رحلة الغفران

نشر في 17-09-2016
آخر تحديث 17-09-2016 | 00:03
 الشوادفي عبد الرحمن ما أجمل أن يكون الإنسان في ضيافة الرحمن ومعية الهادي المنان، نعم فهو الأمان والملاذ، قال تعالي "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا"، منذ أيام قليلة رأينا وفود الرحمن وقد أقبلوا على بيت الله الحرام من كل بقاع الدنيا على اختلاف لغاتهم وألوانهم وأجناسهم، رافعين شعاراً واحداً "لبيك اللهم لبيك"، في إعلان صريح لخضوعهم وذلهم وانكسارهم أمام الله تعالي، تاركين الدنيا وراء ظهورهم، لم يصرفهم بُعد المسافات ولا ازدحام الطرقات ولا عناء في أداء المناسك، لأن القلوب تعلقت بربها وانشغلت بأداء شعائر مولاها، باذلة في ذلك كل غال ونفيس.

نظرة بقلب إلى الكعبة، ولو عن طريق التلفاز أو عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام المختلفة، كفيلة بأن تبعث فيك الحنين وتحملك على جناح الأشواق إلى بيت الله الطاهر، وتلك ليست مصادفة بل هي سنة ربانية تلبية لدعوة أبينا إبراهيم حينما دعا ربه "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ".

فيا حجاج بيت الله الحرام، يا من أنعم الله عليكم بهذه النعمة العظيمة لإتمام ركن الإسلام الأعظم، وتلبية لأوامر الله حينما أمرنا بقوله "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا"، ثقوا بأن الله أكرمكم وفضلكم واصطفاكم واختاركم لتكونوا من حجاج بيته، فهناك أناس منعتهم قلة استطاعتهم أو مرضهم أو عدم قدرتهم على نيل هذا الشرف، ومن الناس من لا ينصرف ذهنه إلى تأدية تلك الفريضة، فالدنيا همه.

المشهد عظيم، والموقف جلل تنخلع له القلوب وتهتز له الجوارح وتسكب فيه العبرات، لم لا والمشهد مصغر من يوم القيامة؟ حين لا ينشغل الجار بجاره ولا القريب بقريبه، ولا الأخ بأخيه، فالوزير بجانب الخفير، والغني بجانب الفقير، والرئيس بجانب المرؤوس، الثياب بيضاء واحدة، والدعاء واحد، والتوجه واحد، فضيوف الرحمن تركوا كل شيء وراء ظهورهم، من أموال وأولاد وأهل، راجين رحمة الله، وقفوا على بابه يلتمسون الرحمة والمغفرة، طامعين أن يرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم أنقياء من الذنوب.

كيف لا والمولى في عليائه يباهي بهم الملائكة، قائلاً: "انظروا يا ملائكتي إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم"، وكيف لا وقد خص الله سورة كاملة باسم الحج؟

الحج هو الخضوع لله وتنفيذ أوامره دون تفكير بما يفعل في هذه الشعيرة العظيمة، فالكعبة حجر، وأمرنا الله أن نطوف به، والحجر الأسود من السنة عن رسول الله أن نقبله، وجبلا الصفا والمروة حجارة وأمرنا الله أن نسعى بينهما، وجبل عرفة حجر، وأمرنا أن نقف عليه، والجمرات حجارة يرمى بها إبليس، كل ذلك يفعله الحجيج، والسعادة تغمرهم تلبية وطاعة لربهم.

فهنيئاً لكم أيها الحجاج غفران الذنوب وصفاء القلوب وإتمام ركن الإسلام الأعظم، فالحج ليس لقباً يقال ولا شعارات تردد على الألسنة إنما هو تغيير الحال، لتكون رحلتك قد غيرت فيك الكثير، وأقول لمن جلس يشاهد الموقف المهيب وفي استطاعته الذهاب لكنه بخل بماله أو تحسب للمشقة والعناء، أنت من خسرت وفاتك خير كثير، فجدد نيتك، فالحياة غير مضمونة والعمر يمر فلا تدع نفسك لإغواء الحياة دون أن تتم هذا الركن العظيم، فاستثمر حياتك في طاعة ربك.

ثم أقول لمن لا يستطيع لكنه مشتاق لتأدية هذه الشعيرة العظيمة: أنت مأجور بنيتك، واجتهدت في العبادة في العشر الأول من ذي الحجة لتظفر برحمة ربك وغفران الذنوب، وأدعو الله لعله تعالى يرزقك بشرف زيادة بيته العتيق.

back to top