مواصفات المعلّم الناجح

نشر في 24-08-2016
آخر تحديث 24-08-2016 | 00:03
No Image Caption
قد لا تصبح يوماً مضحكاً أو ودوداً أو مبدعاً بقدر معلّمك المفضّل. لكن يكمن السر في محاولة اكتساب هذه الصفات...
منذ سنة تقريباً، كتبتُ مقالة بعنوان «الخصائص الأربع للمعلّمين الناجحين» واعتبرتُ «الشخصية» واحدة من تلك الصفات الأساسية. صحيح أن كل شخص يختلف عن الآخر ولا يمكن السيطرة على الشخصية بالضرورة، لكني كنت أحاول تحديد أبرز الخصائص التي تقاسمها أفضل المعلّمين الذين قابلتُهم، من الحضانة حتى سنوات التخرج.

حين أقول “أفضل المعلّمين”، لا أعني الأشخاص الذين كنت أفضّلهم فحسب، بل أعني جميع المعلّمين الذين أثروا بي وما زلت أتذكّر أسماءهم حتى اليوم، رغم مرور أكثر من 40 سنة على جلوسي في حصصهم. حاولتُ مضاهاة هؤلاء الأشخاص في أسلوبي التعليمي.

ما الذي جعلهم معلّمين ناجحين؟ لا أستطيع تقديم أجوبة قاطعة على هذا السؤال، لكني أعرف أن الشخصية كانت عاملاً أساسياً لديهم جميعاً. ربما نستطيع قياس مستوى فاعليتهم في الصف، بدرجة معينة، لكن كيف يمكن تقييم نوعية أدائهم؟ يبدو أننا نحاول تحقيق ذلك منذ سنوات، عبر مقاييس تقييمية متنوعة، لكننا لم ننجح. تعاملتُ مع معلّمين فاشلين استطاعوا التلاعب بتلك المقاييس، لكني قابلتُ أيضاً بعض المعلّمين الناجحين مع أن تميّزهم لم يتضح فوراً على الورق.

في مطلق الأحوال، ترتكز الملاحظات أدناه على تجاربي الخاصة كطالب وأستاذ ومسؤول إداري في الصفوف المتوسطة، وقد قابلتُ معلّمين ناجحين (وبعض المعلّمين الفاشلين) وهم يزاولون مهنتهم. حتى لو كانت هذه اللائحة ذاتية نسبياً (وغير كاملة)، أتمنى ألا تبدو غير مألوفة...

يكون أفضل المعلّمين طيّبين وودودين بطبيعتهم على عكس الشخصيات الفظة والبغيضة. لكن يمكن أن تكون الشخصيات المزاجية والانفعالية والكريهة ناجحة في مجال التعليم أحياناً، حتى لو كان هذا النوع من المعلّمين يُحضّرنا بكل بساطة كي نصبح أرباب عمل مزاجيين وانفعاليين وكريهين! تعاملتُ شخصياً مع بعض المعلّمين المزاجيين، وتحديداً في أيام الجامعة، وقد شكّل اضطراري للتأقلم معهم تجربة قيّمة يجب أن يمرّ بها الجميع. لكن في المقابل كان يسهل التعامل مع معظم المعلّمين الناجحين، طالما أحافظ على تركيزي في الصف وأقوم بواجباتي.

لست صديقك!

يكون أفضل المعلّمين محترفين لكن غير متحفظين. يميل معظم الأكاديميين إلى البقاء على مسافة من الطلاب وكأنهم يريدون أن يقولوا لهم: “أنا معلّمك ولست صديقك”! من الواضح أن الاحتراف يتطلب رسم الحدود بدرجة معينة، وقد لا تكون هذه المهمة سهلة بأي شكل، لا سيما عند التعامل مع طلاب أكبر سناً لأن فارق السن لا يكون كبيراً جداً، وكان يمكن أن يصبح الطلاب والأساتذة أصدقاء في ظروف مختلفة. كان أفضل المعلّمين ينجحون دوماً في التوفيق بين فرض سلطتهم وإبداء هامش من التفهّم. حتى أنني لم أكن أفهم حقيقة ما يفعلونه أو صعوبة عملهم إلى أن اختبرتُ التجربة نفسها بعد سنوات.

كان أفضل المعلّمين يتمتعون أيضاً بحس الفكاهة. قد يكونون مستعدين للارتجال أو يلتزمون بجدولهم، لكنهم لا يتعاملون مع نفسهم أو مع موادهم بجدية مفرطة. لا شيء أسوأ من أعضاء هيئة التدريس الذين يظنون أنهم أذكى من الآخرين أو المعلّمين الذين يظنون أن المادة التي يدرّسونها أهم من جميع المواد الأخرى ويتوقعون من الطلاب أن يشعروا بالطريقة نفسها ويستخفوا بالصفوف الأخرى. يفهم أفضل المعلّمين أن حصتهم جزء من حصص مهمة كثيرة ويتمتعون أيضاً بالذكاء والتواضع ويطلقون الدعابات على نفسهم، حتى أنهم يستخفون أحياناً بموادهم. من المدهش كم تستطيع الفكاهة أحياناً أن تساعد الطلاب على استيعاب الدروس أكثر من الجدية.

يبدو أن المعلّمين الناجحين يستمتعون بما يفعلونه. لكن لا يحب بعض أعضاء هيئة التدريس الطلاب. إنهم الأكاديميون الذين يتذمرون دوماً من أعباء العمل ومن وقاحة الطلاب أو عدم استعدادهم للدرس. لطالما تساءلتُ: لماذا يختار هؤلاء الأشخاص هذه المهنة أصلاً؟ ما الذي كانوا يتوقعونه؟ كان المعلمون الذين اعتبرتُهم الأفضل يحبون التعليم بكل وضوح ويجيدون التواصل مع الطلاب كل يوم. في النهاية، لا أحد يريد أن يكون مصدر إزعاج لغيره، لكن هذا ما يشعر به الطلاب تجاه بعض المعلّمين.

على صعيد آخر، يكون المعلّمون الناجحون متطلبين لكنهم يحافظون على أسلوب لطيف. يفتخر بعض الأكاديميين بكره الطلاب لهم ويعتبرون قلة شعبيّتهم وسام شرف. هم يفترضون تلقائياً أن السبب يتعلق بصرامتهم وجدّيتهم على اعتبار أن الطلاب الكسالى يكرهون الجدية وينقلون كرههم إلى الأشخاص الذين يطالبون بها. لكن وفق تجربتي الخاصة يريد معظم الطلاب أن يواجهوا التحديات، فلا يمانعون أن يتوقع منهم المعلّمون إنجازات كبرى. لكنهم لا يريدون أن يكون المعلمون بغيضين أو أن يدّعوا معرفة كل شيء. كان أفضل أساتذتي متطلّبين لكن غير كريهين.

راحة وإبداع

يبدو أنجح المعلّمين مرتاحين مع أنفسهم. ربما يحب الطلاب هذه الميزة لأن المعلمين في هذه الحالة يحبون أنفسهم من دون أن يرغبوا دوماً في سماع صوتهم. ترتبط هذه الميزة بتجنب الجدية المفرطة لكنها لا تقتصر على ذلك. يتعلق السبب الأصلي للتعليم الفاشل بغياب الثقة بالنفس، ما يدفع المعلمين إلى المبالغة في التعويض عن نقصهم وفرض مطالب مفرطة والبقاء على مسافة من الطلاب أو التصرف بفوقية معهم. غالباً ما يحاول الأساتذة المتعجرفون والنرجسيون التستر على ما يعتبرونه نواقص عميقة في شخصياتهم وقدراتهم. أما أفضل المعلمين، فيثقون بأنفسهم من دون أن يتبنوا سلوكاً متغطرساً ومتسلطاً.

يكون أفضل المعلمين مبدعين جداً ويبدون استعدادهم الدائم لطرح أفكار جديدة أو خوض تجارب مختلفة وقد يفعلون ذلك أحياناً من دون تحضير مسبق. أصبحت كلمة “إبداع” شائعة اليوم لكن يبدو أن هذا المصطلح ينطبق بشكل شبه حصري على استعمال التكنولوجيا. مع ذلك، كان أفضل أساتذتي مبدعين فعلاً لأنهم كانوا يخترعون أساليب مبتكرة، بطريقة ارتجالية أحياناً، لمساعدتنا على فهم الدروس واستيعابها وحفظها. لم يصبح هؤلاء المعلمون مبدعين بفضل أدوات أو تقنيات معينة بل بفضل عقولهم.

يجيد هؤلاء المعلّمون أيضاً تسهيل مسار التعليم. لكننا نعلم جميعاً أنه ليس سهلاً بأي شكل. في النهاية، يشبه المعلّمون الناجحون أعظم الرياضيين والراقصين والموسيقيين. قد ندرك أن مهمّتهم ليست سهلة، لكنهم يطبقونها بسلاسة تامة، فنظن أنها بسيطة جداً إلى أن نخوض التجربة بنفسنا. سرعان ما ندرك مدى صعوبة أن نمارس رياضة معينة أو نعزف على آلة (أو نعلّم هذه المهارات) بأفضل أداء ممكن. لم أفهم حقيقة الوضع إلى أن بدأتُ أعلّم بنفسي واكتشفتُ مدى سهولة ارتكاب الأخطاء في الصف.

تتعلق معظم النقاط التي ذكرتُها بجوانب الشخصية. لا يمكن أن نسيطر على الصفات التي نتمتع بها طبيعياً أو نحدد درجة سيطرتنا عليها. لكن لا يمكن أن ننكر أنّ بعض الناس يبرعون في التعليم بطبيعتهم لأنهم يتمتعون بمستوى مرتفع من تلك الصفات الفاعلة.

لكن حتى لو لم نكن “معلّمين بالفطرة”، يمكننا أن نعمل على اكتساب صفات أفضل المعلّمين. قد لا نصبح يوماً مضحكين أو ودودين أو مبدعين بقدر المعلمين المفضلين لدينا، لكن حين ندرك أهمية تلك الخصائص ونعترف بأننا لا نتمتع بها بالدرجة التي نريدها ونلتزم بتطوير ذاتنا في هذه المجالات، يمكن أن نزيد مستوى الود والإبداع وحتى الفكاهة. ستكون رحلة تحسين الذات كفيلة بإحداث فرق حقيقي.

راحة وإبداع

يبدو أنجح المعلّمين مرتاحين مع أنفسهم. ربما يحب الطلاب هذه الميزة لأن المعلمين في هذه الحالة يحبون أنفسهم من دون أن يرغبوا دوماً في سماع صوتهم. ترتبط هذه الميزة بتجنب الجدية المفرطة لكنها لا تقتصر على ذلك. يتعلق السبب الأصلي للتعليم الفاشل بغياب الثقة بالنفس، ما يدفع المعلمين إلى المبالغة في التعويض عن نقصهم وفرض مطالب مفرطة والبقاء على مسافة من الطلاب أو التصرف بفوقية معهم. غالباً ما يحاول الأساتذة المتعجرفون والنرجسيون التستر على ما يعتبرونه نواقص عميقة في شخصياتهم وقدراتهم. أما أفضل المعلمين، فيثقون بأنفسهم من دون أن يتبنوا سلوكاً متغطرساً ومتسلطاً.

يكون أفضل المعلمين مبدعين جداً ويبدون استعدادهم الدائم لطرح أفكار جديدة أو خوض تجارب مختلفة وقد يفعلون ذلك أحياناً من دون تحضير مسبق. أصبحت كلمة “إبداع” شائعة اليوم لكن يبدو أن هذا المصطلح ينطبق بشكل شبه حصري على استعمال التكنولوجيا. مع ذلك، كان أفضل أساتذتي مبدعين فعلاً لأنهم كانوا يخترعون أساليب مبتكرة، بطريقة ارتجالية أحياناً، لمساعدتنا على فهم الدروس واستيعابها وحفظها. لم يصبح هؤلاء المعلمون مبدعين بفضل أدوات أو تقنيات معينة بل بفضل عقولهم.

يجيد هؤلاء المعلّمون أيضاً تسهيل مسار التعليم. لكننا نعلم جميعاً أنه ليس سهلاً بأي شكل. في النهاية، يشبه المعلّمون الناجحون أعظم الرياضيين والراقصين والموسيقيين. قد ندرك أن مهمّتهم ليست سهلة، لكنهم يطبقونها بسلاسة تامة، فنظن أنها بسيطة جداً إلى أن نخوض التجربة بنفسنا. سرعان ما ندرك مدى صعوبة أن نمارس رياضة معينة أو نعزف على آلة (أو نعلّم هذه المهارات) بأفضل أداء ممكن. لم أفهم حقيقة الوضع إلى أن بدأتُ أعلّم بنفسي واكتشفتُ مدى سهولة ارتكاب الأخطاء في الصف.

تتعلق معظم النقاط التي ذكرتُها بجوانب الشخصية. لا يمكن أن نسيطر على الصفات التي نتمتع بها طبيعياً أو نحدد درجة سيطرتنا عليها. لكن لا يمكن أن ننكر أنّ بعض الناس يبرعون في التعليم بطبيعتهم لأنهم يتمتعون بمستوى مرتفع من تلك الصفات الفاعلة.

لكن حتى لو لم نكن “معلّمين بالفطرة”، يمكننا أن نعمل على اكتساب صفات أفضل المعلّمين. قد لا نصبح يوماً مضحكين أو ودودين أو مبدعين بقدر المعلمين المفضلين لدينا، لكن حين ندرك أهمية تلك الخصائص ونعترف بأننا لا نتمتع بها بالدرجة التي نريدها ونلتزم بتطوير ذاتنا في هذه المجالات، يمكن أن نزيد مستوى الود والإبداع وحتى الفكاهة. ستكون رحلة تحسين الذات كفيلة بإحداث فرق حقيقي.

يكون أفضل المعلّمين طيّبين وودودين بطبيعتهم على عكس الشخصيات الفظة والبغيضة
back to top