البدانة... جراثيم تتحكم فينا!

نشر في 25-09-2016
آخر تحديث 25-09-2016 | 00:02
No Image Caption
لا يتأثر كثر بنقاشات مطوّلة تدور حول وباء البدانة المعاصر. رغم الحميات والمقالات الهائلة التي تُعنى بفقدان الوزن، ولا تنجح معظم الاقتراحات في تنحيف البطن والخصر أو أي مناطق أخرى من الجسم. يعود كل من يأمل تحقيق النحافة بفضل تلك البرامج إلى وزنه الأصلي بسبب الجراثيم المعوية التي تتحكّم في شهيتنا.
رغم هذه المخاوف كلها، بقيت البيانات ضئيلة حول الآليات الدقيقة التي تفصل بين الأشخاص الذين يأكلون إلى أن يشعروا بالشبع ويحافظوا على وزن صحي من جهة، وأولئك الذين يستهلكون كميات إضافية من الطعام ويواجهون مشكلة لاحقة في وزنهم من جهة أخرى. نقول بكل بساطة إن عملية الأيض {تنشط} في أجسام بعض الناس أكثر من غيرهم.

لكن تكشف الأبحاث الجديدة عن تفاعل أيضي كبير كان يجهله كثيرون. يبدو أننا نحمل كائنات تُضعِف سيطرتنا على نفسنا وترسل لنا إشارات غير مرغوب فيها. نعني بها تريليونات الميكروبات التي تعيش داخل الأمعاء وتقوم بوظائف أساسية في الجسم. كشفت أبحاث سابقة أن ميكروبيوم الأمعاء له تأثير هائل. تؤدي هذه الكائنات الدقيقة دوراً حاسماً في تسهيل عمل جهاز المناعة والأيض والجهاز العصبي المركزي وتساهم في تسريع النمو الطبيعي وتحمينا من الأمراض. حتى أن الميكروبات المعوية تؤثر في حالتنا العقلية، فقد تبيّن أنها ترتبط بالاكتئاب والقلق.

عواقب البدانة

كذلك، كشف بحث جديد أن الجراثيم المعوية تؤدي دوراً محورياً على مستوى البدانة. تبيّن أن بعض سلالات الجراثيم يرتبط بزيادة عواقب البدانة، منها مشكلة مقاومة الأنسولين والنوع الثاني من السكري وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدلات الدهون في الدم. حتى الآن، كان نموذج الشهية والشبع لدينا يرتكز على الافتراض القائل إن هذا الجانب من البدانة يتوقف على محور متقاطع بين الأمعاء والدماغ، حيث تنشط جزيئات الأمعاء والأنسجة والهرمونات، ولكنه لا يرتبط بالميكروبيوم.

حين يأكل الناس وتبدأ عملية الهضم، تعتبر إحدى الفرضيات أن أنسجة الأمعاء ترسل إشارات الشبع إلى مراكز دماغية محددة، مثل المهاد أو اللوزة الدماغية حيث تُطلِق الجوانب الغذائية والحسية للطعام دورة تنظيمية للسيطرة على سلوك الأكل. لكن أثبت بعض الأبحاث الجديدة أن الميكروبات المعوية تشارك مباشرةً في عمل تلك الدورة عبر إطلاق جزيئات ناشطة بيولوجياً كي تخبرنا بأننا نشعر بالشبع أو الجوع، وتتوقف تلك الدورة على تقييمها حاجاتها الخاصة. ثمة دوائر ناشطة أخرى طبعاً، لكن تستطيع الجراثيم المعوية أن تنتج الأنواع نفسها من المواد الكيماوية التي تنظّم الشبع، مثل البروتينات وهرمونات الببتيد التي تكون جزءاً من جهاز تنظيم خلايا الجسم. لذا تشارك الجراثيم المعوية مباشرةً في آليات الجسم التي تحدد الجوع والشبع معاً.

الحياة الميكروبية

تنشط الحياة الميكروبية داخل المعدة والأمعاء. حللت دراسة فرنسية جديدة البروتينات التي تنتجها جرثومة الإي كولاي في المعدة. حين نأكل، تمر هذه الجرثومة بمرحلتين من التفاعلات مع المغذيات التي تدخل إلى المعدة. في البداية، تتضاعف بوتيرة سريعة جداً وتنتج مجموعة من البروتينات. لكن بعد 20 دقيقة على الأكل، تُوقف الجراثيم مرحلة نموها السريع وتبدأ بإنتاج بروتينات أخرى تختلف عن منتجات الأيض الجرثومية السابقة التي تظهر في أنشط مرحلة من مراحل إنتاجها. لكن يبدو أن النوع الثاني من البروتينات يؤثر مباشرةً في مشاعر الشبع.

لإثبات الرابط بين الظاهرتين، حقن الباحثون هذا النوع الثاني من البروتينات في أجسام قوارض امتنعت عن الأكل أو حصلت على كميات صغيرة من الطعام. عند تلقي هذا البروتين الجرثومي المحدد، خفّفت القوارض التي لم تأكل شيئاً نسبة المأكولات المستهلكة أو أوقفت الأكل بالكامل. أثبتت هذه التجربة أن البروتينات الجرثومية المشتقة من الإي كولاي ترتبط بمسارات التحفيز الهرموني التي تستعملها خلايا الجسم لإرسال إشارات الشبع أو الجوع إلى الدماغ. بناءً على هذا البحث، يُفترض أن تنشأ مليار جرثومة إضافية في المعدة قبل الانتقال من النمو الناشط إلى مرحلة أكثر جموداً تترافق مع إنتاج البروتينات المرتبطة بالشبع.

يُفترض أن توضح أبحاث إضافية جوانب أخرى من هذه الآلية على أمل أن تمهّد لتحسين علاجات البدانة مستقبلاً. يتّضح اليوم أنّ أي مسار نحو تحقيق نجاح حقيقي سيرتكز على تعميق فهمنا لطريقة تفاعل الميكروبيوم مع أهم آلياتنا التنظيمية.

بحث جديد كشف أن الجراثيم المعوية تؤدي دوراً محورياً على مستوى البدانة
back to top