الكويت لا تزال عند المربع الأول!

نشر في 27-08-2016
آخر تحديث 27-08-2016 | 00:06
 محمد صالح السبتي لم يحتدم الصراع السياسي في الكويت إلا مع بداية وجود الثروة النفطية في أربعينيات القرن الماضي، وإن كان هناك صراع سياسي قبلها فإن بدايته كانت مع اكتشاف النفط وتصديره في الأربعينيات، والصراع في أساسه كان على كيفية وحسن إدارة هذه الثروة الطارئة الكبيرة، وبقي الصراع في أساسه وحقيقته ولبه إلى يومنا هذا!!

وعندما بدأت الكويت بإنتاج النفط واكتشافه وقع صراع بين أقطاب النفوذ على كيفية الاستفادة من هذه الثروة الكبيرة والطارئة، وكل قطب سواء كان مركز قوى حكومية أو تجارية يريد «زيادة كيله» من هذا الخير العميم، كما بدأ صراع آخر مع قوى وطنية تريد أن تضع منهاجاً لحسن الاستفادة من هذه الثروة لمصلحة البلاد، وفي حين كان يظن الفريق الأول أن الثروة من حقه وله دون الوطن أشارت كثير من المصادر التاريخية والمراسلات البريطانية إلى أن الشيخ عبدالله السالم فكر أكثر من مرة في التنحي عن الحكم لاحتدام الصراع حوله على الثروة الطارئة!

وتشير المراسلات البريطانية- حيث كانت الكويت وقتها تحت الوصاية البريطانية- إلى أن بريطانيا كانت قلقة من حسن إدارة استخدام هذه الثروة والعوائد النفطية، بما يحقق النماء في البلاد، وبما لا يؤثر في منطقة الجنيه الإسترليني حسب رأيهم، ولذا كانت هناك كثير من المراسلات والمشاورات مع الشيخ أحمد الجابر والشيخ عبدالله السالم على ضرورة تعيين مستشارين بريطانيين للحكم في الكويت، لضمان حسن استخدام هذه الأموال لمصلحة البلاد وضمان عدم العبث بها.

ومنذ قدوم هذه الثروة على البلاد ظلت الكويت في المربع ذاته والنقاش ذاته والصراع ذاته، أي حسن استخدام الثروة وضمان عدم اللعب بها وكيف يكون!!

الشيخ عبدالله السالم الذي بدأ تصدير النفط جدياً وبصورة منتظمة في عهده عام 1950، وبدأ العمل نحو حياة دستورية بعد قرابة 11 سنة من حكمه، أي في سنة 1961، ثم توفي بعد 4 سنوات فقط في عام 1965، أقر الدستور والعمل به وبدأت مؤسسات الدولة بالعمل، وظللنا في المربع الأول: كيف نضمن حسن استخدام الثروة؟ ثم مررنا بعدة مراحل كان منها محاولة الانقلاب على الحياة الدستورية بعدة أشكال وتهديدات عراقية، ثم دخلنا مرحلة الحرب العراقية الإيرانية مروراً بأزمة المناخ، ثم الغزو العراقي، ثم التحرير، ثم قرابة 26 سنة بعد تحرير البلاد، إلى هذا الزلزال الذي ضرب العالم العربي بسقوط دول وقيام أخرى، وهذه الحروب الأهلية الطاحنة التي تدور في بعض البلاد العربية، والتهديدات التي أصبحت قريبة من باقي الأنظمة، ونحن ما زلنا في المربع الأول ذاته: كيف تدار ثروة الكويت؟ وما الضمان لحسن استخدامها؟! المربع ذاته والنقاشات ذاتها والسوء أيضاً ذاته، لكن الأساليب فقط تغيرت، ففي الستينيات وبعدها كانت أراضي الدولة تسرق بما نسميه إثبات الملكية بوضع اليد، أما اليوم فتسرق بالعطايا والمناقصات وبـ«القانون»، وقس على ذلك كل أساليب سوء استخدام الثروة!!

ولو قدر لأحدنا أن يراجع عناوين الصحف منذ السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لوجدها العناوين ذاتها لصحفنا اليوم، والنقاشات والمشاكل ذاتها!!

ولعل مثل هذه المشكلة واضحة في ذهن البعض، لكن المشكلة الأهم أننا لا نملك طرحاً سياسياً يحاول مجرد محاولة معالجة هذا الخلل، فنحن أمام مشكلة أن نظامنا الدستوري القانوني الديمقراطي الذي عملنا به طوال 60 سنة لا يضمن لنا إلزام الحكومة بحسن استخدام الثروة، وكل ما يوجد في هذا النظام الدستوري لا يضمن النتيجة المرجوة، وهذه هي العقدة، وعلى النخب السياسية مواجهة هذا الواقع لا الهروب منه بترديد نقد الحكومة وتكرار توجيهه لها، إذ إنها تفعل هذا الشيء من الستينيات ولم يتغير شيء، أعجزت كل كتلنا السياسية أن تواجه هذه الحقيقة نحو تغيير نظامنا الديمقراطي، بما يضمن حسن استخدام الثروة، أو حتى التفكير في هذا الطريق؟!

تأتي حكومة وتذهب، ويأتي رئيس لها ويذهب، ويأتي برلمان ويذهب، تتغير الوجوه وما زلنا نراهن على برلمان قادم أو كتل معارضة أو رئيس حكومة جديد، وكلها مراهنات ستبوء بالفشل كما باءت التي قبلها منذ 60 سنة، نظامنا الدستوري الديمقراطي لا يضمن حسن استخدام الثروة وهذه هي المشكلة!!

ما زلنا في المربع الأول الذي ابتدأت منه حياتنا الدستورية، فعلينا نحن التفكير خارج الصندوق، نحن فعلاً لا نحاول الخروج منه وما زلنا مقيدين بأساليب نقد الأداء الحكومي والضحك عليها والبكاء من آلامها دون أن نحاول الخروج من الصندوق.

back to top