زيدان بين خطابين

نشر في 21-08-2016
آخر تحديث 21-08-2016 | 00:00
 ناصر الظفيري حين يُدعى يوسف زيدان إلى ندوة ما يجهز الرجل الكلمة التي يريد أن يقولها واللكمة التي يريد أن يوجهها. فهو لا يتخيل نفسه بعيداً عن المشاكسة والعودة للواجهة والجهة التي يراها دائما يوسف زيدان وغيره كثير بأنها هدف رخو Soft Target هي الدول الخليجية أو "الحتة الوسطانية" بتعبير الشارع الذي استخدمه الباحث والروائي، وكان يمكنه أن يسميها باسمها، فهي ليست منطقة محرمة على النقد والانتقاد.

والرجل الذي أعلن أنه لن يشارك في أي نشاط ثقافي داخل مصر أو خارجها، وأنه لن يكتب بعد الآن، لم يستطع أن يقاوم "اليورو" والدينار ويلحس وعده، ليعود مرة أخرى إلى هجومه الدائم.

ولأن الموضوع يتعلق بشخصية الرجل التي يتفق الجميع على أنها بحاجة إلى تقويم ذاتي منه، والتأسي بمفكرين أعلى منه شأنا وقدرا، كفؤاد زكريا وعبدالرحمن بدوي وطه حسين وروائيين أكثر جمالا منه، كمحفوظ وبهاء طاهر، وغيرهم كثر لم يكونوا بهذه الخفة والاستهزاء ولا هذه الأخلاق التي لا تليق برجل يطرح نفسه مفكرا. ولأننا لن نسمح له بأن يجرنا إلى ساحته ونهاجم مصر، كما يفعل في تعميمه على الخليج، الذي يتهمه في كل مناسبة كما فعل في عمان أو كما فعل مع الجزائريين. ما سنفعله هو الوقوف معه ومهاجمة الخليج و"الحتة الوسطانية".

يوسف زيدان رجل باحث قدم أعمالا مهمة لا ينكرها أحد، وروائي مهم وناجح، وترجمت روايته "عزازيل" إلى أكثر من لغة أجنبية، حتى وإن أثار البعض شكوكا حولها، ورغم كل هذا يفتقد الرجل حكمة المفكر ووقار العالم ويتحدث على النقيض من كتابته وهو أمر يدعو إلى الدهشة. فالرجل له جمهور كبير في العالم العربي، وهو جمهور لا يتقبل منه هذه الفوقية والتعالي، التي تقلل من شأن علمه وتلوث شخصه، حتى وإن حاول جهده البحثي أو الروائي الدفاع عنه.

وسقطات زيدان مع الجزائر وشعب الجزائر بعد مباراة في كرة قدم ستكرر مرات كثيرة في رياضة البلدين، كان حريا به ألا يدخل نفسه في جدل جماهيرها، وهو جمهور ليس بالضرورة أن يكون جمهوره المتابع له.

زار عمان وخرج بمهاجمة العمانيين بكلام لا يليق بمن هو في مستوى زيدان الباحث والمفكر. وأحدثت زيارته الأخيرة للمغرب ثورة أخرى عليه وردود فعل أيضا كان بإمكانه أن يكون أكثر حزما مع ما سأسميه عفويته في الانفعال وسهولة استثارته. ونحن لا نجد مبررا يجعل الرجل يعمل باحثا بذهن، ومتحدثا بذهن آخر، سوى أنه يعشق هذه الضوضاء التي لا يحتاجها أمثاله.

الطامة الكبرى هي ما توصل إليه وهو يتحدث عن شبه الجزيرة العربية، والتي أسماها استخفافا بالحتة الوسطانية، وعلاقتها في اللغة، وهو ما كان بإمكان رجل يمتلك قدرته البحثية أن يجلس إلى علماء اللغة ويطرح رأيه بأسلوب علمي ويتقبل الرأي المناقض له، وهو ما يمكن الرد عليه بسهولة، رغم أن رجلا مثله يعرفه جيدا. وهنا مشكلة تداخل خطابيه: المكتوب والشفاهي، فهو في الأول ليس هو في الثاني، فالندوات الرسمية والمحاضرات العلمية جزء من نتاج الباحث الفكري. فعالم مثل جاك لاكان، على سبيل المثال، لم يكتب كتابا واحدا في حياته ومؤلفاته في علم النفس هي مجموع محاضراته التي ألقاها وجمعها مريدوه وطلبته.

أما هجومنا والذي سنشاركه فيه هو ردة الفعل التي تحدثت عن منع زيدان من دخول الخليج واستخدام لغة تشابه لغته في التهجم، وهو ما نرفضه ونقبل دعوة الرجل لمناقشته والرد عليه. وأشير هنا إلى مقال الزميلة سعدية مفرح "خزعبلات يوسف زيدان"، وهو أحد ردود الفعل المطلوبة، حتى لا يكون انفلات زيدان أسوة لنا.

back to top