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، تملك حكومة المملكة العربية السعودية سندات من ديون الخزانة الأميركية قيمتها 117 مليار دولار، ويرجح امتلاكها أصولا إضافية غير مدرجة في البيانات المودعة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حيث تدرج ضمن خانة كيانات من دول العالم الثالث أو اتفاقيات من تابعيها.

وقد تعمد السعودية إلى تقليص تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الارهاب، بعد اقرار الكونغرس الاميركي قانون «جاستا». وعلى رغم ان علاقات البلدين شابها فتور متزايد منذ وصول الرئيس باراك اوباما الى الحكم مطلع 2009، فإن التعاون في مجال مكافحة الارهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية. وتشارك السعودية، منذ صيف 2014، في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش».

ويقول رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية سلمان الانصاري إن «هذه الشراكة ساهمت في تزويد السلطات الاميركية بمعلومات استخبارية دقيقة»، مبديا خشيته من ان تكون للقانون الجديد «انعكاسات استراتيجية سلبية». ويرى المحللون ان التعاون الأمني قد يصبح موضع شك، اضافة الى مجالات تعاون اخرى ابرزها المالي والاقتصادي.

«الخليجي»

ويقول عبدالخالق عبدالله، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات، «ينبغي أن يكون واضحاً لدى الولايات المتحدة وبقية العالم أنه إذا تم استهداف دولة من دول مجلس التعاون بكيفية غير عادلة فإنّ باقي أعضاء المجلس سيدعمونها». وشدد على أن جميع أعضاء المجلس سيساندون المملكة بكل ما يملكونه وبكل الطرق والأساليب.

وقد أظهرت المملكة العربية السعودية خبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف في التعامل مع مواضيع إقليمية ودولية من ضمنها التعامل مع حملة استهدفتها من قبل وزارة الخارجية السويدية العام الماضي، دفعت استكهولم إلى التراجع عن مواقفها تحت وطأة الردّ بعقوبات اقتصادية ضدها من قبل مجلس التعاون وحلفائه.

طعنة بالظهر

ويوضح الأنصاري أن «السعودية طعنت في الظهر من خلال هذا القانون غير المدروس وغير الواقعي»، سائلا: «كيف يمكنك مقاضاة بلد يتعاون وإياك في مجال هو نفسه الذي توجه له فيه اتهامات غير مسندة؟».

وبحسب المستشار الأول مدير برنامج الامن والدفاع ودراسات مكافحة الارهاب في مركز الخليج للابحاث مصطفى العاني، فإن على السعودية «تقليص الاستثمارات المالية في الولايات المتحدة، وتقليص التعاون السياسي والأمني» مع واشنطن.

خاشقجي

ويرى الصحافي والمحلل السعودي جمال خاشقجي انه «سيكون صعبا جدا على المملكة العربية السعودية ان تواصل التعاون الاستخباري» مع الولايات المتحدة بعد ان اتخذت الاخيرة «موقفا عدائيا كهذا».

ويضيف أن المسؤولين السعوديين قد يكونون في خضم إجراء مناقشات حول رد فعلهم «او سينتظرون الى ان يتم تقديم الدعوى الاولى».

الا أن المعلق السعودي يشدد على وجوب التروي في أي خطوة، ويقول: «من المهم أن يكون الأميركيون إلى جانبنا» لمواجهة ازمات المنطقة، خصوصا في سورية واليمن، والخصم الاقليمي الابرز ايران.

ويرى خاشقجي ان على الرياض اجراء اعادة تقييم «في الداخل» لإزالة الاسباب التي قد تكون ادت لنيل القانون تأييدا واسعا في الكونغرس.

ولم يصدر رد فعل رسمي من السعودية، ولا يتوقع أحد تقريبا أن يصدر شيء أكثر من بيان مقتضب تبدي فيه الرياض استنكارها. ويقول بعض المحللين إن الرياض ستفسر الخطوة التي اتخذها الكونغرس في إطار المواءمات السياسية من جانب أعضائه في موسم انتخابي، وإن فرص نجاح أي دعوى قضائية غير مؤكدة في أفضل الأحوال.

من جهته، دعا سلمان الأنصاري رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية (سابراك)، أمس، إلى عدم التهويل من قانون «جاستا»، وقال عبر حسابه على موقع تويتر: «إلى كل أحبائي من المواطنين السعوديين، يجب ألا نهول من أمر قانون جاستا، فنحن بخير ودولتنا بخير وقادتنا بخير، وسنمضي في طريقنا للتنمية الشاملة»، معتبراً أن «إيران أكبر المتضررين من قانون جاستا».

وأضاف رئيس اللوبي السعودي في أميركا: «معلومة مهمة جداً بخصوص قانون جاستا وستصدم البعض. أكبر المتضررين على الإطلاق من هذا القانون ليست السعودية بل إيران، فصحيح أنها في قائمة الإرهاب وأنه بالإمكان مقاضاتها بلا جاستا، ولكن هذا القانون سيمنع الرئيس من استخدام الفيتو في حال حكمت المحكمة عليها».

وتابع: «هنالك قضايا معلقة ضد إيران وبها أدلة دامغة وأحكام قضائية بعشرات المليارات من الدولارات، أما السعودية فليس هنالك أي دليل على تورطها في أي عمل إرهابي»، مؤكداً أنه «رغم ذلك علينا أن نحتاط من مكائد الحلفاء قبل الأعداء».

ورأى الأنصاري أن «قانون جاستا ليس قانونا حقيقيا وقابلا للتطبيق، فالتعامل بالمثل سيوقف فعالية هذا القانون بشكل مباشر»، وقال: «ليس هنالك حق قانوني لنزع الحصانة القضائية العالمية، قد يقول قائل ولكن أميركا إذا أرادت شيئا فستفعله، أقول نسبياً في حال لم يكن عليها ضرر».

وأضاف: «فحينما يتم التعامل بالمثل، وهذا هو المتوقع، فسيتم مقاضاة أميركا من خلال أفراد، وسيتم تجميد أموال أميركية إذا تطلب الأمر». وتابع: «أميركا ستلوح بلا شك بقانون جاستا للابتزاز، ولكنه في الأصل سلاح بلا رصاص. رغم كل ذلك علينا أن نعمل بجدية متناهية لمواجهة المتغيرات»، مشيرا إلى أن «علاقة الرياض بواشنطن مرت بتحديات أكبر بكثير من التحديات الحالية، خصوصا عامي 1973 و2001».

أوباما

ويتيح القانون للناجين من احداث نيويورك وواشنطن 2001 وأقارب الذين قضوا فيها، التقدم بدعاوى قضائية في المحاكم الاميركية ضد حكومات اجنبية للمطالبة بتعويضات، في حال ثبوت تورط هذه الحكومات في الاعتداءات التي راح ضحيتها زهاء ثلاثة آلاف شخص.

وكان أوباما استخدم، الجمعة الماضي، حق النقض «الفيتو» ضد القانون الذي اقره الكونغرس في وقت سابق، إلا ان مجلسي الشيوخ والنواب اعادا التصويت الاربعاء، فأيد 348 نائبا تعطيل الفيتو الرئاسي في مقابل 77. وفي مجلس الشيوخ، أيد التعطيل 97 سناتورا من 98.

وندد أوباما بالقرار «الخاطئ» للكونغرس، مؤكدا في تصريحات صحافية ان ما جرى هو «تصويت سياسي» في موسم انتخابي، وان القانون «يخلق سابقة خطيرة».

وتعتبر الادارة الاميركية ان القانون من شأنه أن يقوض مبدأ الحصانة التي تحمي الدول (ودبلوماسييها) من الملاحقات القانونية، وقد يعرض الولايات المتحدة لدعاوى قضائية امام المحاكم في كل انحاء العالم.

البحرين

وحذّرت البحرين في تصريحات لوزير خارجيتها أمس، من أن اقرار القانون سيرتد على واشنطن نفسها.

وقال وزير خارجيتها خالد بن احمد الخليفة، في تغريدة عبر حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، ان «قانون جاستا، سهم أطلقه الكونغرس الأميركي على بلاده»، مضيفا: «أليس منكم رجل رشيد؟».

وعلى رغم هذه المواقف، بدا المحللون أكثر ترويا لجهة الموقف الذي قد تتخذه السعودية، وما إذا كانت الرياض ستتخذ اجراءات قد تهدد علاقات بهذا القدم مع واشنطن.

back to top