هل يسبب «الفيسبوك» التعاسة؟

نشر في 25-09-2016
آخر تحديث 25-09-2016 | 00:01
بسبب نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الرسائل عبرها، زادت قدرة المجتمع على مراقبة أداء السلطات، فضلاً عن مناقب أخرى عديدة، لكن تلك المناقب كلها لا يمكن أن تعوض ما باتت ترتكبه تلك الوسائط من أخطاء وتسببه من مخاطر.
 ياسر عبد العزيز ثمة من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض العمل أو الدراسة أو متابعة الأخبار وقضاء المصالح، لكن نحو نصف المليار شخص على الأقل يستخدمونها بغرض الترفيه أو التسلية؛ أي للحصول على المتعة.

إذا كنت من هؤلاء، فإنك ستفاجأ بكل تأكيد، حين تعرف أن دراسات علمية أفادت بأن استخدام هذه الوسائط سيأخذك بعيداً عن السعادة، ويجعلك أكثر تعرضاً للضغوط.

من الصعب جداً إنكار أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ينطوي على فوائد كبيرة؛ فقد كسرت تلك الوسائط احتكار وسائل الإعلام التقليدية لوظائف إعلامية أساسية، وفتحت الباب واسعاً أمام مبادرات شبابية، وجماعات مهمشة، وأصوات ضعيفة، لكي تبرز وتُسمِع آراءها للعالم.

لم يكن بوسع هؤلاء أن يمتلكوا منصات إعلامية تقليدية تكلف الملايين، ولم يكن بمقدورهم توفير نفقات تشغيل دورية، وتوظيف كوادر، ودفع ضرائب وتأمينات ومصروفات ثابتة، من أجل أن يعبروا عن مواقفهم وآرائهم، لكن الآن بات بوسعهم أن يقوموا بكل ذلك عبر إطلاق منصة إلكترونية غير مكلفة، أو إنشاء حساب على "الفيسبوك" أو "تويتر".

إنها عملية "دمقرطة" وتوسيع للمشاركة بكل تأكيد في المجال الإعلامي.

بسبب نفوذ تلك الوسائط وانتشار الرسائل عبرها، زادت قدرة المجتمع على مراقبة أداء السلطات، حيث لا يوجد "حارس بوابة إعلامية" يمكن أن يتدخل بالحجب والمنع أو التخفيف والتلطيف من حدة الانتقادات والهجمات التي توجه إلى بعض أنماط الأداء العام والمسؤولين العموميين.

إنها حالة من عدم المركزية التي وفرت قدراً كبيراً من الإتاحة لأصحاب مصالح كانوا محرومين من التواصل مع الرأي العام ومحاولة التأثير فيه.

لكن تلك المناقب كلها لا يمكن أن تعوض ما باتت ترتكبه تلك الوسائط من أخطاء وتسببه من مخاطر.

في العام الماضي، أظهرت نتائج دراسة دنماركية أن مستخدمي موقع "فيسبوك" أقل سعادة وأكثر قابلية للإحساس بالضغوط من غير المستخدمين.

فقد أجرى الباحثون في معهد أبحاث السعادة بالعاصمة كوبنهاغن دراسة تفصيلية على أكثر من ألف مستخدم لـ "فيس بوك" جرى تقسيمهم إلى مجموعتين.

وسُمح للمجموعة الأولى باستخدام "فيسبوك" بصورة يومية كالمعتاد، فيما تم منع المجموعة الأخرى من زيارة الموقع طوال فترة التجربة، التي استمرت أسبوعا كاملا.

وبعد انقضاء 7 أيام، أكد 88 في المئة من المشاركين في المجموعة التي توقفت عن استخدام "فيسبوك" أنهم أكثر سعادة، في مقابل 81 في المئة من المجموعة التي استمرت في زيارة الموقع، بحسب نتائج الدراسة التي أوردها موقع "كوارتز".

وكشفت نتائج الدراسة، التي شملت 1095 مستخدما على وجه التحديد، أن مستخدمي "فيس بوك" أكثر عرضة للإحساس بالضغوط بنسبة تصل إلى 55 في المئة.

بالمقابل، أوضح أعضاء المجموعة التي توقفت عن استخدام الموقع أنهم أصبحوا أقل غضبا وحدة، وأقل إحباطا، وأكثر نشاطا وحماسا، مؤكدين أنهم باتوا "أكثر استمتاعا بحياتهم بشكل عام".

ليست تلك دعوة بالطبع للتوقف عن استخدام "فيسبوك" أو غيره من وسائط التواصل الاجتماعي، فثمة مليار شخص يستخدمون هذا الموقع يومياً حول العالم، و1.65 مليار شخص يستخدمونه مرة شهرياً على الأقل، وإيرادات الإعلانات به زادت بنسبة 57 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، لتسجل ما يزيد على 5.2 مليارات دولار، كما أنه أصبح أكبر مصدر أخبار في العالم.

والواقع أن الفوائد الكبيرة التي تمت الإشارة إليها في مطلع هذا المقال والمتولدة عن استخدام تلك الوسائط الجديدة يمكن أن تنزوي وتضمر أمام جملة من الممارسات الشاذة والحادة والمنفلتة التي تحفل بها تلك المنصات للأسف، وهي الممارسات التي ربما أثرت في مزاج المستخدمين وجعلتهم أكثر قابلية للضغوط وأقل إحساساً بالسعادة.

سأورد هنا عدداً من الممارسات التي لا تشمل الأفعال غير القانونية؛ مثل التحريض على العنف، أو الطعن في الأعراض، أو الجرائم الإلكترونية، أو التمييز وإثارة الكراهية، أو أعمال الكتائب الإلكترونية، والفبركة والتزوير والاختلاق، ولكنها تركز فقط على بعض أساليب التعاطي التي يظن بعضنا أنها من أدبيات التفاعل عبر "السوشيال ميديا". ومن تلك الممارسات ما يلي:

أولاً: الشخصنة... إذ ينحو قطاع كبير من مستخدمي تلك الوسائط إلى شخصنة الآراء والتوجهات والمعلومات والأخبار. بمعنى أن هؤلاء المستخدمين لا يهتمون بالرأي، ولا يسعون إلى التأكد من المعلومة، ولا يحفلون بمناقشة الإفادة، ولا يعتنون بمتانة الطرح، ولا مسار البرهنة، بقدر ما يركزون على شخص القائل، أو اسم أي شخص ورد في تلك الإفادة، ومن ثم يتناولون هذا الشخص بكلام حاد، إما تأييداً وحباً وولعاً، وإما تقريعاً وسباً وانتقاداً. وفي خضم هذه الشخصنة، تضيع فرصة الحوار الإيجابي، والنقاش الجاد.

ثانياً: الحقيقة المطلقة... حيث يرى قطاع كبير من مستخدمي تلك المواقع أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ويعرف التفاصيل كلها والوقائع كما جرت. وفي هذا الإطار، فإنه لا يسمح ولا يتسامح مع أي إفادة ترد على "السوشيال ميديا" تناقض ما يعتقد أنه الحقيقة المطلقة، ومن ثم فإنه يستبيح من أتى بتلك الإفادة، ويعتبره هدفاً للقصف والسباب والتحقير.

ثالثاً: البذاءة... ما زلت في انتظار مسح علمي يستخدم موارد مناسبة ويوظف كفاءات بحثية كافية لمسح "لغة السوشيال ميديا"، وتحليلها، وإلى حين وجود مثل ذلك المسح، فإن المتابعة الدورية تشير إلى انتشار واضح للغة البذيئة والمسفة، وأن ذلك الانتشار لا يقتصر على جنس أو مستوى اقتصادي أو اجتماعي معين، ولا ينحصر في بلد عربي واحد، بل إنه يكاد يكون سمتاً عاماً في الكثير من المشاركات، في معظم البلدان العربية.

رابعاً: إغفال السياق... إذ تجري الوقائع وتحتدم النقاشات في غيبة أحد أهم متطلبات النقاش الموضوعي، آلا وهو إيراد السياق، الذي من دونه سيمكن اقتطاع أي قول أو فعل وتأويله على نحو خاطئ.

تلك بعض السلبيات التي تعتري أداءنا العام على تلك الوسائط، والتي أفقدتها جزءاً كبيراً من القدرة على أن تكون منصات جادة ومفيدة للنقاش العام.

* كاتب مصري

في العام الماضي أظهرت دراسة دنماركية أن مستخدمي "الفيسبوك" أقل سعادة وأكثر قابلية للإحساس بالضغوط من غيرهم
back to top