بين الربيع والوحل!

نشر في 29-09-2016
آخر تحديث 29-09-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري الذين يحاولون صادقين أن يكونوا أنقياء هم واهمون، والذين يتصرفون على أنهم أنقياء مدّعون ومنافقون!

لا يوجد بشر نقيّ، كما لا يوجد من تشكّل من طين الدّنس، كلنا خُلقنا بكل صفة وشُبهتُها، وليس نقيضها، جُدّلنا من ماء وطين، وليس من ماء ونار، وفي ذلك حكمة تستحق التأمل، فلو خلقنا من ماء ونقيضه النار، لأبطل أحدهما فعل الآخر، ولأصبح وجود كليهما بلا معنى، أما الماء والطين، فلهما مساحة من التآلف والاختلاف تكفي إما أن يكونا وحْلاً، أو أن يكونا جنّة عَدْن!

لم يُخلق أحدنا من قطرة ماء نقيّة لم تُقطع بعد من مشيمة غيمة، ولا منا كذلك من خُلق من طين دنس، والسر في الوصول لإنسانيتنا الحقيقية التي وُجدنا عليها، هو كيف نجدّل الماء والطين معاً؟! أيا كان إيماننا وما نؤمن به، هل نجعل من أنفسنا ربيعاً أم نجعلها وَحْلا؟!

كيف نجدّل الخير والشر معاً، لنبدو أناسا صالحين للحياة والحياة صالحة لهم؟! كيف نجدّل الصبح الذي خلقنا به والظلام فينا؟! كيف نجدّل المشاعر والرغبات القاسية، وتلك الأخرى الحنونة الناعمة؟! وكيف نجدّل "الربع الخالي" فينا و"البحر الميت" معاً؟!

كثير ما اعتقدت أن ذلك هو اختبارنا الإنساني الكبير: كيف "نتجدّل" لنستحق الحياة؟!

واعتقدت أكثر أن ذلك من الصعوبة والسهولة للحد الذي يجعل الإجابة على ذلك السؤال من أصعب الإجابات في الوجود،

ورغم هذا - لا أقول بسببه - أحببت السؤال، لأنني ببساطة أردت أن أستحق الحياة، وأن تستحقني في المقابل الحياة، لا أن تسحقني!

لم تكن الصعوبة في الإجابة عن السؤال، إذ إن الإجابة عنه، هي أن تلتفّ كل خصلة في صفاتنا وطباعنا بشُبهتها، ليشكلا معاً جديلة جميلة تباركها صباحات الحياة كل يوم. إلا أن الصعوبة تكمن في كيف؟! مفكرون وشعراء وفلاسفة ومبدعون قالوا "كن جميلا ترى الوجود جميلا"، لكن كيف ونحن من ماء وطين وعلى بُعد غفلة من الوحل؟! في رأيي، إن الخطوة الأولى هي ألاّ نحارب شرنا، فنحن نحتاجه لحماية ما بنا من خير، وألاّ نتبرأ منه، وأن نآلف بين ما بنا من خير وشرِّ معاً، لنصبح كما جديلة طفلة في صباح عيد، وربما ترضى الحياة عنا إن كنا أقل من ذلك قليلاً، ولكي نصبح كذلك علينا أن نحسن تربية شرّنا دون أن نتخلّص منه، علينا أن نسخّره لعمل تصفّق له الحياة، لا عمل نصفق له نحن، ونظن أن الحياة سترسل لنا بطاقة شكر على فعله لاحقاً.

إن لم نستطع، فلنعبّر عن شرّنا من باب "شرّ لابد منه"، لحماية إنسانيتنا التي تتفق وجمال الحياة من أن تهان أو تنتهك، و"باب الشر الذي لابد منه"، هذا عيبه أنه يضيق ويتّسع بقدر ما تحمل ظهور رغباتنا الإنسانية وغير الإنسانية، إلاّ أن جميع العقوبات والجزاءات السماوية والدنيوية ما هي إلا ممرات آمنة لعبور الشر الذي وُجدنا به، حتى لا يفيض أو ينفجر. هذه الممرات جاءت لتصبح "جدائل" تجمّل الحياة، و"لتشَرْعِن" الشر فينا وتوظّفه إيجابيا، والتربية الحسنة لشرّنا تكمن في التمرين الدائم لشرّنا على الخشية من أن نصبح وحلاً!

back to top