شاعرة إيران الكبيرة «سيمين بهبهاني» في ذكرى رحيلها (3-3)

نشر في 23-09-2016
آخر تحديث 23-09-2016 | 00:12
تمايزت لغة سيمين الشعرية عن شعارات النظام حتى في المسائل الوطنية، فخلال الحرب العراقية- الإيرانية، ومختلف المناسبات التي كان الإعلام الرسمي يتحدث فيها بلغة دينية ومذهبية عن الحرب والشهادة، كانت سيمين تغوص أكثر في اكتشاف الطاقات المذهلة للشعر والأدب الإنساني، والتحرر من الحزن والتشاؤم والقمع.
 خليل علي حيدر

نقد أمير طاهري لبهبهاني

نشرت "الشرق الأوسط" في 6/ 9/ 2014 في صفحتها الثقافية مقالا قيما للكاتب الصحافي الإيراني المعروف "أمير طاهري" جاء فيه أن اسم الشاعرة "سيمين بهبهاني" بات من الأسماء المألوفة في مسقط رأسها بإيران "وهي من الدول المعدودة على مستوى العالم التي تتمتع بقاعدة شعرية واسعة النطاق (لا يكاد يوجد منزل إيراني يخلو من مجموعة واحدة على الأقل من المجموعات الشعرية، وفي كل عام يقدم ما يقرب من عشرة آلاف أعمالهم الشعرية في المهرجان الوطني للشعر)".

وعن ديوانها "خط من السرعة وخط من نار" يقول طاهري: "جذبت مجموعة أشعار سيمين المعنونة "خط السرعة والنار" والمنشورة في عام 1980 القليل من الانتباه. في البداية كانت سيمين شاعرة معروفة ولها جمهورها من المتابعين لأعمالها الشعرية، غير أن أحدا لم يكن يتوقع لها أن تشهد حالة من الولادة الأدبية الجديدة عشية عيد ميلادها الخمسين، ومع ذلك سرعان ما أعيد اكتشاف مجموعة "خط السرعة والنار" الشعرية باعتبارها من أهم المجموعات الشعرية الفارسية المنشورة منذ سنوات".

وعن التوجه والاهتمام النسوي بشعر "سيمين" يقول "طاهري" إنه تطور لاحق: "تبعت غنائيات حقبة الخمسينيات وواقعيات حقبة الستينيات في شعر السيدة سيمين بانعطافة وجيزة نحو الحركة النسوية من حقبة السبعينيات، وقد كانت النسوية دائمة الحضور في قصائد السيدة سيمين، وقد منحتها قاعدة ارتكزت عليها في سعيها ليس إلى المزيد من المساواة القانونية للنساء فحسب، بل أيضا بمزيد من الأهمية، المساواة الثقافية والمساواة في التعبير الأدبي لهن".

تحمست الشاعرة سيمين بهبهاني كالكثير من المثقفين والمبدعين الإيرانيين لثورة 1979 رغم قيادتها الدينية قبل أن يكتشفوا لاحقا أنهم مهدوا الطريق في الواقع لسجانيهم ومصادري حرية الفكر والإبداع.

يقول طاهري: "انخرطت السيدة سيمين في جموع المتحمسين المؤيدين للثورة الجديدة، ولفترة من الوقت وضعت طاقاتها الشعرية في خدمة قضية البلاد، وقدمت عددا من الأغاني الثورية التي رددها الطلاب المتمردون في مختلف جامعات البلاد في عام 1978 وعام 1979".

كانت سيمين ثورية متحمسة رافضة لأي تسوية مع نظام الشاه، ولهذا حثت الثوريين على نبذ كل التسويات ودعتهم إلى "الاستمرار في النضال حتى إخضاع الصرح الإمبراطوري بأكمله". ويضيف طاهري أن "بعض ثيمات تلك الأغاني الحماسية ليست إلا أدوات جيدة الإعداد للدعاية السياسية، ويظل البعض منها دليلا قائما وحيّاً على خطأ الشاعرة سيمين، وندمها اللاحق عليه، لاعتقادها أن "الخميني" وحاشيته من الملالي سوف ينتقلون بإيران إلى حياة ديمقراطية زاهرة وسارة".

لم يستغرق الأمر من السيدة سيمين سوى بضعة أشهر لتدرك خطأها في تقدير الأمور، وانضمت تدريجيا إلى بقية المثقفين الثوريين الذين باتوا يسمون أنفسهم "الجيل المخدوع"، "فريب خوردكان" بالفارسية.

وبينما اختار معارضو النظام الثوري الجديد الصدام معه ضمن مختلف التيارات، انتهجت "سيمين" مسارا مغايرا، إذ اكتشفت مخاطر الحماس السياسي والشعارات، وعادت إلى أداتها الشعرية.

يقول طاهري: "جاءت غزليات ما بعد الثورة لديها وليدة ذلك الإدراك الجديد، ولكنها لم تخرح من رحم موضوعات اليأس، والحب، والبحث عن السلام فحسب، ولا تميزت بها وحدها، فقد أتت غنائيات سيمين الجديدة بثورة حقيقية في أساليب الشعر الفارسي، فالأسلوب التقليدي الذي يكتب به شعر الغزل يعتمد على اختيار الشاعر وزناً من الأوزان الشعرية، ثم يستمر في الكتابة.

تفرض الضرورات الشعرية للوزن المحدد سلفا قيودا واضحة على خيال الشاعر، وتملي الإيقاعات والقوافي في بعض الأحيان على الشاعر مضمون القصيدة من خلال فرض وجودها عليها".

الحرب والموسيقى

تمايزت لغة سيمين الشعرية عن شعارات النظام حتى في المسائل الوطنية، فخلال الحرب العراقية- الإيرانية ومختلف المناسبات التي كان الإعلام الرسمي يتحدث بلغة دينية ومذهبية عن الحرب والشهادة، كانت سيمين تغوص أكثر في اكتشاف الطاقات المذهلة للشعر والأدب الإنساني، والتحرر من الحزن والتشاؤم والقمع، حيث تم تحريم الكثير من مظاهر الحياة الفنية والموسيقية والوجود النسوي الحر.

تناولت سيمين في شعرها الدفاع عن الموسيقى والغناء والتمتع بالحياة، غير أنها لم تتجاهل الواقع المؤلم لآثار الحرب ومشاكل الحياة اليومية وآثار القمع والسجن.

فكتبت كما يقول طاهري "عن الأقلام الكسيرة، وعن الجثث المتناثرة فوق رمال الصحراء، وعن جثة الجندي التي تشبه مجرة درب التبانة، وعن غصن الزيتون رمز السلام، الذي انقلب عصا في يد الحرس الثوري الإسلامي".

ويضيف طاهري: "في بعض أشعارها عرضت سيمين تصويرا بشعا لحياة الوقت الحاضر في إيران: أرض العيون الممزقة من محاجرها والرؤوس المهشمة و"أعداء الربيع، الذين ينصبون الكمائن لزنابق الصحراء".

كما أعادت سيمين اكتشاف "إيران الأبدية" التي أصابتها الجراح من جراء عقود من الجنون الثوري والحرب التي حصدت أرواح الملايين في إيران والعراق، وتأملت حال بلادها التي مزقتها الحرب، فكتبت:

"يا وطني الأم لسوف أعيد بناءك يا وطني

ولو بلبنات من روحي

ولسوف أرفع أعمدة سقفك

ولو بعظم من عظامي".

لا بد من بنائها ثانية

من دواوين سيمين بهبهاني كما ذكرنا ديوان "دشت أرزن". وأحتفظ بطبعة أولى من الديوان موقعة ومهداة من الشاعرة الكبيرة بتاريخ 30/ 11/ 2002.

من قصائد الديوان الجميلة والمشحونة بالألم وخيبة الأمل من نتائج التجربة السياسية الثورية للبلاد، قصيدة بعنوان "لا بد من بنائها ثانية"- دوباره بايد ساخت، وهي تلخص موقف الشاعرة ومواقف أعداد كبيرة من "الجيل المخدوع"، ممن حاولوا التغيير، ووضعوا كل ما لديهم في سلة تلك التجربة... وخسروا الرهان.

تقول القصيدة التي تخاطب الجيل الجديد من الإيرانيين ربما عام 1983:

"لا بد أن تبنوها ثانية، أنتم! فقد رحلنا!

وإن لم نبق متفرجين، إلى أن غادرنا

أغيثونا، أنتم الأكثر شبابا، العون، فلتكن بيوتكم عامرة

ليحمي الرب بيته، فقد تركنا هذا المنزل مغادرين

أنتم بمثابة السيد المسيح مُحيي الموتى... غدا

نحن مثل موسى الأمس، رحلنا حاملين عصاتنا

كانت دوافعنا، يعلم الله، الإيمان والتفاني.

أصبنا أم أخطأنا.. رحنا!

مقيدي الأيدي، معصومي الأعين

سلوهم: إلى أين أخذونا، لا تسل إلى أين ذهبنا!

نحن معذورون يا رفيقي، إن أصابنا الإنهاك

إذ واصلنا معكم نصف المسيرة

إن هوينا عن السلم، فانهضوا إلى القمة

فكم نحن من قبل بلغنا القمم

كافحنا عبر حياتنا، اندفعنا كالموج

نغوص تارة ونطفح أخرى

لبينا نداء الواجب، إذ نودي بالحق

استجبنا للمنادي، وسرنا ملبين

وإن لم نكن ندرك أنها رسالة دامية

إلا أننا رفعنا صرخة مدوية... ومضينا!

back to top