وطنٌ أصبح أراضي متنازعاً عليها!

نشر في 29-07-2016
آخر تحديث 29-07-2016 | 00:15
 صالح القلاب أكثر من مئة سنة مرت على تقاسم الوطن العربي كغنائم بين دول الغرب التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى، بقينا نحلم كمن يركض وراء سراب هارب بوحدة هذا الوطن وتحرره والسيطرة على خيراته، لكن ها قد مر قرن كامل لنجد أوضاعنا تزداد سوءاً، ولنجد أنه حتى الحلم الجميل قد هرب منا، وأنه قد حل محل الدولة الواحدة الموحدة التي بقينا نحلم بها كل هذا التشظي الذي بات يخبط خبط عشواء في بعض "أقطارنا" الرئيسية العزيزة.

كانت أقوام كثيرة قد التجأت إلينا عندما كانت "هيبتنا" تملأ الكون من أقصاه إلى أقصاه، لكن عندما حل هذا الزمن الرديء بدأت هذه الأقوام الهامشية تضع أصابعها في عيوننا، وبدأت تعتبر الأرض العربية التي كانت أوت إليها كشعوب لاجئة أرضاً من حقها أن تصبح أوطاناً لها، وهذا ما نراه ونسمعه الآن في كل مساء، ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، وإن علا الصراخ الذي تُطلقه المُغتصبة!

الآن في هذا الزمن الرديء أصبحت الموصل أرضاً "متنازعاً عليها"، بل أصبحت بلاد الرافدين كلها وطناً مستباحاً تصهل فيه خيول الغزاة الذين جاءوا إلى العراق بأحلام إمبراطورية قديمة. والآن ها هي سورية تتشظى أمام عيوننا، وبالطبع فإن فلسطين كلها أصبحت وجعاً متأصلاً في أفئدة الذين لا تزال في قلوبهم بقايا انتماء قومي وإن كمثل بقايا الوشم في ظاهر اليد!

كان القرن العشرون قرن الأحلام الوردية الجميلة، وكنا ننشد "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد... ومن نجد إلى يمن... ومن مصر فتطوان"، والآن ها هي سورية قلب العروبة النابض تتمزق أمام عيوننا، ويجري الحديث بدون خجل ولا وجل عن العودة بها إلى مؤامرة الدويلات التي أرادها المستعمرون الفرنسيون... ثلاث دويلات سنية ودولة علوية ودولة درزية.

هل كنا نتصور يا ترى أن تصبح الموصل أرضاً متنازعاً عليها، وأن تصبح كركوك مرشحة للاغتراب، وأن يتحدث قاسم سليماني وهو يلعن القادسية وذي قار عن "إيوان كسرى"، الذي كان قد شيده هذا الـ"كسرى" في أرض عربية... وهي ستبقى عربية رغم هذه اللحظة المريضة التي بات يمر بها العرب الذين إن نبت سيوفهم في هذا الزمن الرديء فإنها سترتفع مرة أخرى... وهذه هي نبوءة الشجعان الذين بقوا يظهرون في لحظات التاريخ الصعبة.

إننا نخاف من هذا الواقع المرعب لكننا يجب ألا نفقد الإيمان ونفقد القناعة بأن للأمم العريقة كبوات، وأن الأمة العربية العظيمة ستنهض من هذه الكبوة لا محالة... وأنه إذا اعتبر اللاجئون إلينا بعض أجزاء وطننا أراضي متنازعاً عليها، ويحلمون بإقامة دول لهم فيها فإنهم سيكتشفون أن أحلامهم هذه مجرد سراب عابر... وانه لا يصح إلا الصحيح... والصحيح أن هذه الأمة ستنهض لا محالة وذات يوم قريب.

back to top