كيف تخطط الحكومة الجديدة لإنقاذ تونس؟

نشر في 24-08-2016
آخر تحديث 24-08-2016 | 00:02
 المونيتور يستعد البرلمان التونسي للتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة في الأول من سبتمبر، علماً أن هذه المهلة القانونية لتشكيل حكومة وفق الدستور التونسي، كلّف الرئيس الباجي قائد السبسي زعيم الحزب الحاكم "نداء تونس" يوسف الشاهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، بعد أن حجب البرلمان الثقة عن الحكومة السابقة التي ترأسها الحبيب الصيد في 30 يوليو، متهماً إياها بالإخفاق والفشل.

في 13 يوليو نشرت الرئاسة التونسية نص مبادرة دُعيت "وثيقة قرطاج" وشملت مخططاً عن برنامج عمل الحكومة المحتمل.

وبما أن الشاهد اختير ليكون رئيس الوزراء فمن الطبيعي أن يشكّل جزءاً من الأوساط التي تتخذ القرارات في تونس، وقبل تكليفه كان الشاهد رئيس الشؤون المحلية في الحكومة المعزولة، وفي يوم تعيينه أعلن أن الحكومة الجديدة ستعمل "على تحقيق خمس أولويات: الفوز في المعركة ضد الإرهاب، إعلان الحرب على الفساد والفاسدين، تعزيز النمو لزيادة فرص العمل، ضبط الموازنات المالية، والتركيز على البيئة والنظافة".

منذ عام 2011 تحوّلت تونس إلى هدف عدد من العمليات الإرهابية التي نفذتها مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة، مثل كتيبة عقبة بن نافع، وأخرى تؤيد "داعش"، فحصدت هذه الاعتداءات حياة أكثر من 220 جندياً وموظف أمن و98 مدنياً، حسبما أشار مسح أجراه موقع إنكيفادا الإلكتروني المحلي.

لكن ضبط الوضع الأمني يعتمد على تحسين أداء الأجهزة الأمنية، التي حققت أخيراً نجاحات مذهلة، على سبيل المثال لم تشهد تونس أي عمليات إرهابية خلال شهر رمضان الأخير، بخلاف الأعوام الماضية منذ 2012، فقد استهدفت عمليات إرهابية عدة الجيش ورجال الشرطة في أعوام 2013، و2014، و2015، حين تعرض منتجع سياحي في سوسة لاعتداء، وفي شهر مارس عام 2016، هاجم أعوان "داعش" بنقردان بغية تأسيس إمارة إسلامية. يشير الصحافي محمد أبو الطيب: "صحيح أن هذه النجاحات محدودة، إلا أن من الضروري الحفاظ عليها لتعزيز الفريق الدفاعي والأمني الحالي، كذلك يجب أن يحتفظ وزيرا الدفاع والداخلية بمنصبيهما لتوفير الوقت والجهد على البلد، خصوصاً أنهما من التكنوقراط ولا ينتميان إلى أي حزب سياسي، وهكذا نضمن أن وزارتيهما لا تنحازان إلى أي حزب سياسي". يضيف أبو الطيب: "تواجه الحكومة تحدياً آخر: عودة الشبان التونسيين الذين يقاتلون مع المجموعات المجاهدة في سورية وليبيا، وخصوصاً بعد الهزائم التي تلحق بـ"داعش" على أرض المعركة، أضف إلى ذلك تحدي محاربة المجموعات المجاهدة في الجبال الغربية على طول الحدود الجزائرية".

يشكّل التونسيون الجزء الأكبر من صفوف "داعش" في سورية، وليبيا، والعراق، فتشير معظم التقديرات إلى أن عدد المقاتلين التونسيين في سورية والعراق يتخطى الثلاثة آلاف، وفي ليبيا غالبية أعضاء "داعش" تونسيون، ويبلغ عددهم نحو 500 مقاتل. بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والحرب على الإرهاب، ستواجه حكومة الشاهد مشكلة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، والذي بات في تونس أكثر سوءاً مما كان عليه قبل سقوط نظام بن علي عام 2011، ففي مؤشر مدركات الفساد الذي تنشره سنوياً منظمة الشفافية الدولية احتلت تونس المرتبة التاسعة والخمسين في عام 2010، الذي كان الأخير في عهد بن علي، ولكن في عام 2015 تراجعت إلى المرتبة السادسة والسبعين، فشكّل هذا التراجع نداء تحذير إلى مجموعات المجتمع المدني المحلية، التي أطلقت المبادرات للحد من الفساد. ورغم ذلك أظهر استطلاع للرأي أُجري في شهر مايو عام 2016 أن 62% من التونسيين يعتقدون أن الحكومة لا تبذل جهداً كافياً لمحاربة الفساد. يوضح المحلل السياسي عبد الستار العيدي: "لا شك أن نجاح الحكومة الجديدة في تحقيق الأولويات التي ذكرها الشاهد في خطاب تكليفه يعتمد على اتباع برنامج واضح ودقيق وعلى رغبة الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة تُخرج البلد من أزمته بدل السعي وراء السلطة وخوض صراع غير معلن، لكن الأهم من ذلك كله الفوز بدعم علني وموحد من الاتحاد العمالي العام التونسي، علماً أن هذا الدعم سيكون وقفاً على الرؤية الاقتصادية للحكومة الجديدة.

ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاتحاد العمالي العام التونسي يُعتبر الأكبر في البلد ويستطيع أن يُنجح عمل الحكومة بإعلانه هدنة اجتماعية، موقفاً الإضرابات العمالية ومرجئاً المطالبة بزيادات على الأجور، كما أن الشاهد أعلن في خطابه أن البلد يحتاج إلى قرارات وتضحيات استثنائية، إلا أننا نخشى أن تؤثر هذه التضحيات في الطبقة المحدودة الدخل من خلال خفض الدعم المخصص للمواد الأساسية أو تجميد زيادات الرواتب". في كل مرة تسعى فيها حكومة جديدة لنيل الثقة في البرلمان يتجدد أمل التونسيين الذين يحلمون بتحسّن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية. يعِد رؤساء الحكومة بمحاربة الفساد، وإنقاذ الاقتصاد، وتحسين أوضاع المهمَّشين، لكن هذه الآمال سرعان ما تتبدد، فهل تشذ حكومة الشاهد عن هذه القاعدة؟ أم أن مصيرها سيكون كسابقاتها؟

* أحمد نظيف

back to top