الماء على القمر أتى عموماً من كويكبات لا مذنّبات

نشر في 05-08-2016
آخر تحديث 05-08-2016 | 00:04
No Image Caption
ربما تشتهر المذنبات المجلدة بأنها وسيلة نقل الماء القديمة داخل النظام الشمسي. لكن دراسة جديدة اكتشفت أن معظم الماء على جارنا الأقرب، القمر، وصل إليه بواسطة كويكبات قبل نحو 4.5 مليارات إلى 4.3 مليارات سنة.
يقدّم هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة Nature Communications، لمحة عن العملية التي صاغت القمر ومنحت الأرض الكثير من الماء الذي يملأ محيطاتها. كذلك، قد يلقي هذا الاكتشاف الضوء على تفاعلات الكواكب العملاقة في النظام الشمسي خلال العصور الباكرة.

لطالما اعتُبر القمر بالغ الجفاف بالاستناد إلى الصخور التي حملتها معها بعثات أبولو إلى القمر، التي أطلقتها ناسا في أواخر ستينيات القرن الماضي. ولكن في السنوات الأخيرة، كشفت تقنيات أكثر تقدماً إشارات مهمة إلى الماء في هذه العينات، وفق ديفيد كرينغ، باحث بارز في الدراسة وعالم فلكي في معهد القمر والكواكب في هيوستن. ويضيف هذا الباحث أن سطح القمر شديد الجفاف، إلا أن جوفه يضم، على الأرجح، كمية من الماء تفوق بنحو 10 آلاف إلى 10 ملايين مرة ما يعكسه سطح القمر.

ولكن كيف وصل هذا الماء إلى القمر والأرض؟ دار نقاش طويل بين العلماء بشأن ما إذا كان هذا الماء قد أتى من مذنبات تحمل الكثير من الجليد، إلا أنها تقع وراء مدار بلوتو، أم من كويكبات أقرب إلينا (تقع اليوم بين مدارَي المريخ والمشتري)، مع أنها تُعتبر أكثر جفافاً وصلابة.

لكن كرينغ يؤكد أن هذا المفهوم خاطئ.

يقول كرينغ: “الكويكبات غنية بالماء أو قد تكون غنية بالماء”. ويكون هذا الماء غالباً محتجزاً في جزيء من الطين. لذلك، قد لا يتنبه له البعض، وفق هذا الباحث، الذي يتابع موضحاً: “يعتبر المجتمع العلمي الأوسع غالباً أن هذه الكويكبات مجرد صخور، وأنها تضاهي الصخور بجفافها. لكن هذا خطأ بكل بساطة”.

في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، استعان فريق دولي من الباحثين ببيانات مجموعة متنوعة من الدراسات التي حللت عينات قمرية أُخذت من القمر أو من نيازك (يُعتقد أنها أجزاء من كويكبات سقطت على الأرض). فدرسوا تركيبة العناصر المتطايرة في صخور الفضاء، مركزين خصوصاً على نسبة الهدروجين إلى الديوتريوم (نظير للهدروجين أكثر ثقلاً). فشكلت نسبة الهدروجين إلى الديوتريوم هذه نوعاً من بصمة سمحت للباحثين باكتشاف مصدر الماء على القمر. وهكذا أصبحت النتيجة واضحة: فإن بدت هذه النسبة قريبة من نسبة المذنب، تكون قد أتت من مذنب. أما إن بدت قريبة من بعض أنواع الكويكبات، فتكون قد أتت من كويكب.

مرحلة التنامي المتأخرة

بعدما جمع الباحثون بدقة البيانات ورتبوها وفق نماذج، اكتشفوا أن ماء القمر أتى بمعظمه على الأرجح من كويكبات، مع أن المذنبات تشتهر بأنها أكثر غنى بجليد الماء. فخلال فترة يدعوها العلماء “مرحلة التنامي المتأخرة” قبل نحو 4.5 مليارات إلى 4.3 مليارات سنة، أتى أكثر من 80% من ماء القمر على الأرجح من أنواع مختلفة من الكويكبات، في حين مدته المذنبات بأقل من 20% من مائه. ولكن في تلك الفترة، كان القمر الفتي الحار مغطى ببحر من الحمم، ما يعني أن صواريخ الفضاء تلك أغرقت حمولتها على الأرجح في ذلك الخليط المائع.

يساهم هذا الاكتشاف في توضيح مصدر الماء على كوكبنا. فكان القمر المتكوّن حديثاً أقرب إلى الأرض خلال المراحل الأولى التي تلت ولادته العنيفة قبل نحو 4.5 مليارات سنة. يسود الاعتقاد أن القمر تشكّل عند اصطدام جسم بحجم المريخ بالأرض، مقتلعاً حطاماً تكتل معاً وشكّل قمرنا. وخلال الفترة التي درسها كرينغ وزملاؤه، كان القمر يبدو على الأرجح أكبر بنحو 16 مرة في سمائنا، مقارنة بما هو عليه اليوم.

يذكر كرينغ: “نتيجة لذلك، ما كان يحدث على القمر كان يحدث أيضاً على الأرض”.

علاوة على ذلك، تساعد هذه الاكتشافات العلماء على تعديل فهمهم للقوى المتفاعلة في النظام الشمسي الأشمل، حسبما يؤكد كرينغ. فإن أتت غالبية مياه القمر في تلك الحقبة من كويكبات، فيعني ذلك أن المذنبات لم تنجرف بعيداً عن مداراتها الإهليلجية البعيدة لتعلق في نظامنا الشمسي الداخلي.

تتطلب النظرية القائلة إن المذنبات حملت الجزء الأكبر من الماء إلى الأرض (وغيرها من الأجرام السماوية) حركات بارزة جداً ومعدلات تنامٍ كبيرة في الكواكب الغازية العملاقة (مثل المشتري)، التي تُعتبر الكواكب الوحيدة الضخمة كفاية لممارسة عملية السحب الجاذبي الضروري. ولكن إن أتى معظم الماء بدلاً من ذلك من كويكبات، فقد يقدّم للعلماء بعض الأدلة على سلوك المشتري وأعوانه خلال تلك الحقبة، وفق هذا الباحث.

يختم كرينغ: “ستؤدي هذه الاكتشافات إلى انقلاب كبير في النماذج التي تُظهر كيفية تطور نظامنا الشمسي، أي متى وكيف تشكّلت الكواكب العملاقة، متى تبدلت مداراتها، وغيرها من المسائل. لذلك، أعتقد أن تداعيات هذه الاكتشافات لن تقتصر على الأرض والقمر”.

back to top