عجز الميزانية ومسؤولية المواطنين

نشر في 15-08-2016
آخر تحديث 15-08-2016 | 00:03
إن المطلوب هو التوقف عن استفزاز الناس وتحميلهم المسؤولية من جهة، وطرح حلول ساذجة للأزمة المالية من جهة أخرى، ثم تقديم حزمة إصلاحات متكاملة وعادلة، أي غير منحازة اجتماعياً بحيث تعالج الاختلالات الاقتصادية والمالية الرئيسة التي سببت عجز الميزانية العامة.
 د. بدر الديحاني عندما يستبعد قطاع واسع من المواطنين من المشاركة الفعلية في صياغة السياسات واتخاذ القرارات العامة المتعلقة بإدارة المالية العامة، فإنه من الظلم أن يُحمّلوا، بعد ذلك، تبعاتها وما يترتب عليها من نتائج سلبية أو فشل، إذ إن المعادلة هنا تصبح مقلوبة، فالحكومة التي تعمل منفردة، وتخنق المجال العام، ثم تُعطّل السياسة تتحمل هي وحدها مسؤولية فشل السياسات والقرارات التي تتخذها.

معنى ذلك أنه عندما يختل ميزان العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، ويغلق المجال العام، وتُقيّد الحريات العامة، ثم تُغيّب عملية المشاركة الإيجابية الواعية في اتخاذ القرارات العامة فإن الحديث عن أن المواطن يجب أن يتحمّل عبء العجز المالي، وذلك من خلال إلغاء الدعم الاجتماعي للسلع والخدمات الضرورية أو تخفيضه، يصبح حديثا منحازاً بشكل صارخ.

مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات وصنع السياسات العامة شرط ضروري ولازم في تحمّل مسؤولية فشلها بالدرجة ذاتها التي يشاركون بها، إذ ليس من العدالة بشيء أن تكون مسؤولاً عن أمر لا علاقة لك به من الأساس، فالمسؤولية على قدر السُلطة كما هو معروف. بعبارات أخرى أكثر وضوحاً وبساطة، عندما لا يعرف معظم المواطنين شيئاً عن المالية العامة للدولة، وكيفية إدارتها، ولمصلحة مَن تُوجّه، فمن الظلم أن يدفعوا ثمن فشلها.

من جانب آخر، لنفترض جدلاً أنه تم اقتطاع جزء من المرتب الشهري للمواطن من أجل «دعم» الميزانية العامة للدولة، فأين، يا ترى، ستذهب الأموال بعد ذلك؟ في ظل الوضع الحالي سيتم تبذيرها على الصفقات المليارية المُفصّلة التي لا يستفيد منها سوى عدد محدود من الأفراد، كما ستُهدر أيضاً على عمليات شراء الود السياسي ومشاريع تنفيع مجاميع تجارية احتكارية لا تضيف أي قيمة للطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني.

إن التغاضي عن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى عجز الميزانية العامة مثلما تفعل الحملة الإعلامية الحكومية الحالية أحادية الجانب، ثم التركيز، بطريقة لا تخلو من الاستفزاز والتبسيط المُخلّ لقضايا اقتصادية-اجتماعية مُركّبة، على تحميل المواطنين بطرق وأساليب مختلفة تبعات العجز المالي، لن يؤديا في المستقبل إلا إلى المزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لذلك فإن المطلوب هو التوقف عن استفزاز الناس وذلك بتحميلهم المسؤولية من جهة، وطرح حلول ساذجة للأزمة المالية من جهة أخرى، ثم تقديم حزمة إصلاحات متكاملة وعادلة أي غير منحازة اجتماعياً بحيث تعالج، كما ذكرنا من قبل، الاختلالات الاقتصادية والمالية الرئيسة التي سببت عجز الميزانية العامة، ولكن هذا لن يتحقق من دون إصلاح سياسي ديمقراطي جذري.

back to top