وسط البحر أفضل مكان لتفاوض العرب!

نشر في 20-08-2016
آخر تحديث 20-08-2016 | 00:06
 محمد صالح السبتي البكتيريا اسم غير محبذ عندنا نحن بني البشر، نشمئز بمجرد سماع الاسم ونعتبره دليلا على المرض أو مسببا له، مع أن البكتيريا عدة أنواع، كثير منها لا يضر بل مفيد للإنسان، ومنها يدخل في صناعة كثير من منتجات الحليب أو الخبز أو غيرها من الأطعمة، كما أن جسم الإنسان يحتاج إلى بعضها، والمضر منها يتعايش معه الإنسان دون أن يحس وفق نظام حياتي تعايشي، كما هي الحال في هذا الكون بنباتاته وحيواناته وجباله وبحره وصخره، هناك نظام ونسق تعايش حتى مع المضر من الأشياء، البشر هم الذين لا يفهمون هذا النظام الكوني في التعايش فيما بينهم فقط، مع أنهم قد يفهمونه في حال البكتيريا مثلا! لكنهم لا يجيدون استخدامه فيما بينهم، ولذا يرفض كل منهم الآخر ولا يتقبله، ولا يستطيع العيش معه، ويريد كل منهم إلغاء كل من خالفه أو ظنه مضرا وأقصاه في حين نتعايش مع البكتيريا ونستفيد منها أيضا!

لو كنت مسؤولا لما عقدت أي مفاضات بين أي من الفرقاء العرب إلا وسط البحر سواء لأولئك المتنازعين في سورية أو العراق أو اليمن أو ليبيا، لو كنت مسؤولا لجمعتهم وأنزلتهم إلى وسط البحر دون ستر نجاة، على أن تقف بعيدا عنهم سفينة، وأمهلهم للتفاوض ليصلوا إلى حل فيما بينهم يضمن لهم التعايش في أوطانهم، وإذا ما اتفقوا أنقذتهم تلك السفينة ليعودوا الى أوطانهم متعايشين، وإلا فإن الموت غرقا هو مصيرهم إن لم يتفقوا، وتكون هذه المفاوضات على مرأى من سيخلفهم من الفرقاء المتنازعين المختلفين، ليرى كل واحد منهم وكل حزب وجماعة مصيره الحتمي إن لم يقبل التعايش مع من يخالفه الرأي، في عمق البحر ووسط لججه هو المكان الأفضل للتفاوض العربي، فإما الموت أو الاتفاق ولا شي غيرهما، خصوصاً أننا أمام حال غريبة في خلافاتنا العربية، فالخلافات والنزاعات والحروب بين أحزاب وسياسيين قد لا يمثلون الشعب أو جميع مكوناته، لكنهم يسيطرون على الحالة السياسية في هذه البلاد، وأصبحوا يتحدثون باسم الشعوب وكأنهم مفوضون عنها والشعوب لا تقر بهذا التفويض ولا تعترف به، بل الواضح أن هؤلاء المختلفين المتحاربين لا يسعون إلا لمصالح أحزابهم فقط دون أي مراعاة لمصالح الشعوب!

ورغم أن الكثيرين كتبوا في ثقافة التعايش وضرورته فإن المسألة اليوم هي أهم بكثير من مجرد الكتابات أو البرامج التي تدعو إليها، فثقافة التعايش بالنسبة إلى العرب اليوم أصبحت أهم الضروريات التي يجب أن تقوم الأنظمة والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني بثورة جدية لفرضها وإقناع المجتمعات بها، وكسر كل المعتقدات والأيديولوجيات التي تخالفها، فهي ضرورة لمجتمعاتنا العربية أكثر من ضرورة الغذاء والكهرباء! قد تكون هناك دول وشعوب دفعت وما زالت تدفع ثمنا غاليا لانعدام ثقافة التعايش حروبا وقتلا وتشريدا، كما هو واقع الحال المشاهد دون الحاجة إلى إعادة ذكره، إلا أن المؤكد أيضا أن كل دولنا العربية مهيأة لانفراط عقد التئامها المجتمعي، وكلها معرضة لما تعرضت له بعض الدول من حروب داخلية ومجازر بين أبناء الشعب الواحد. لا أحد منا بعيد عن هذه الأمثلة أبدا، فالمسألة ليست ترفا كتابيا، إنها ضرورة ملحة لنا جميعا، ثقافة التعايش والثورة من أجلها هي الأهم بالنسبة إلينا اليوم.

نتعايش مع البكتيريا ولا نستطيع التعايش مع بعضنا!! عمق البحر هو المكان الأنسب لتفاوض مثل هذه العقليات لتتعلم من أمواجه ولججه كيف تتعايش!

back to top