بروز الصين يفكك السياسات الغربية

نشر في 21-08-2016
آخر تحديث 21-08-2016 | 00:06
 الغارديان سواء فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية أو خسر، لا يسعنا أن ننكر أنه طرح أحد أهم الشعارات التي ترسم معالِم عام 2016: "لنجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً".

تُعتبر رؤية ترامب عن دولة أميركية في تراجع حاد ومستمر شاملةً، فعلى الصعيد المحلي يشير إلى تراجع ظروف عيش عدد كبير من الأميركيين واختفاء وظائف التصنيع العالية الأجر، أما في الخارج فيدعي أن العالم يهزأ بالولايات المتحدة ويتحسر هذا المرشح الرئاسي قائلاً: "ما عدنا ننتصر".

يميل كثيرون في أوروبا إلى اعتبار ترامب حالة شاذة "لا تحدث إلا في الولايات المتحدة"، لكن الخوف من التراجع الاقتصادي والجيو-سياسي، الذي يستغله ترامب، بات جلياً في مختلف أنحاء الغرب. يذكّر تحالف ناخبي الطبقة العاملة المستاءة والقوميين المتمسكين بالحنين إلى الماضي، الذي شكّله هذا الجمهوري، بالائتلاف الذي أيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، كذلك يحمل شعار ترامب "لنجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً" أصداء شعار حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي لاقى تأييداً واسعاً: "لنستعِد السيطرة". لكن هذه ليست ظاهرة أنغلو-أميركية فحسب، ففي مختلف دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها فرنسا، وهولندا، وإيطاليا، وبولندا، يزداد الحمائيون والقوميون قوة.

تشير النظرية الاقتصادية التقليدية إلى أن من المفترض أن يعود تنامي الثروات في آسيا بالفائدة على الاقتصادات في الغرب، بما أنه يفتح أمامها أسواقاً ومصادر استثمار جديدة، ولكن تبيّن أن ظروف عيش شرائح محددة من المجتمع في أوروبا والولايات المتحدة، وخصوصاً العمال المصنّعين والأقل تعلّماً، تعرضت لأذى بالغ بسبب المنافسة الآسيوية. يدعو خبراء الاقتصاد هذه الظاهرة "الصدمة الصينية"، علماً أن تأثيراتها بالغة العمق، فبحلول نهاية عام 2008، كانت الولايات المتحدة قد خسرت ثلث وظائفها التصنيعية، بعد أن بلغت ذروة كبيرة، وعانت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من هذه الخسارة خلال العقد الماضي، أما إيطاليا التي تعرضت مراكزها الصناعية لأذى شديد نتيجة المنافسة الآسيوية، ففقدت 25% من قدرتها الصناعية منذ عام 2008، وكشف باحثون من جامعة بوكوني في إيطاليا أن المناطق الأكثر ميلاً لاحتضان الأحزاب السياسية التي تنادي بـ"القومية المرتكزة على الهوية" هي الأكثر تأثراً بالمنافسة الصينية في مختلف أنحاء أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، يدفع تنامي ثقل الصين الاقتصادي الأمم الغربية إلى الإقدام على خيارات استراتيجية وسياسية خطرة، وتشكّل معضلة بريطانيا الحالية بسبب محطة الطاقة النووية المقترحة في منطقة هنكلي بوينت المثال الأبرز على ذلك، فمع اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكتسب الاستثمارات الصينية أهمية أكبر بالنسبة إلى المملكة المتحدة، لكن الصين لا تشكّل اقتصاداً ضخماً فحسب. نتيجة لذلك ستتحوّل المقايضة بين المسائل الأمنية والاقتصادية عند التعامل مع الصين إلى معضلة متكررة على الأرجح بالنسبة إلى المملكة المتحدة، علماً أن هذه المشكلة لا تقتصر على بريطانيا وحدها، فقبل بضعة أشهر واجهت أستراليا حادثة شبيهة بمعضلة هنكلي بوينت حين منعت تكتلاً صينياً من شراء شركة تملك أكثر من 1% من الأراضي الأسترالية. نتيجة لذلك يتفاقم التوتر بين البلدين منذ ذلك الحين.

ستؤدي رئاسة ترامب وكلينتون كلتاهما إلى تنامي التوتر مع الصين، إنما بطرق مختلفة، فتُعتبر هيلاري كلينتون في بكين من الصقور الخطيرين لأنها ستكون أكثر عزماً على الأرجح في التصدي لمطالب الصين البحرية، وبما أن الرئيس شي قومي متعصب، فستزيد رئاسة كلينتون احتمال حدوث صدام في المحيط الهادئ بين الولايات المتحدة والصين.

في المقابل، يبدو ترامب غير عابئ نسبياً بدور الولايات المتحدة الاستراتيجي في المحيط الهادئ، إلا أن ميوله الحمائية الشرسة دفعته إلى اقتراح فرض رسوم عالية جداً على السلع الصينية، لكن سياسة مماثلة قد تُعتبر اعتداء اقتصادياً ضد بكين.

في مطلق الأحوال انتهى العهد الذي بدت فيه العولمة عملية قد تؤدي إلى مصالح مشتركة بين الصين والغرب، وحلّ محله عصر يبدو عموماً أكثر ظلمة وخطورة.

* جديون راشمان | Gideon Rachman

back to top