ما قل ودل: ثلاثة مثلثات في مصر

نشر في 28-08-2016
آخر تحديث 28-08-2016 | 00:05
كان زويل في زاوية مثلثه الأولى يأمل أن تُكتَشف آفاق جديدة ونجاحات كبيرة في صراع الإنسانية ضد الأمراض، وفي الثانية يرجو تبسيط العلوم وجعلها محببة لعامة الناس، أما الثالثة فرأى فيها أن تتبوأ مصر مكانتها التي تؤهلها لها حضارتها.
 المستشار شفيق إمام

مثلت نوبل

كان أحد أضلاع مثلث نوبل جائزة من جوائزه تمنح لمن يقوم بعمل من شأنه توطيد علاقات التآخي بين الأمم وتعزيز السلام، ذلك أن ألفريد نوبل، عالم الديناميت الذي رصد الجزء الأكبر من ثروته التي حققها من براءات اختراعه في الديناميت، وهو اختراع سخر الطبيعة لخدمة البشرية والإنسانية، في التواصل والانتقال بين أجزاء المعمورة، وليس لكي يكون سلاحا في الحروب بين الأمم والشعوب، فأراد نوبل أن تكون هذه الجائزة أحد روافد السلام.

وتمنح هذه الجائزة– طبقا لوصية نوبل- من لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء يختارهم البرلمان النرويجي، كل فصل تشريعي.

وقد حصل عليها الرئيس الراحل أنور السادات مناصفة مع مناحيم بيغين رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي وقتئذ في عام 1978 بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والتي أنهت حروبا دامت ثلاثين عاما.

وحصل نجيب محفوظ على الضلع الثاني من أضلاع مثلث نوبل في عام 1987، عندما فاز بجائزة نوبل عن الأعمال الأدبية الرائعة ذات النزعة المثالية، عن رائعته الأدبية "أولاد حارتنا" ولهذه الرائعة قصة، وهي أن لجنة النشر في الأزهر كانت قد اعترضت على نشرها في خمسينيات القرن العشرين، على أساس أن فيها مساساً بالأنبياء.

وكان في صدارة الأهداف التي خصص ألفريد نوبل ريع ثروته لمنح الجوائز لتحقيقها، أن تمنح جائزة سنويا لمن يتوصل إلى أعظم اكتشاف أو اختراع في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، والتي كانت من نصيب العالم المصري الكبير أحمد زويل.

وبهذا استكمل زويل لمصر باقي أضلاع مثلث نوبل، بمقياسه الزمني الجديد الفمتو ثانية، الذي تحدى به الزمن.

مثلث زويل

أما مثلث رؤية زويل كما تحدث عنها في رحلته عبر الزمن، فقد كانت زاويته الأولى مجالاته البحثية التي فتحت بابا جديدا في العلوم البيولوجية والطبية، والتي كان يأمل أن تكتشف آفاق جديدة ونجاحات كبيرة في صراع الإنسانية ضد الأمراض، وكانت الزاوية الثانية لديه هي تبسيط العلوم وجعلها محببة لعامة الناس، أما الضلع الثالث من أضلاع مثلثه فتناولته على هذه الصفحة الأحد قبل الماضي، تحت عنوان "العلم لأجل الذين لا يملكون"، والذي رأى معه زويل أن تتبوأ مصر مكانتها التي تؤهلها لها حضارتها، وهي بلده الذي أحبه من خلال حلمه الكبير بإنشاء مدينة للعلم والتكنولوجيا- على أرضها ليسهم في رعاية العلم وتشجيعه في العالم النامي– ليحقق مشاركة حقيقية وفعالة بين العالم المتقدم والعالم النامي في المجال العلمي.

وكنت قد اعتبرت ذلك ردا كافيا على من يسألون: ماذا فعل لمصر؟ لكن هذا الضلع الثالث من أضلاع مثلثه فتح عليه النيران.

مثلث التخلف

وأحد أضلاعه البيروقراطية الإدارية في مصر التي تعوق التقدم وتقف عقبة كأداء أمام تحقيق أملها في أن تنهض من كبوتها، والبيروقراطية تترعرع الآن في مصر في فساد سرى واستشرى حتى أزكم الأنوف، والضلع الثاني من أضلاع هذا المثلث هم أصحاب المصالح الذين أنشؤوا الجامعات الخاصة على أرض اشتروها من الدولة بأثمان رمزية ليحققوا من خلالها أرباحا بالملايين، ليصبح العلم لأجل الذين يملكون وحدهم، أما الضلع الثالث فهم أعداء النجاح، الذين قال زويل عنهم "إنهم في الغرب يساعدون الفاشل على النجاح، وفي بلادنا نضع العقبات أمام الناجح لكي يفشل".

ووجد العالم الراحل نفسه يتلقى الطعنات من الأضلاع الثلاثة لمثلث التخلف، من خلال ميديا الإعلام التي يمتلك أغلبها رجال الأعمال، وفي ساحات المحاكم لخطأ وقعت فيه الإدارة البيروقراطية في مصر، في الأرض التي خصصتها لمدينة زويل، والتي كانت قد خصصتها من قبل لجامعة أخرى، والتي أقامت دعوى أمام المحاكم، وقفت خلفها ميديا الإعلام ورجال الأعمال بكل ثقلهم لتحطيم حلم زويل الكبير، والذي كاد أن يتبدد بعد صدور حكم القضاء، بإعادة الأرض ومبانيها إلى الجامعة التي سلبت منها، والتي كانت تضم مئتي طالب فقط، فوجه إلى د. زويل اتهام في ساحات المحاكم بتشريدهم وضياع مستقبلهم، فتحمل أمام الرأي العام تبعة خطأ لم يقترفه وفعل لم يرتكبه، وضاعت من عمر جامعة زويل هذه السنوات الطويلة منذ وضع حجر الأساس لها في يناير 2000.

ولكن زويل كان رغم العنت والإرهاق والمرض مصراً على مواصلة الطريق الذي بدأه ليحطم الحواجز التي وضعت في طريقه من مثلث التخلف في مصر، وهو المثلث الذي لم يرحمه حتى بعد وفاته، فراح يدبج في خياله الخصب المريض قصة زويل والتطبيع مع إسرائيل، سأرويها فيما قرأته منذ أيام على صفحات الأهرام.

زويل وجائزة «وولف»

راح مثلث التخلف يبحث عن وسيلة لتحطيم الصورة الجميلة للعالم المصري أحمد زويل في وجدان الشعب المصري وضميره، فلم يجد ما يتهم به هذا العالم سوى التخوين والتطبيع مع إسرائيل في زيارته لها عام 1993 لاستلام أكبر جائزة علمية تمنح وفقا لقوانينها في الكنيست الإسرائيلي، وهي إحدى الجوائز العالمية لتوظيف العلم والفن في خدمة الإنسانية، وقد حصل عليها قبل زويل مئة وأربعون عالماً من كل أنحاء العالم، منهم ثلاثة عشر في الكيمياء والفيزياء والطب، حصلوا بعدها على جائزة نوبل، والجميع ترشحهم لها الهيئات العلمية، ولو رفض زويل قبول هذه الجائزة لحجبت عنه جائزة نوبل.

دعوة للتطبيع مع إسرائيل

وللأسف فقد وقع في فخ هذه الفرية أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأسبق بصحيفة الأهرام د. أسامة الغزالي حرب في عموده بصحيفة الأهرام تحت عنوان "عن زويل والتطبيع" عندما نشر رسالة وصلته من د. يحيى نور الدين طراف، يستنكر فيها قبول المجتمع المدني المصري من زويل تعاونه الوثيق مع إسرائيل أو تغاضيه عنه، في الوقت الذي يرفض فيه أن يحذو حذو زويل أي مواطن مصري آخر، فيسلط على رقبته، لو أتى أدنى من معشار معشار ما أتاه زويل، سيف تهمة التطبيع كالنائب توفيق عكاشة الذي استضاف السفير الإسرائيلي في بيته لا أكثر، فكان جزاؤه الطرد من البرلمان، ومن قبله قوطع الكاتب علي سالم لقيامه بزيارة إسرائيل، حتى مات بهمه وحسرته. وهو ما كان يجب على كاتب الرسالة، وعلى من نشرها، أن يفسر لنا كيف حذا توفيق عكاشة وعلي سالم حذو العالم الجليل، فأصابهما ما أصابهما؟! لأننا لم نفهم شيئا من المقارنة الظالمة بين زويل وبينهما.

ولكن صاحب الرسالة ويا عجبي، لم يكن يهدف من رسالته الهجوم على زويل، فهو كما صرح في استهلاله لها أنه لا يستنكر ذهاب زويل إلى إسرائيل، ولكنه يستنكر موقف المجتمع المدني من الكيل بمكيالين، إلا أن يكون لهذا المجتمع من قلبين في جوفه.

ليروج لرسالة أخرى أهم وأسمى في رأيه! هي أن العلاقات مع إسرائيل– يجب أن تمضي قدما- لأنها من أجل مصلحة مصر العليا... وأنه إذا كانت مواجهة إسرائيل في الحرب هي الجهاد الأصغر، فإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل هي الجهاد الأكبر، وهي الدولة التي سماها كاتب الرسالة "دولة إقليمية كبرى".

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

البيروقراطية تترعرع الآن في مصر في فساد سرى واستشرى حتى أزكم الأنوف
back to top