لم لا تتحوط دول الخليج من هبوط أسعار النفط على غرار المكسيك؟

مكسيكو ستجني نحو 3 مليارات دولار كتعويض عن الانخفاض

نشر في 30-08-2016
آخر تحديث 30-08-2016 | 00:13
المكسيك اشترت بوليصة تأمين في نهاية العام الماضي للتحوط من هبوط أسعار النفط في 2016 دون مستوى 49 دولاراً للبرميل.
يرى المراقبون أن دول الخليج قد تتحمل رخص أسعار النفط فترة قصيرة، لكن عليها القيام بتغييرات كبيرة لمواجهة تحديات المستقبل. وعلى الرغم من مظاهر الترف، التي لا تزال سائدة في دول الخليج، فإن الشخص لا يحتاج لأن يبحث كثيراً حتى يرى مدى معاناة هذه الدول من انخفاض أسعار النفط، الذي يتأرجح في فلك الـ40 دولاراً للبرميل، حيث أبطأ ذلك النمو، وزاد معدل البطالة، ووصل الأثر إلى درجة أن بعض صانعي القرار بدأ يتلفظ بما كان يعد محرماً سابقاً، ألا وهي "الضرائب" و"تقليل الدعوم".

وقد قدّر صندوق النقد الدولي الخسارة الناتجة عن هبوط أسعار النفط لدول تصدير النفط العربية بمبلغ 340 مليار دولار.

لكن لماذا لم تتخذ دول الخليج خطوات المكسيك، التي تحوطت من احتمال هبوط أسعار النفط عام 2017، حيث بادرت في شهري يونيو ويوليو الماضيين بالتأمين ضد هذه المخاطر؟

وعادة ما تقوم المكسيك بالتأمين ضد مخاطر انخفاض النفط ما بين أغسطس وسبتمبر كل عام، لكنها قررت هذه المرة شراء بوليصة التأمين في وقت أبكر من المعتاد.

واشترت المكسيك بوليصة تأمين في نهاية العام الماضي للتحوط من هبوط أسعار النفط في 2016 دون مستوى 49 دولاراً للبرميل، وإلى الآن بلغ متوسط سعر برميل النفط المكسيكي ماركة "مايا" و"أولميكا" 32.4 دولاراً.

ويشير ذلك إلى أن هذا البلد اللاتيني سيحصل للعام الثاني على التوالي على تعويضات مالية بسبب هبوط أسعار النفط، ورجح خبراء اقتصاديون، أن تجني المكسيك نحو 3 مليارات دولار كتعويض عن هبوط أسعار النفط.

وكانت المكسيك، التي اعتادت التأمين ضد مخاطر هبوط النفط منذ عام 1990، قد حصلت، في نهاية 2015، على 6.3 مليارات دولار نتيجة هبوط أسعار النفط عام 2015 دون المستوى المؤمن عليه.

وتعد المكسيك أحد منتجي النفط الرئيسيين في العالم، مع إنتاج يبلغ حالياً نحو 2.2 مليون برميل يومياً، مقابل 3.38 ملايين برميل قبل عشر سنوات، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سنرى دول الخليج الغنية بالنفط تأخذ خطوة المكسيك مستقبلاً؟

الشركات مجبرة

يقول المستشار في الصناعة النفطية وليد الحشاش بهذا الشأن، إن دول الخليج لا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة، لافتاً إلى أن الشركات هي التي تتجه إلى هذا الأمر، وتكون مجبرة على ذلك كجزء من توفير شروط القروض لتمويل عمليات الإنتاج وخلافه، حتى تضمن البنوك أن الشركة محصنة ضد الأسعار "hedging"، فالبنك يهمه أن يسترجع أمواله (وليس أي فرصة ضائعة على الشركة المنتجة فيما إذا زاد سعر النفط على ما اتفق عليه بالبوليصة).

وأوضح أن الدول نادراً ما تلجأ إلى هذه الطريقة، باستثناء الدول "المتعثرة مالياً"... مضيفاً أن شركات الطيران أغلبها تتحوط بشراء وقودها على الأقل٥٠ في المئة قبلها بسنة، بالإضافة إلى شركات "الشيل أويل" تقريبا كلها تتحوط، وهناك شركات تحوطت ببيع النفط حتى مارس ٢٠١٦ على أسعار٨٢ دولاراً، لكن هذا البيع تم قبل ثلاث سنوات.

وأكد الحشاش أن البيع بهذا الأسلوب ممنوع في الكويت، حيث يدخل تحت "options"، وهناك مؤسسات قبل سنوات خسرت نحو 200 مليون دولار لأنها عملية معقدة.

دعم التسويق

من جانبه، قال الخبير النفطي محمد الشطي، إن التحوط آلية تلجأ إليها الشركات النفطية العالمية والمستقلة والشركات التجارية لاستخدامها في دعم عملياتها التسويقية، سواء بالنسبة للمنتجات البترولية أو النفط الخام وخصوصاً في تذبذب وتقلب الأسعار، كما هو الوضع حالياً، ومنذ عام ٢٠١٤.

وأشار الشطي إلى أن التحوط شكل تأميناً لشركات إنتاج النفط الأميركية وأطال في عمرها وبقائها، وخفف من حدة تأثير تهاوي أسعار النفط على نشاط تلك الشركات، ووضعها المالي، وهي من العوامل، التي سمحت لها بالاستمرار رغم ضعف الأسعار هذا بالإضافة إلى جانب التكنولوجيا، التي يسرت خفض التكاليف وتحسين الإنتاجية ورفع الإنتاج.

ورأى أن التحوط أمر محمود ويمكن استخدامه ويصلح ويضمن أرباحاً عند ارتفاع أسعار النفط، ومثال على ذلك عندما كان سعر النفط الكويتي 19 دولاراً للبرميل في ١٩ يناير ٢٠١٦، وعندما يتم التحوط على أساس أسعار أعلى، "ولنقل ٣٥ دولاراً للبرميل"، فإنه يضمن أرباحاً بالفروقات بين السعرين، لكنه يحدد الأرباح خصوصاً إذا ما ارتفعت عن مستوى ٣٥ دولاراً للبرميل ووصلت ٤٠ دولاراً للبرميل، كذلك هناك مخاطر الخسارة، وقد وقعت فيه شركات كثيرة.

وأشار إلى أن هناك ضوابط تنظم عمليات التحوط، والأمر يحتاج إلى دراسة مفصلة وكوادر فنية عالية ومهارات كبيرة يجب تأهليها وخبرات للاستفادة من الشركات الأخرى، مبيناً أن هذه العمليات تستحق الدراسة المتأنية، خصوصاً عندما يكون الحديث عن دول تعتمد بشكل رئيسي على النفط أو الغاز كمورد أساسي للاقتصاد المحلي، وتأتي الإيرادات من مبيعات النفط وتتأثر بتذبذب أسعار النفط.

وقال الشطي، إنه بالنظر إلى ارتفاع وتيرة التنافس بين المنتجين على الأسواق، وزيادة التنافس بين أنواع الطاقة، والاتجاه العام نحو طاقة نظيفة، واستمرار السوق على أساس أنها سوق للمشتري، مع تنافس المنتجين وتسابقهم من أجل الدخول في شراكات استراتيجية، وبناء مخزون استراتيجي، وبناء مجمعات للتكرير والبتروكيماويات يحتم اللجوء إلى آليات تضمن تأمين الإيرادات من التقلبات واستقرارها، ومنها طبعاً تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى التحوط لدعم عمليات التسويق.

الخسائر الناتجة عن هبوط أسعار النفط للدول العربية تبلغ 340 مليار دولار ...«النقد الدولي»
back to top