الزوايا العمياء في القيادة

نشر في 10-09-2016
آخر تحديث 10-09-2016 | 00:06
 محمد صالح السبتي للسيارة ثلاث مرايا: اثنتان جانبيتان وواحدة في الوسط تريك ما يدور خلفك بكل التفاصيل، إلا أن هناك زوايا عمياء لا تراها رغم وجود هذه المرايا، إما لدرجة ضبط المرآة أو لغيرها من الأسباب، وقد يختلف الأمر من سائق لآخر ومن سيارة لأخرى، لكن المحصلة أن هذه المرايا قد تعجز أحياناً عن مشاهدة هذه المناطق أو الزوايا العمياء.

في الحياة أيضاً هناك زوايا عمياء لا يستطيع الإنسان أن يراها مهما بلغ من حسن الفكر والعقل والثقافة والخبرة، فقد تخفى عن بصيرته ونظره فلا يراها، وقد يراها غيره أو يراها هو أحياناً وتختفي أحياناً أخرى.

سبب الخلاف بين الناس إما لاختلافهم في تفسير ما يرون من الأشياء والحوادث، وإما أن بعضهم لم ير هذه الزوايا العمياء، فاختلاف البشر في تفسير الأمور قد يكون واضحاً في أذهاننا، وقد خلقنا الله مختلفين في كل شيء، بما في ذلك طريقة فهمنا للحوادث وتفسيرها واستنتاج المدلولات، إلا أن كثيراً منا لا يعي أن هناك زوايا عمياء في الحياة قد تكون خافية عليه أو على غيره.

هذه المناطق العمياء في الحياة– كما هي في قيادة السيارة– تختلف وجوداً وعدماً ووضوحاً وضبابية بحسب مكان السيارة أو خط سيرها، وأحياناً بحسب ما تريد أن تراه خلفك، وأحياناً بحسب طريقة ضبط المرآة، وأحياناً للشارع دور في هذا الوضوح والضبابية، وسرعة وبطء من هو في الخلف، وعوامل كثيرة تؤثر في حسن رؤيتك لما يدور خلفك.

الحال كذلك في الحياة والاختلاف بين البشر، فهذه الزوايا المعنوية يتأثر فهمك لها وغيابها عنك بأشياء كثيرة قد لا تكون مسؤولاً عنها، لكنك في النهاية مسؤول عن حسن فهمك وتقديرك لمثل هذه الأمور.

المسألة دقيقة جداً، ومهمة جداً، ومفيدة جداً، فهي لا تنهي الاختلاف بين البشر قطعاً لكنها يمكن أن تنهي الخلاف، وبالإمكان انتهاء الشجار والنزاع، ولو أطلق كل إنسان فكره في جميع أمور الحياة وخلافاتها، وأمعن النظر في الكم الهائل للزوايا العمياء فيها، أو التي قد توجد فيما قد يثور من خلافات، لاستيقن تماماً أن رؤياه للأمور قد تكون غير مطابقة للواقع، مهما كانت قناعاته وإيمانه بها، وأن رؤيا غيره قد تكون صائبة مهما كانت درجة اقتناعه بخطئها، وتوسيع المدارك وإيجاد الأعذار ومحاولة الانفتاح على الآراء، كل هذا لا يأتي إلا إذا اقتنعنا أن هناك زوايا عمياء لا نراها.

هذا كله لا يعني قلة إيمان بالأفكار ولا قتلاً للطموح في الدفاع عن المعتقدات، لا بل يعني أنه يجب إعطاء مساحة للغير واحترام رأيه، وإذا عكست الأماكن مع أي شخص تختلف معه فستجد الثمرة من معرفة «الزوايا العمياء».

back to top