شاعرة إيران الكبيرة «سيمين بهبهاني» في ذكرى رحيلها (1-3)

نشر في 21-09-2016
آخر تحديث 21-09-2016 | 00:05
 خليل علي حيدر كم كنت محظوظا في طهران ضحى ذلك اليوم 30 نوفمبر 2002، إذ وفقت برفقة كاتبة إيرانية، في لقاء الشاعرة الكبيرة "سيمين بهبهاني" في مسكنها ببرج سهند، أحد مجمعات طهران السكنية.

بدت الشاعرة للأسف متعبة مثقلة بأعباء حياتها وهي في الخامسة والسبعين من العمر، وربما كانت تعاني بعض علل السن المتقدمة أو ضغوطا أخرى، وأذكر أنني كنت قد أعددت بعض الأسئلة والمواضيع، وبخاصة ما يتعلق منها بالثقافة العربية- الإيرانية وضعف حركة الترجمة بينهما، وعلاقة الشعر والأدب بالأيديولوجيا، وكتابة الشعر في ظل ثقافة إسلامية لها عقائدها وتوجهاتها الخاصة. وكان بين الأسئلة سؤال عن أولوية الشاعر ما تكون: إحداث نهضة اجتماعية أم تحقيق الإبداع والمجد الشخصي؟ وكان السؤال الآخر عن علاقة الشعر الفارسي المعاصر بالتراث الأدبي العالمي، وكيف يوفق الشاعر بين العالمية والمحلية، والبعد الإنساني إزاء الهموم الوطنية والاجتماعية اليومية؟

ولا أذكر الآن كل التفاصيل، فقد كانت الشاعرة متعبة مهمومة وإجاباتها مختصرة، ولم أحب أن أطيل وأثقل عليها فانصرفنا بعد نحو ساعة، ولكني اليوم، في الذكرى الثانية لوفاتها في أغسطس قبل عامين، سنة 2014، أتمنى لو أنني استفدت أكثر من تلك المناسبة الأدبية التي طويت بوفاة الشاعرة.

في الأدب الإيراني الحديث ثلاث شاعرات بارزات:

الأولى "بروين اعتصامي" (1907-1941) التي تعتبر من رموز الشعر الفارسي الحديث، وتعني كلمة "بروين" بالفارسية مجموعة نجوم الثريا، وقد وُلدت في مدينة "تبريز" وفقدت والدتها وهي صغيرة، ونشأ اليتم معها، أما والدها فكان "يوسف خان" الملقب باعتصام الملك أو "اعتصامي"، فانتقل بالعائلة إلى طهران حيث درست الآداب الفارسية والعربية والإنكليزية، وكان والدها مثقفا يتقن اللغة العربية، وترجم كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" الصادر عام 1899، وقد توفي عام 1937 حيث تركت وفاته أثرا عميقا في حياة ابنته "بروين"، التي لحقت به بعد أعوام قليلة، عام 1941 عن عمر بلغ 35 عاما فقط.

وكانت الشاعرة الثانية "فروغ فرخزاد" (1934-1967) التي عاشت حياة قصيرة كذلك، وتوفيت في حادث سيارة عن عمر لم يزد على 32 عاما.

كانت "بروين اعتصامي" شاعرة مُجيدة ذات مكانة في الشعر الفارسي التقليدي الموزون، وكانت في إنتاجها ملتزمة بقواعد هذا الشعر والأدب، أما الشاعرة الثانية "فروغ فرخزاد"، فقد تأثرت بالشعر الحر الحديث، وبتيار الحداثة الأدبية، وكانت إلى جانب الشعر مخرجة سينمائية جريئة الفكر ومجددة، فكتبت دواوين تعد بمثابة ثورة أدبية في الشعر الفارسي المعاصر، وبخاصة ديواني "ولادة جديدة" - تولدي ديكر، وديوان "لنؤمن بحلول فصل قارس"- إيمان بياوريم به آغاز فصل سرد. وقد تزوجت الشاعرتان زواجا مبكرا كان نصيبه الفشل في الحالتين، وكان الفشل كذلك مصير زواج الشاعرة الثالثة "سيمين بهبهاني" وتعني كلمة "فروغ" بالفارسية نور، أما "سيمين" فتعني الفضي!

وفاة الشاعرة

نشرت جريدة "القبس" يوم 21/ 8/ 2014 خبرا عن وفاة الشاعرة الإيرانية "سيمين بهبهناني" وجاء في الخبر: "ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن الشاعرة سيمين بهبهاني بطلة حقوق المرأة وحرية التعبير، التي عبّرت أشعارها عن آمال وإحباطات الإيرانيين منذ ثورة 1979، توفيت عن عمر يناهز 87 عاما.

ونالت بهبهاني التي رشحت لجائزة نوبل في الأدب، اللقب غير الرسمي "سيدة الغزل" لما رآه معجبوها من شجاعتها في مواجهة الرقابة الرسمية.

وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنه بعد ما يقرب من أسبوعين في مستشفى باريس في طهران، توفيت بهبهاني بسبب مضاعفات بالقلب والجهاز التنفسي، وأصيبت بالعمى تقريبا في نهاية حياتها.

وقالت بهبهاني للخدمة الفارسية في "بي بي سي" عام 2012: "حتى الآن قلت ما كان ينبغي أن أقوله. لقد قلت دائما إنني ضد الموت، وإنني ضد القتل وضد الحبس".

وكانت بهبهاني قد ضمت صوتها للمتظاهرين الذين اندفعوا إلى الشوارع بعد انتخابات رئاسية متنازع عليها في يونيو 2009، للاحتجاج على التزوير المزعوم للانتخابات من خلال كتابة قصيدة "أوقفوا إلقاء بلادي في الريح".

حياة الشاعرة

تناولت موسوعة ويكيبيديا الفارسية تفاصيل حياة الشاعرة "سيمين بهبهاني" بالشرح فقالت: ولدت "سيمين" في طهران وكان والدها "عباس خليلي" بدوره شاعرا وكاتبا ورئيس تحرير صحيفة "إقدام" بمعنى الشجاعة والجرأة، في أسرة لها امتدادها داخل مؤيدي الحركة الدستورية الإيرانية وثورتها في بدايات القرن العشرين. وكان والدها عباس خليلي يقرض الشعر باللغتين الفارسية والعربية، وترجم فعلا نحو 1100 بيت شعر من الشاهنامة إلى العربية، كما نشر بالفارسية العديد من الروايات، أما والدة "سيمين" واسمها "فخر عظما آرغون"، فكانت من عائلة عريقة، تتقن بدورها الفارسية والعربية، كما درست العلوم الدينية وكانت ملمة بالأعمال الكلاسيكية الفارسية من شعر ونثر، إلى جانب اللغة الفرنسية التي درستها على يد أستاذ سويسري في طهران، وكانت "آرغون" والدة سيمين من الإيرانيات التقدميات وشاعرة معروفة وعضوة في جمعية النساء الوطنيات، وتدعى بالفارسية "أنجمن نسوان وطن خواه"، وتولت رئاسة تحرير جريدة "مستقبل إيران"- (آينله إيران)، وكانت عضوة في الجمعية النسائية "كانون بانوان"، و"الحزب الديمقراطي" إلى جانب عملها بتدريس اللغة الفرنسية في المدارس.

كان والدا "سيمين" قد تعارفا وتزوجا عام 1924، إلا أنهما انفصلا بعد ست سنوات من ذلك الزواج، فتزوجت والدة "سيمين" من "عادل خلعتبري"، رئيس تحرير صحيفة "مستقبل إيران"، ورزق منها بثلاثة أولاد، أما الشاعرة سيمين، وكانت تعرف باسم والدها "سيمين خليلي"، فقد تزوجت عام 1946 "حسن بهبهاني"، فاشتهرت باسمها الجديد "سيمين بهبهاني"، وباشرت بعد أعوام عملها في مجال التدريس، كما انتسبت إلى كلية الحقوق، وفي عام 1970 انفصلت الشاعرة عن زوجها وتزوجت في العام نفسه من "منوچهر كوشيار"، الذي كانت تعرفه منذ سنوات الدراسة.

عملت السيدة "سيمين" فترة طويلة امتدت ثلاثين عاما ناظرة مدرسة، ولم تتول أي عمل في المجال القانوني، وفي عام 1969 انتسبت إلى رابطة الشعر والموسيقى، وتولت عضوية مجلس إدارتها مع جمع من أبرز الشعراء والفنانين الإيرانيين، وفي عام الثورة 1979 أصبحت عضوة في جمعية الكتاب الإيرانيين، (كانون نويسندكان إيران). وكانت سيمين قبل الثورة تكتب الأشعار وكلمات الأغاني لكبار الفنانين والمغنين الإيرانيين، مثل "شجريان"، و"داريوش"، وأشهر المغنيات مثل "دلكش" و"مَرْضيّة"، كما كانت سيمين عضوة لبعض الوقت في المجلس القومي أو الوطني للإذاعة والتلفاز في إيران.

تكريم الشاعرة

جرى تكريم الشاعرة في برلين عام 1999 من المنظمة العالمية لحقوق الإنسان، ونالت ميدالية "كارل فون أوسيتسكي"، وجائزة "ليليان هيلمان"، وفي أغسطس عام 2013، قبل وفاتها، نالت جائزة "بانوش يانونيوش" Janus Pannonius من المجر، حيث رافقتها إلى تلك الدولة السيدة "فرزانة ميلاني"، مترجمة أعمالها الشعرية إلى الإنكليزية.

كتبت الشاعرة سيمين قصيدتها المعروفة "سأعيد بناءك ثانية يا وطن"- دوبارة مي سازمت وطن، التي غناها المطرب الإيراني "داريوش إقبالي". وعندما وجه الرئيس الأميركي "باراك أوباما" التهنئة إلى الشعب الإيراني عام 2011 بمناسبة رأس السنة الإيرانية "نوروز" قرأ في خطابه الترجمة الإنكليزية لهذه القصيدة.

كتبت سيمين عام 1988 خلال فترة الإعدامات الواسعة للسجناء السياسيين في إيران، قصيدة بعنوان "أيتها الأمهات"- أي مادران، وقد تعرضت الشاعرة في إحدى المناسبات النسائية المقامة في "بارك دانشجو"، حديقة الطلاب، إحدى الحدائق العامة، إلى تدخل قوات الأمن والاعتداء. وقد رفعت الشاعرة قضية ضد المسؤول الأمني الذي اعتدى عليها بالضرب والإهانة، غير أن محامية الشاعرة السيدة "نسرين ستودة" صرحت في وقت لاحق أن "ملف القضية قد أُقفل".

حضرت الشاعرة مع وفد من النشطاء في مجال حقوق المرأة عام 2008 جلسة البرلمان الإيراني، "مجلس الشورى الإسلامي"، التي عقدت لمناقشة "قانون حماية الأسرة". وقد خاطبت الشاعرة "سيمين" أعضاء المجلس قائلة: "لم أنتخبكم سادتي، إذ لا أقبل مجلسكم مبدئيا، لقد حضرتُ إلى هذا المكان لأطالبكم بعدم خيانة الشعب الذي انتخبكم، ولا تفسحوا المجال لأن يصدر المجلس قانونا معاديا لنساء إيران".

وفي العام التالي منعتها السلطات من مغادرة إيران إلى فرنسا للعلاج وإلقاء خطاب في يوم المرأة العالمي بباريس، حيث تم احتجاز جواز سفرها وأبلغت أنها "ممنوعة من السفر".

(يتبع غداً)

back to top