«عبيد» ليبيا... كارثة إنسانية غير مسبوقة!

نشر في 29-09-2016
آخر تحديث 29-09-2016 | 00:03
المصور نارسيسو كونتريراس
المصور نارسيسو كونتريراس
وفق «منظمة الهجرة الدولية»، يأتي آلاف المهاجرين واللاجئين من إفريقيا جنوب الصحراء. يرغب بعضهم في إيجاد عمل ولكن يضطر جميعهم إلى التعامل مع شبكات مهربين يجعلونهم يدفعون ثمن رغبتهم في بلوغ أوروبا.
يكشف المصور نارسيسو كونتريراس الأهوال التي تسبق الرحلات بعد تمضية خمسة أشهر في تلك المنطقة، من بينها 73 يوماً في ليبيا. تصبح المعاناة مضاعفة بالنسبة إلى النساء تحديداً.
زار المصور نارسيسو كونتريراس مركزاً للمهاجرين في ليبيا فيه نحو 50 امرأة، عشر منهنّ حوامل. أنجبت الأخريات أطفالهنّ في الأسابيع السابقة. لم يكن حملهنّ مصادفة بل جزءاً من استراتيجية مدروسة: «تتعرّض كل امرأة للاغتصاب كي تحمل، ثم تُرسل إلى أوروبا بين الشهرين الخامس والسابع، إذ يظنّ المهربون أن خفر السواحل لن يعيد النساء إلى ليبيا في أشهر متقدمة من الحمل.

بعد حوادث غرق متكررة أسفرت عن موت 800 مهاجر، بين 8 و17 يونيو الماضي، عادت 226 جثة إلى شواطئ صرمان وصبراتة، من بينها جثث 26 حاملاً. وُجدت على الرمل أيضاً جثة مولود جديد.

جماعة «توبو»

في ليبيا، حُرِمت جماعة «توبو» من الجنسية بقرارٍ من القذافي، لكنها وجدت طريقتها الخاصة للصمود. تخصّص المنتمون إليها في تجارة الأسلحة والبضاعة، وحتى البشر. كذلك يسيطر أعضاؤها على المراكز الحدودية في منطقة فزان، جنوب ليبيا. تُعتبر هذه المنطقة أحد أبرز الطرقات التي يسلكها المهاجرون. لكن يجب أن يدفع كل مهاجر 250 ديناراً ليبياً، أي ما يساوي 160 يورو، لعبور الحدود.

إنها بداية الاستغلال الذي يتعرّض له الضحايا لأن تلك الضريبة لا تضمن سلامة المهاجرين. يجب أن يكونوا محظوظين لتحقيق هدفهم وتجنب «الميليشيات»، أي تجار العبيد الذين تحولوا اليوم إلى مقاتلين أيضاً.

تقودهم طريق المهاجرين إلى محافظة سبها في الجنوب الغربي. هناك، تحمل الميليشيا الأساسية اسم «أبناء سليمان». يشتري رجال «داعش» بدورهم المهاجرين ويعرض المجاهدون مبالغ طائلة مقابل الجنود المنشقين الذين يأتون من السودان أو تشاد ويبدون استعدادهم للانضمام إليهم. لكن عموماً يصل المدنيون إلى صفوف «داعش» بعد شرائهم وإجبارهم على القتال.

سخرة

لا يُستعمل الناس هناك في الحرب حصراً، بل يكون الرجال والنساء معرّضين لمخاطر السخرة نظراً إلى ارتفاع الطلب على اليد العاملة في المجالات كافة.

إنها سوق بشرية ضخمة ولا سقف لها. روت فاطمة (25 عاماً) من ساحل العاج أنها سُجنت في منزل في صبراتة بعدما اشتراها رجل واصطحبها معه. وكان رجال آخرون يأتون ويدفعون خمسة دينارات (3 يورو) مقابل تمضية ليلة معها. للأسف، استمرّ هذا الوضع بين شهرَي أبريل ويوليو إلى أن سددت مبلغ 550 يورو الذي سمح لها بالتحرر.

يمرّ 3 ملايين شخص أجنبي في ليبيا، لكن يخطئ من يظن أن هذا البلد يشكّل نقطة عبور نحو أوروبا، لأن 60% من المهاجرين الذين يدخلون لا يريدون عبور البحر المتوسط بل جاؤوا للعمل في ليبيا.

ولكن ليبيا لم تعد شبيهة بما كانت عليه في عهد القذافي، فقد أصبحت أكثر فقراً بعد تراجع إنتاج النفط وانخفاض أسعاره. أما على مستوى السياسة، فيتأرجح الوضع بين الفوضى والإقطاعية. حتى أن البلد كله أصبح بيد المهربين الذين يكسبون ملايين اليورو في السنة.

أنشأت السلطات وزارة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، لكنّ المسؤولين فيها لا يقلّون وحشية عن المهربين، إذ يكتفون بسجن كل من يقبضون عليه. كذلك تخضع مراكز الاحتجاز لسلطة المهربين ويتجمّع هناك آلاف الناس الذين يتعرضون للضرب حين يطلبون الطعام. ويرمي أعضاء الميليشيات جثث السجناء الذين يقاومونهم في البحر.

وفق تقرير «منظمة العفو الدولية» في شهر يوليو الماضي، يموت بعض الرجال من الجوع وتحصل عمليات إعدام متكررة. يجب أن يدفع جميع هؤلاء الأشخاص بعد توقيفهم ثمن تحريرهم، لذا يعملون لفترة محددة. باختصار، يعيش الناس عبودية حقيقية!

أعداد صادمة

يسود توتر شديد بين المهاجرين والليبيين العرب الذين لا يعتبرون نفسهم أفارقة. ويُعتبر القوميون من أصحاب البشرة الداكنة في ليبيا مواطنين من الدرجة الثانية. لا عجب في أن ترتفع أعداد المهاجرين وسط هذه الظروف المأساوية وينتظر 235 ألف شخص منهم التوجه إلى أوروبا وفق معطيات «منظمة الهجرة الدولية». لكن تخفي هذه الأرقام الرسمية أعداداً صادمة قد تصل إلى مليون مرشّح لعبور المتوسط.

في عام 2015، كان 2892 شخصاً من أصل 3771 قتيلاً قضوا في المتوسط قادمين من ليبيا. مع ذلك، يتابع الناس المجازفة بحياتهم في البحر ويدفعون مبالغ طائلة مقارنةً بمستوى المعيشة في ساحل العاج وإريتريا وغامبيا ونيجيريا والصومال.

يصف الشهود مراكب المهرّبين الأوروبيين الذين يأتون لشرائهم على السواحل الليبية قائلين إن الميليشيات وجماعات الجريمة المنظمة تتحكّم بهذه العملية كلها وتتعاون في ما بينها. لا يسعى هؤلاء الناس إلى تحسين حياتهم بكل بساطة، بل يقعون في فخ العبودية ويضطرون إلى الاختيار بين الرحيل أو الموت.

تبقى أوروبا أشبه بسراب على طرف الصحراء. تجتمع مظاهر المعاناة والميليشيات والجريمة المنظمة لإحداث كارثة إنسانية غير مسبوقة تلقي بثقلها على الحكومات الأوروبية وتغيّر التوازنات الجيوسياسية. يمكن اعتبار هذه الموجة أكبر حركة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية!

ليبيا لم تعد شبيهة بما كانت عليه في عهد القذافي فقد أصبحت أكثر فقراً بعد تراجع إنتاج النفط وانخفاض أسعاره

يقعون في فخ العبودية ويضطرون إلى الاختيار بين الرحيل أو الموت
back to top