المتاجرة بالدين!

نشر في 27-09-2016
آخر تحديث 27-09-2016 | 00:09
الانطباع العام عن مجلس الأمة الحالي أنه ملكي أكثر من الملك، وأنه يدار بالريموت كنترول الحكومي، وسجله التشريعي ترك وصمة عار في جبين الديمقراطية الكويتية من خلال القوانين الخانقة للحريات وتعطيل الحقوق السياسية في الترشح والانتخاب لمنافسي النواب الحاليين.
 د. حسن عبدالله جوهر دور الانعقاد الأخير لمجلس الأمة سوف يشهد تحولاً جديداً في الأداء والاستعراض، وهذه المرة بلباس الدين، وملامح "تديّن" البرلمان بانت مع العطلة الصيفية عندما أطلق بعض النواب الدعوة إلى تحويل ساحة الصفاة إلى ميدان للقصاص والتعزير بما في ذلك ضرب الرقاب!

وبدأت حملة جديدة ومفاجئة للاعتراض على حفل موسيقي أقيم في أحد المجمعات التجارية والتهديد بالاستجواب رعاية لمبادئ الدين الإسلامي! ولن نستغرب إذا تغير الشعار والطرح البرلماني نحو أسلمة القوانين وتعديل المادة الثانية من الدستور وغيرها من صور المتاجرة بالدين، وذلك لسبب بسيط هو اقتراب موعد الانتخابات العامة، وإفلاس الأغلبية من النواب في إثبات أية هوية أو خصوصية لمجلس 2013 أو برنامجه، فالانطباع العام عن مجلس الأمة الحالي أنه ملكي أكثر من الملك، وأنه يدار بالريموت كنترول الحكومي، وسجله التشريعي ترك وصمة عار في جبين الديمقراطية الكويتية من خلال القوانين الخانقة للحريات وتعطيل الحقوق السياسية في الترشح والانتخاب لمنافسي النواب الحاليين، والإخفاق الكامل في كشف أي من ملفات الفساد، وإقرار زيادة الأسعار والرسوم على المواطنين، وإخراج بعض المسرحيات الهزلية وتسميتها بالاستجوابات، وهذا الأداء جعل الكثير من الناس يترحمون على المجالس السابقة رغم سلبياتها الكثيرة، ولكنها كانت تحافظ على شيء واحد هو هيبة مجلس الأمة!

الورقة الأخيرة لبعض النواب هي ورقة الدين والقيم الكويتية المحافظة التي خدشها الحفل الغنائي، ولابد من مواجهته من خلال مساءلة الحكومة على منصة الاستجواب، وجاءت ردة الفعل من النواب الغيورين على الدين بعد التصعيد الإعلامي الذي تبناه بعض نواب التيار الديني السابقين، في إشارة واضحة إلى أن الخطاب الديني سوف يكون أحد مفاتيح الحملة الانتخابية لمجلس 2017.

إن الدفاع عن الدين وعن متبنياته مسألة مبدئية لمن يعتقد بها، والانتصار للقيم الإسلامية واجب بالتأكيد، ولكن ذلك يتطلب مصداقية ممن يتصدى لمثل هذه القضايا ويؤتمن عليها، وليس من باب المتاجرة بالدين من قبل المفلسين سياسياً واجتماعياً، وإلا فأين كانت غيرة مجلس الأمة على الدين الإسلامي عندما استبيح المال العام، وراجت الرشوة السياسية في كل الدهاليز وتمت خيانة أمانة المسؤولية الإدارية والمالية والسياسية، ووزعت المناصب والمزايا على أهل الحظوة والمقربين، وتم شراء الولاءات السياسية، ووزعت الأراضي والقسائم لغير مستحقيها، وأصبحت ميزانية الدولة على شفا الإفلاس؟

أين كانت الغيرة على الدين عندما شُرّعت القوانين لملاحقة عباد الله والانتقام منهم وزجهم في المعتقلات بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، وعندما شرعت قوانين باسم المعاقين والمتقاعدين بهدف التنفيع المباشر لأصحاب المصالح والنفوذ على حساب حياة كريمة ورعاية مستحقة لمثل هذه الشرائح الضعيفة؟ وأين كانت الغيرة على الدين وحفظ أعراض وأرواح المسلمين وقد حول البعض مجتمعنا إلى خندق للاصطفاف وتحريض بعضنا ضد بعض وباسم المتاجرة بالجنة والنار؟

كنا ننتقد مجلس الأمة الحالي، رغم اعتراض البعض على ذلك، انطلاقاً من المفاجآت التي كنا نتوقعها من بعض نوابه والبدع غير المنتهية التي تظهر علينا بين فترة وأخرى، وفي نفس الوقت كنا نتوقع الأغرب ولا نعرفه، وها هي بدعة جديدة تفاجئنا بأن الشعب الكويتي قد انتخب مجلس "ملالوة"!

back to top