الفنانة اللبنانية فاديا طنب: الفنّ يتخطّى العائق الحضاري

نشر في 29-09-2016
آخر تحديث 29-09-2016 | 00:00
حملت بصوتها الشرق إلى الغرب، ووقفت على المسارح العالمية تغني البيزنطي والكلاسيكي والفلكلور اللبناني والموشحّات. شاركت الكونترالتو فاديا طنب الحاج أخيراً في المهرجان الثقافي »إيل دو فرانس« الذي سعى إلى جمع الديانات السماوية الثلاث برسالة حضارية تحمل كثيراً من السلام والمحبة.
تزور قريباً فلورانس وبادوفا ومصر لإحياء حفلات فنية ثقافية، فماذا تقول عنها؟
ما أهمية المشاركة في مهرجان بمستوى «إيل دو فرانس»؟

ليست المرة الأولى التي أشارك في هذا المهرجان حيث يقدّم الفنانون موسيقى مكرّسة، أي أن مجالهم من ضمن الموسيقى الثقافية، لأنهم يبدعون موسيقى معاصرة و«باروك» وكلاسيكية ومشرقية، كلها مرتبطة بالتراث الديني أو الكلاسيكي مثل الموشّحات. قدّمت في كل مرّة أنواعاً موسيقية عدّة، وذلك وفق التعاون الذي أقوم به بالتزام سواء مع فرق ألمانية أو «باروك» أو من «كورسيكا» أو موسيقى معاصرة مع «زاد ملتقى». أمّا أخيراً، فشاركت ضمن برنامج يتحدث عن الديانات السماوية الثلاث religions a Dieu3.

قدمّتم أغاني من الكتب المقدّسة الثلاث شرقية وغربية، وأغاني صوفية مستوحاة من «نشيد الأناشيد». ما الذي يميّز أعمالاً مماثلة؟

تأتي الموسيقى أحياناً نتيجة لمناخ عام سياسي واجتماعي حول العالم. يعاني الأخير راهناً التشدد الديني، لذا ثمة مهرجانات تحاول تقريب وجهات النظر وتبسيط العلاقات من خلال تبادل الثقافات والتعارف، مثل مفهوم المهرجان الذي قدّمناه للمرة الأولى في معرض للسلام بين الأديان السماوية الثلاث.

قدّمت أغاني صوفية رغم أنها تتطلب إلماماً بالتجويد.

طُلب من فتاة إيطالية تعاونت معها سابقاً، وهي تقدّم موسيقى قديمة أوروبية مسيحية بغالبيتها لاتينية، المشاركة في هذا المهرجان، فطلبت منّي بدورها تقديم الأغاني الشرقية كوني أؤدي موسيقى تقليدية سريانية وبيزنطية. ولأنها لا تعلم أي فنان مسلم لتقديم الشق الصوفي، سألتني أن أغطي الشق الصوفي العربي فاعتبرت الأمر مغامرة. لذا تدرّبت بمعيّة متخصصين مسلمين كوني لا أدّعي إلمامي بمخارج الحروف الخاصة بهذا الإنشاد، علماً أنها مألوفة لدّي بسبب عملي منذ 20 عاماً مع فنان تركي يغني المقاطع الصوفية في الفرقة الألمانية التي أنتمي إليها. تعبت لتقديم هذا النوع الغنائي كما يجب، لذا أعلم أنني قادرة على إيصاله بشكل محترم ووفي، خصوصاً أنني أغني البيزنطي وبالتالي أشعر بأنني قريبة منه.

تبادل الثقافات

إلى أي مدى يتجاوب الجمهور الغربي مع دعوات معرفة الآخر وتبادل الثقافة مع الشرق؟

ثمة تجاوب كبير جداً في أوروبا واهتمام يتخطى الاهتمام العربي بالغرب. يهمّ الشعب الغربي معرفة الآخر في ظل التشدّد الديني والنظرة العدائية المسيطرة على الرأي العام. ملّ الناس الجو المشحون، لذا يسعون إلى تقريب وجهات النظر مع الآخرين، خصوصاً بعد إشارة الإحصاءات الأخيرة إلى نسبة مرتفعة من الإنجاب لدى إسلاميي أوروبا في بلجيكا وفرنسا. من هنا يسعون إلى إيجاد حل لهذا الاختلاط عبر الاحتكاك بالآخر والاطلاع على دينه وتفهمه، وهذا ما يجب أن نعممه أيضاً في مدارسنا اللبنانية عبر إضافة تاريخ الديانات إلى مواد الدراسة.

لا يتخطى عدد من يقدّمون النوع الموسيقي الذي تغنّين أصابع اليد في لبنان، وحتى في الشرق. كيف تتميّزون في ظلّ المعمعة الفنية السائدة؟

لا أقدّم هذا النوع فحسب، بل هو أحد الأنواع الموسيقية التي أغنّي. بالاتكال على البلدان العربية فحسب لن أحقق الاستمرارية. من هنا أقدّم فيها برامج مختلفة تماماً. حينما غنيّت منذ مدّة في سلطة عمّان قدّمت ثلاثة برامج: موّشحات ممزوجة مع فنّ الأندلس، وبرنامج لبناني مع شقيقتيّ رونزا وآمال، فيما شكّل البرنامج الثالث تكريماً للأخوين رحباني من توزيع أسامة وغدي ومروان الرحباني.

حين أحيت فرقتنا Triorient حفلات في دبي والبحرين وأبو ظبي ومصر، قدّمنا برامج مختلفة تماماً عن الحفلات الأوروبية. في أوروبا يهتمون بالموسيقى العالمية ذات الطابع الثقافي، وهذا أحد الوجوه التي اشتهرت فيها هناك. من المؤسف، أنه كلما احتدمت الأمور وتفاعلت الحساسيات بين الشرق والغرب بسبب الأحداث الأمنية زاد إصرار منظمي الحفلات على تقديم برامج مختلطة تمثّل الحضارتين من منطلق أن الفن قادر دائماً على تخطي العائق الحضاري ودفع الناس إلى التفكير بمنطق قبول الآخر.

حققت تجارب رائدة من خلال هذه البرامج عبر التعبير عن انتمائك العربي؟

منذ أسابيع قدّمت ثلاث حفلات في فرنسا تمت تغطيتها في نشرات الأخبار الفرنسية، فضلاً عن مقابلات، وفيها كلّها عرّفوا عنّي دائماً كمغنية لبنانية منفتحة على الحضارات الأخرى. في المقابل، أحاول دائماً تمثيل وطني لبنان بشكل يعرّف الآخر إلى ماهية هذا البلد المتعدد الثقافات.

تفاعل الجمهور

كيف يتفاعل الجمهور الغربي مع موسيقى غريبة جداً عن حضارته؟

أفاجأ بتأثر يعبرون عنه بدموعهم وكلماتهم وانفعالهم في نهاية الحفلة، على رغم أن هذا النوع من الموسيقى غريب جداً عنهم.

المفارقة أن لا مهرجانات من هذا النوع في لبنان.

لا تقام مهرجانات مماثلة في لبنان بل حفلات في مناسبات دينية، إذ يعتبرون أن المهرجانات للترفيه فحسب.

ما أهمية الرسالة التي تحملونها كعرب من خلال المشاركة في مهرجانات عالمية؟

يعرف الجمهور الأوروبي غنى الشرق أكثر مما نتوقع. صحيح أن السياسة تضيّعه بسبب الفضائيات إلا أنه مطلع على الغنى الموسيقي في الشرق. مثلاً، من يعزف في فرقتنا العود هو إيطالي، وثمة كثير من المستشرقين الموسيقيين الذين يعزفون على آلات شرقية وغربية في آن.

بفضل العولمة نلاحظ أحياناً تداخلاً موسيقياً في بعض المؤلفات. هل تفقد الموسيقى خصوصيتها بسبب ذلك؟

لكل نوع موسيقي خصوصيته وما نقدّمه يحافظ على ذلك إذ نبقى أوفياء لكل نوع. برأيي، إذا أحبّ أحدهم تلوين الموسيقى الشرقية بآلات غربية لا يعني ذلك فقدان الخصوصية أو السعي إلى ذلك. بل يعني ابتكار نوع جديد مع الحفاظ على النوع القديم. ثمة ميل إلى تعريب الغرب وغربنة الشرق، ولكن يمكن أن تكون موضة عابرة، خصوصاً إذا كانت المحاولة ركيكة غير متقنة. على كلٍ، الوقت كفيل بالغربلة.

مسارح وحفلات

غنيت على مسارح عالمية ومسارح بعلبك وبيت الدين والبستان. هل يفرض المسرح نوعية الأعمال؟

طبعاً. أحاول عند الوقوف على مسرح بعلبك عدم تقديم حفلة متواضعة لأن الجمهور ينتظر هناك مهرجاناً ضخماً بسبب المسرح وسط أعمدة تاريخية وغيرها. وينطبق الأمر على بيت الدين والبستان. أما اذا أردت تقديم حفلة في قصر المؤتمرات، عندها لا يكون البرنامج أوركسترالياً ضخماً.

غالبية المهرجانات اللبنانية الصيفية شعبية. ما دمت تعملين بمنطق ثقافي لا تجاري، ألا يحدّ ذلك من عدد جمهورك؟

صحيح. بين القناعات والظروف التي يمرّ فيها الإنسان والطريق التي تفتح أمامه والعروض غير المتوقعة تصبح طريقه محدّدة من دون سابق تخطيط. منذ التخصص شعرت وكأن مصيري يتقرّر تلقائياً. تخيّلت أنني سأقدّم موسيقى مشابهة لموسيقى الرحابنة، إنما بعد اندلاع الحرب في لبنان والهجرة بهدف التخصص تلقيت عروضاً غير متوقعة قبلت بها لاكتساب الخبرات فتمسّكوا بي هناك كونهم يبحثون عمّن يملك ذاكرة موسيقية كبيرة وغنى موسيقياً شرقياً فضلاً عن الثقافة الغربية.

نلاحظ في صوتك حزناً، هل هو انعكاس لحال معيّنة تعيشينها؟

أبداً، يقول لي المؤلفون الأصدقاء إن ثمة دراما معيّنة في صوتي على رغم أنها لا تشبه شخصيتي أبداً، ولا علاقة لها برؤيتي الشخصية أو ما أشعر به.

يحتاج المنطق التجاري إلى التسويق والإعلان والإنتاج. علامَ تتكلين ما دمت تفكرين ثقافياً؟

تكمن استمراريتي من خلال شركات إنتاج متخصصة بالنوع الذي أقدّم، وبالتالي تأتي العروض عبرها.

هل من مشروع جديد لفرقة Triorient؟

نلبّي الدعوات التي توّجه إلينا. صراحة، بسبب حفلاتي الكثيرة وازدحام مفكرتي في الغرب أقصّر في اتجاه إدارتي هذه الفرقة. لكننا نلبّي قدر الإمكان العروض التي نتلقاها، ونزور الجزائر قريباً.

ماذا تحضّرين بعد «إيل دو فرانس»؟

سنقدّم البرنامج نفسه في الكاتدرائية المعروفة في «فلورانس» وبعدها «بادوفا».

ثقافة فنية

ما رأيك بالمستوى الثقافي الموسيقي راهناً؟

بفضل مشاركتي هذا العام في لجنة تحكيم «الموركس دور» اطلعت على لائحة كبيرة من الأغاني العربية فلاحظت التطور على مستوى التوزيع الموسيقي الذي أراه أحياناً أفضل من اللحن، فيما يكون الأخير أحياناً أفضل من الكلمات أو الأداء. عموماً، ثمة أعمال جيّدة وأخرى سيئة جداً.

هل ترين أن ثمة من يحافظ على الأغنية اللبنانية الأصيلة؟

أحد لا يقدّم أعمالاً تشبه أعمال الرحبانية أو نصري شمس الدين. أبناء الرحبانة فحسب ما زالوا يصنعون أعمالاً تحمل روح الأغنية اللبنانية.

إلام تعزين تدّني الثقافة الفنية في البلد؟

تقع المسؤولية الأولى على محطات التلفزة والإذاعة لأنها تروّج لأي أغنية مقابل بدل مادي بغض النظر عن النوعية والمضمون. كذلك يتحمّل الإعلام المكتوب المسؤولية، خصوصاً المجلات التي تولي أهمية للفضائح على حساب الأخبار الفنية اللائقة.

الفن مستويات

تنال كل طامحة بالغناء بجسدها صفة مطربة أو مغنيّة. تتحدث فاديا طنب عن هذا الأمر قائلة: «لطالما توافرت في الفن مستويات عدّة، وصاحب العقل المنفتح يعرف هدفه من الفنّ ولا تستفزّه أمور مماثلة، خصوصاً أن هدفي ليس تحقيق نسبة مشاهدين مرتفعة أو متتبعين، وما دام لا يتوافر حل لهذه المظاهر فلمَ أحزن أو أستفزّ؟».

وهل تؤيد طنب توافر رقابة معيّنة لضبط هذه الظواهر؟ تجيب: «تحاول نقابة الفنانين في لبنان وضع ضوابط قدر الإمكان، ولكن يجب ضبط ما يعرض عبر المحطات التي تتحمل المسؤولية الكبرى لأنها تُشرى وتباع ممن يقف وراء هذه المظاهر».

وتوضح أنها تتابع أعمال كل من غادة شبير وسمية بعلبكي وهبة طوجي التي تربطها بها صداقة وتحبّ عملها وتقنيات غنائها، و{هي تهتم بمعرفة رأيي بأعمالها». كذلك أستمع إلى أعمال هبة قواس وجاهدة وهبة وعبير نعمة، وكارول سماحة التي انطلقت بالغناء الشرقي وأثبتت نفسها في الصعد كافة، وهي ممثلة جيدة وتملك إمكانات صوتية لافتة.

كلما احتدمت الأمور بين الشرق والغرب زاد إصرار منظمي الحفلات على برامج مختلطة

محطات التلفزة والإذاعة تروّج أي أغنية مقابل بدل مادي بغض النظر عن النوعية والمضمون

أبناء الرحابنة فقط ما زالوا يصنعون أعمالاً تحمل روح الأغنية اللبنانية
back to top