العرب... بين أنقرة وإسطنبول (3-3)

نشر في 19-08-2016
آخر تحديث 19-08-2016 | 00:05
 خليل علي حيدر هل هناك انقلاب ثان قادم؟

عنوان

تناول الصحافي اللبناني راجح الخوري صراع إردوغان- غولن من زاوية تركز على الشخصيتين، فقال في صحيفة الشرق الأسط: "غولن خصم مخيف لإردوغان خشية أن ينتزع منه السلطة لأن له ملايين الأنصار في كل مفاصل الدولة التركية، لكن المفارقة أنه كان حليفه السابق في محاربة الأتاتوركية، وقد طرده الجيش عام 2013، وهو يعيش منذ ذلك الحين في الولايات المتحدة".

إن الرئيس "إردوغان" في مسار جديد، كما يرى الخوري، وهو في الواقع منخرط في خمس حروب: "1- حرب تطهير الجيش واستئصال المعارضة الواسعة من الدولة بكل مؤسساتها، ودفعها بعيدا عن العلمنة. 2- الحرب المستعرة مع الأكراد الذين سيجدون دعما متزايدا خصوصا من أميركا وإيران. 3- الحرب المستجدة ضد تنظيم "داعش"، خصوصا بعد تفجير مطار أتاتورك، وبعدما أكل هذا التنظيم طويلا من صحن إردوغان الذي طالما تغاضى عنه في سورية والعراق. 4- الحرب السياسية والإعلامية التي ستواجهه في دول الغرب التي تخشى من الحكم الكلي الاستبدادي، ولو جاء نتيجة العملية الانتخابية التي أعطت إردوغان أخيرا 49.50 من الأصوات. 5- الحرب على الحدود السورية التي تضع تركيا في خط النار. لهذا يطرح المحللون السؤال: متى الانقلاب المقبل في تركيا؟".

رؤية الكاتب السوري ياسين الحاج صالح حذرت من شخصنة الرئيس التركي، وإسقاط الرؤية العربية على سياساته، وأبدى في مقاله بالحياة "ثلاث ملحوظات على تناولات عربية لتركيا"، 29/ 7/ 2016 فقال: "تتصل الملحوظة الأولى بالشخصنة المفرطة للشأن التركي وتركيز الكلام كله حول إردوغان، جرى ذلك في الإعلام الغربي طوال أكثر من عامين قبل الانقلاب، على نحو يذكّر بأبلسة صدام حسين في زمن سبق، وقبله بقدر ما جمال عبدالناصر. لا شيء من ذلك وقع في خصوص قاتل عصابي مثل بشار الأسد، قتل أو تسبب في قتل نصف مليون سوري، وفي تأزم إقليمي وفي صورة ما عالمي، مفتوح". يرافق هذه الشخصنة ميل مفرط تجاه القائد: "ويشاطر في الشخصنة موالون عرب للحكومة التركية يجدون كل ما يفعله إردوغان صائبا ويبرئونة من كل ما لا يمكن إنكاره من مآخذ جدية، بما في ذلك إغلاق الحدود في وجه اللاجئين السوريين منذ مطلع هذا العام".

هل إردوغان... من الإخوان؟

ويشكك الكاتب السوري "صالح" في انتماء إردوغان لجماعة أو تنظيم الإخوان المسلمين: "الملحوظة الثانية المتواترة في خصوص ما يكتب عربيا عن الحزب الحاكم في تركيا، وعن إردوغان شخصيا، هي وصفه وحزبه بالإخوان المسلمين، من دون مزيد من توضيح أو استدراك، ولا يوضح أصحابنا الذين يصفون الحزب التركي بأنه إخوان مسلمون، مع شحنة عداء في التعبير، إنه إن كان كذلك فهو مختلف جدا عن تنويعات الإخوان التي نعرفها، يعطون الانطباع بأن العدالة والتنمية مثل الإخوان السوريين والمصريين، وهذا بكل بساطة خاطئ. ما يميز الإخوان المسلمين في كل مكان أولوية الأمة الدينية على الأمة السياسية، أو ببساطة الإسلام على الوطن، الحزب التركي ليس كذلك بحال الأولوية لديه لتركيا على الإسلام، وللأمة السياسية على الأمة الدينية وهذا ليس حال إخواننا. حزب "العدالة والتنمية" حزب قومي تركي محافظ منفتح على تركيا المسلمة".

ويحمّل الكاتب الإسلاميين العرب النصف الآخر من "مسؤولية" اعتبار إردوغان من الإخوان: "وفي هذا الشأن أيضا، نجد الوجه الآخر للعملة: الإخوان المسلمون العرب يرون حزب العدالة والتنمية من صنفهم- مخطئون جدا. تسنى لي قبل شهور أن أسمع إسلاميا سوريا ينسب كل ما هو إيجابي في تركيا إلى حزب العدالة والتنمية، هذا عناد وجهل، التنظيم التركي حزء من تاريخ بلده، وليس منتسبا إلى أي تنظيم دولي، وزعامته تطور نزعات تسلطية فعلا، وتنشر في البلد أجواء متوترة فعلا، والتوسع الديمقراطي الذي رافق فوز الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2003 يتآكل اليوم، ولعله بلغ أدنى مستوى له منذ ذلك الوقت، لكن يبقى العدالة والتنمية حزبا وطنيا تركيا، ينتمي إلى عالم حزب الشعب الجمهوري الكمالي وحزب الحركة القومية الفاشي، وحزب الشعوب الديمقراطي، الكردي أساسا، وليس إلى عالم الإخوان السوريين والمصريين وغيرهم".

ويختتم الحاج صالح ملاحظته بالقول ثالثا بأن المعالجة العربية لأحداث تركيا غير موضوعية، فأحكام معظم كتاباتنا تعاني من "نفور متأصل، أو حس كاره، أو استعداد ميسور لرؤية ما يجري في إطار سلبي ثابت، ودوما بانضباط متدن بالوقائع والمعطيات الفعلية".

فنلاحظ مثلا في هذه المعالجات العربية أن: "مرة إردوغان هو الخطأ، فلا يمكن ما يفعله إلا أن يكون خطأ، ومرة هو يفعل الصح دوما لأنه صح، الأفعال والسياسات خارج النقاش، أو يختار منها ما يدعم هوى سابقا عليها، السياق غائب دوما.

وعلى هذا النحو، يلام الرئيس التركي والحزب الحاكم في تركيا للأسباب الخطأ، ويثنى عليهما للأسباب الخطأ أيضا، وليس في هذا ما يصلح شيئا من حالنا أو حال الأتراك".

غير أن الأستاذ "الحاج صالح"، على وجاهة ملاحظاته، يبسط كثيرا علاقة إردوغان وحزبه بالإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي مهما كانت طبيعة هذه العلاقة، فالثابت أن الإسلاميين الأتراك جميعا قد طالعوا المؤلفات والمنشورات الإخوانية المترجمة منذ فترة طويلة إلى "اللغات" التركية، كالأردية كذلك، والفارسية والإندونيسية. ومن لم يقرأها في تركيا اشتراها في ألمانيا وعموم أوروبا. وتعاطف الإسلاميين الأتراك مع القيادات والأفكار والسياسات الإخوانية في العالم العربي وبخاصة منذ انطلاق الربيع العربي واضح وعلني، ولا شك أن خيبة أمل الرئيس إردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية كانت كبيرة بعد أن فشل الإخوان المسلمون في البقاء في سدة الحكم في مصر، وارتكبوا هذا الكم من الأخطاء وهذا القدر من التخبط، رغم "خبرتهم السياسية والتنظيمية" ورغم وصولهم إلى الحكم بالانتخاب!

إردوغان أهم من الديمقراطية التركية!

ماذا فعل الرئيس التركي بمعارضيه؟ وكيف خطط للتخلص منهم دفعة واحدة؟ هذا ما يعالجة الكاتب الأردني مهند مبيضين في الحياة، 30/ 7/ 2016 فيقول: "لم يبق كثيرون من معارضي رحب طيب إردوغان خارج السجن، فالانقلاب الذي فشل أتاح للرئيس التركي إصابة جميع خصومه بضربة واحدة أعقبت ليلة الانقلاب الذي استقبله الأتراك بالرفض. بعدما طالبهم الرئيس بالنزول إلى الساحات ففعلوا منددين بكل من ساهم فيه، لكن العرب استقبلوه بغير ذلك فكان دفاعهم واحتفالهم ببقاء رجب طيب إردوغان بدل أن يحتفلوا ببقاء تركيا الديمقراطية والدولة الوازنة في الإقليم والحيلولة دون وصولها إلى الفوضى وحكم العسكر". كان إردوغان الرابح الأكبر من الانقلاب بعد تلك المعمعة التي رافقتها، والتف الأتراك إسلاميين وعلمانيين، تركا وكردا حول النظام، "لتصحو تركيا بعد أيام على عودتها إلى زمن الاستبداد الحميدي"، ويتساءل مبيضين عن طبيعة الاستجابة التركية مقارنة بردود الفعل العربية: "لماذا استقبل الأتراك الانقلاب بشكل مختلف عن ثورات العرب على جمهورياتهم في السنوات الأخيرة، واستقبله العرب بذاتيه شديدة اختصرت تركيا برجل واحد وهو رجب طيب إردوغان؟ لماذا ثار الغضب على كل من انتقد إردوغان واتُّهم بالكفر والعلمانية؟ ولماذا تغيرت كل الصور الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ليحل محلها الرئيس الرمز؟ ولماذا بحث العرب عن رمز لهم من خارج المجال العربي؟

ويحاول الكاتب تذكير العرب بحقائق أخرى عن إردوغان: "إردوغان الذي نسي العرب أنه ضمنيا كان الحليف الأهم للولايات المتحدة، وهو المطبع لعلاقاته مع إسرائيل قبل فترة وجيزة، أسعفه الانقلاب ليعود من بوابته إلى الوجدان العربي بكل ود وحنين، فيما العرب يعيشون أزمات ثوراتهم التي لم تنته، وينسون ثوار تركيا عام 2013 ضد الفساد والمحسوبية".

ويقارن الجمهور التركي، بالشارع العربي: "وفيما يتصرف الأتراك وفق مصالحهم وليس عواطفهم، فإن أخطر ما في اللحظة التالية للانقلاب هو تهديد قيم الجمهورية والديمقراطية، في حين نحن العرب رأينا في الانقلاب شخص إردوغان، كما رأينا بشار الأسد وعلي عبدالله صالح ومعمر القذافي وصدام حسين، فبقي التعلق بالشخص الزعيم سيد الموقف".

الأسوأ من هذا، في تحليل الأستاذ مبيضين، انقسام العرب في هذا الزمان في التعاطف مع تجربتين خارج العالم العربي: "فجمهور يؤيد ملالي إيران ويحج إليها، وقسم متعلق بنموذج تركيا، والنموذجان لا يخلوان من استبداد".

المستقبل التركي

لقد أهين الجيش التركي، وبات القضاء في يد الرئيس التركي بعد اجتثاث القضاة المعارضين وربما تهديد الآخرين. الأمن والتعليم والتوجيه الديني والإعلام بمختلف أجهزتها باتت خاضعة بشكل أو بآخر لضغوط سياسية شعبوية هائلة تشبه اكتساح العواطف الفاشية في ألمانيا بعد صعود هتلر، أو ما جرى في الصين زمن الزعيم ماو، أو ما عرفناه في إيران والعالم العربي من اندفاع وتصديق كانت الديمقراطية والتنمية الحقيقية أولى ضحاياه.

ومن هنا خوفنا على تركيا!

back to top