ماري دي هانزيل «كاتمة أسرار» فرانسوا ميتيران:

كان رجلاً متناقضاً حمل جانباً روحياً عميقاً

نشر في 29-09-2016
آخر تحديث 29-09-2016 | 00:02
كان اللقاء نارياً بين رئيس الجمهورية الفرنسية فرانسوا ميتيران (بين عامي 1981 و1995) الذي أخفى إصابته بالسرطان وبين الطبيبة النفسية ماري دي هانزيل. تمكنت الأخيرة من كشف النقاب عن حب عاصف وغاصت معه في محادثات حميمة.
كان ميتيران يحمل جانباً روحياً عميقاً ولطالما أحبّ التحدث إلى هذه المرأة التي لا تخشى ملازمة أشخاصٍ على فراش الموت، وكانت من أوائل الناس الذين عرفوا بمرضه.
طوال 12 سنة، رافقت دي هانزيل الرئيس الذي اكتشف مرضه منذ عام 1981. في كل جلسة بينهما، كانت تدوّن الملاحظات، ثم قررت أن تكتب عن ذلك الرجل العميق والضعيف في كتاب Croire aux forces de l’esprit (الإيمان بالقوى الروحية) الذي تكشف فيه عن القوة الروحية التي كانت تحرّكه حين خيّم شبح الموت على قصر الإليزيه... «باري ماتش» قابلتها فكان هذا الحوار.
تحمل بداية مراسلاتك مع فرانسوا ميتيران كلمات تعبّر عن مشاعر حب.

بدأ كل شيء بيننا على شكل حب خاطف. في رسالته الأولى، كتب لي إنه وجد المعنى الحقيقي لكلمة «مراسَلة» بفضلي. من جهتي، شعرتُ بأمر غريب. كان يقول إن علاقتنا لا يمكن تصنيفها في خانة معينة. انتشر بيننا عطر من الجاذبية الخالصة، ولكن لم أكن عشيقته. ربما كنت لأغرم به، لكن ما كانت علاقتنا لتدوم، فقد اتخذت بعداً مختلفاً، وكان فرانسوا ميتيران ذكياً جداً وأدرك ضرورة أن نحميها من السخافات.

لكنك كتبتِ أن الرئيس كان يرافقك إلى باب مكتبه وينظر في عينيك ويقبّل يدك أو يرفع خصلة شعرك عن جبينك. إنها مبادرات حميمة...

كان رجلاً متناقضاً. كان يمكن أن يكون بارداً جداً ويترك مسافة بيننا ثم يصبح حنوناً وودوداً جداً في لحظات أخرى.

تقولين إن «قراءة» حلم معيّن أوضحت معنى لقائكما.

إنه استنتاج حتمي بالنسبة إلى طبيبة نفسية من مدرسة كارل يونغ. رغم انجذابنا المتبادل، لم يكن الحب ركيزة علاقتنا. كان دوري يقضي بمساعدته على العيش.

هل وافق على تلك القراءة؟

قال لي: «ستصطحبينني على طريق اللامنطق ولا يزعجني ذلك». كان الرئيس يشبهني في ميله إلى إقامة علاقة مميزة مع كل ما هو غير مرئي. طوال سنوات، لم أقابل أي شخص من المحيطين به.

لكنه اقترح عليك يوماً أن تصبحي سفيرة في موناكو.

كان العرض مغرياً. في تلك الفترة، كنت امرأة مطلّقة لها ثلاثة أولاد وكان وضعي شائكاً. أعطاني ثلاثة أيام كي أفكّر بالموضوع، ثم رفضتُ العرض. كنت أدرك مستوى علاقتنا، فلم أطلب منه شيئاً إلا مقدّمة لكتابي La mort intime (الموت الحميم) وقدّم لي هذه الهدية العظيمة. بفضله، حقّق الكتاب النجاح وتُرجِم إلى 22 لغة، رغم صعوبة موضوعه.

تأثير عميق

بعد 20 سنة على موته، كيف تقيّمين تأثيره في حياتك؟

غيّرني بالكامل. من دونه، لما كنت المرأة التي أصبحتُ عليها اليوم. لم أكن أبلغ 40 عاماً حين تقابلنا ولكنه أعطاني ثقته سريعاً. على مرّ السنين، اكتشفنا طريقة مشتركة للشعور بجوانب الحياة وأقمنا ما يشبه الشراكة. ربما ساعده وجودي في حياته على إيجاد الدعم لمواجهة أسئلته الروحية، لكنه ساعدني بدوره على الانطلاق في مجال العلاجات المُسَكِّنة. شجّعني ودعمني حين أصبح عملي كمرافِقة لأشخاصٍ على فراش الموت ثقيلاً جداً عليّ. بفضله أيضاً قابلتُ زوجي كريستوفر الذي كان المترجم الشخصي للرئيس وركبنا الطائرة نفسها باتجاه نيويورك.

ما كان تأثيرك في آخر مرحلة من حياته؟

إنه سؤال غريب! ربما أثّرتُ في أمله بالحياة. قال لي: «في هذه اللحظة التي أتكلم فيها معك، يُفترض أن أكون ميتاً». لكني شرحتُ له أن الوقت المتبقي مُلك لنا ويشكّل سر مصيرنا. عاش أكثر من الفترة التي توقّعها الأطباء باثنتي عشرة سنة. ربما أثّرتُ فيه من هذه الناحية.

كيف ساعدتِه على مواجهة الموت؟

خلال زياراتي له، كنا نتحدث كثيراً عن طريقة الموت وكيفية الاسترخاء. طلبتُ منه أن يقوم بكل ما يريده ويعتبره مهمّاً. لذا قام برحلته الأخيرة إلى مصر رغم معارضة الأطباء. كان يقول: «لا أريد أن يمرض دماغي»، فكنتُ أجيبه: «حين تشعر بأن النهاية اقتربت، يكفي أن تنام وتوقف العلاجات التي تطيل حياتك وتمتنع عن الأكل. واطلب إليهم أن يغلقوا الستائر، ثم عد إلى ذاتك. يُفترض ألا تصمد لأكثر من يومين». ربما سمح له كلامي المباشر بالتحكم بموته.

«الباحث الروحي»

كانت ماري دي هانزيل في «مارتينيك» حين أسلم فرانسوا ميتيران الروح. كيف عاشت تلك التجربة؟ تتذكّر: «سمعتُ خبر موته في الصباح الباكر على الراديو. في تلك الليلة، حلمتُ بأنه يقول لي: «تعرفين أين تجدينني». تسنّى لي أن أتعرّف إلى «الباحث الروحي» وراء صورة الرئيس الاشتراكي. كان يعتبر هذا البُعد أساسياً بالنسبة إلى رجال السياسة وتزداد أهميته بالنسبة إلى رئيس البلاد الذي يجب أن يتمتع بحسب رأيه بعمق روحي. لإتمام مهامه، كان يجب أن يتكل على «القوى الروحية» كما يقول».

عاش أكثر من الفترة التي توقّعها الأطباء باثنتي عشرة سنة
back to top