أسعد الشفتري يحذر الشباب من حروب عبثية جديدة

• في كتابه الصادر حديثاً «الحقيقة ولو بصوت مرتجف»

نشر في 28-07-2016
آخر تحديث 28-07-2016 | 00:04
في كتابه الصادر حديثاً «الحقيقة ولو بصوت مرتجف» (منشورات درغام، تحت رعاية حركة «محاربون من أجل السلام») يروي أسعد الشفتري، أحد النافذين في الحرب التي اندلعت في لبنان على مدى خمسة عشر عاماً، كيف انجرّ إلى ارتكاب الفظائع ووراء أمراء الحرب ومن ثم كيف وعى حقيقة الوضع وألا خلاص من العيش مع الآخر المختلف، فبدّل حياته من محارب شرس، إلى إنسان يدعو إلى السلام والتسامح والانفتاح. في المناسبة عقدت ندوة في جامعة القديس يوسف في بيروت شارك فيها: رئيس تحرير جريدة «السفير» طلال سلمان، ومديرة معهد «أديان» د. نايلا طبّارة، ود. جوسلين خويري والمطران غي نجيم.
يبدأ أسعد الشفتري كتابه، منذ مرحلة الطفولة عندما كان تلميذاً في مدرسة الفرير، ثم تخصصه في جامعة القديس يوسف في الهندسة، ويستغل هذا الفصل لتسليط الضوء على بيروت قبل 1975، والازدهار الذي شهدته فضلا عن قضائه فصل الصيف في عاليه، وعلاقات أهله مع المسلمين.

وفي سياق الأحداث، يخبر كيف اكتشف وجود المسلم اللبناني، كيف تلقى أحكاماً مسبقة، دينية واجتماعية، وكيف تبناها، من ثم دخوله مرحلة الوعي السياسي، وتخوّفه من الوجود الفلسطيني والتحام قضايا المسلمين والفلسطينيين واليساريين معاً والخطر الذي أصبح يحدّق “بلبنانه” وبالمسيحيين.

في هذه الأجواء انتسب الشفتري إلى حزب الكتائب وانخرط في الحرب الأهلية. لم يقاتل كثيراً إنما شارك في العمل في ما أصبح جهاز الأمن والاستخبارات في حزبه والقوات اللبنانية بعد توحيد البندقية المسيحية. تجسس في جهاز استخبارات إيلي حبيقة واحتك بالإسرائيليين وعاش بسببهم الخيبة. كما انه تعرّض لمحاولات اغتيال...

شارك في مفاوضات الاتفاق الثلاثي في دمشق والتقى بأعداء الأمس، كتب عن أجواء هذه المرحلة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكيف تمّ التوصّل إلى هذا الاتفاق وشرح فلسفة فريقه ونظرته لبنوده.انتقل إلى زحلة وعاش مرحلة القوات اللبنانية –الهيئة التنفيذية مع إيلي حبيقة وانفتاح الأفق الوطني أمامه ولبنان بمساحته كلها.

تعرّف على جماعة “التسلّح الخلقي” التي ساعدته على اختيار مسيرة وعي أخلاقي وإيماني كما علّمته تغيير نظرته للآخر، التعرّف عليه من جديد والحوار معه.

من هنا، بدأ الشفتري يبتعد عن الخوف والكراهية ويستبدلهما بالانفتاح والمحبة. وإذا به يخوض أصعب المعارك ضد ذاته، فيندم على ما قام به ويقرر الانتقال من الهدم إلى البناء ولو منفرداً. كتب رسالة اعتذار إلى اللبنانيين سنة ألفين، طلب فيها السماح وسامح هو أيضاً، وباشر العمل في المجتمع من أجل الانفتاح والحوار ونبذ العنف وتحكيم الأخلاق التي تجمع اللبنانيين لا بل كل إنسان.

له رؤية واضحة للأهداف المرجوّة من العمل السياسي التي يوجهها إلى سياسيي اليوم. ينبّه الشباب ويحذرهم ويوعيهم كي لا يكونوا وقوداً وضحايا لحروب عبثية جديدة بين الإخوة ويعتبر هذه المهمة الهدف الأساسي من تحرّكه.

مقاطع من الكتاب

في العام 1984، بلغ عدد المنظمات المشاركة في الحرب على اختلاف انتماءاتها 256 منظمة، من دون احتساب فروعها المناطقية. كنا نتلقى أكثر من 700 وثيقة في اليوم، صادرة عن بيانات العملاء، والاستجوابات، واعتراض الاتصالات اللاسلكية، والتنصت على المكالمات الهاتفية، والمقالات الصحافية، والاستخلاصات، والتحليلات، وتقارير السياسيين المشاركين في المحادثات، وتقارير الديبلوماسيين، وأجهزة المخابرات المحلية أو الأجنبية. وفي أيام الذروة، تألف فريقنا من خمسة وتسعين محللاً، وعشرين أميناً للأرشيف، وأضفنا إليهم فريقاً من الفنيين في مجالي الميكروفيلم والبحوث.

كانت مجموعة من الفرق والأحزاب المسيحية تحصل على أسلحة وذخائر نظراً إلى علاقاتها مع الإسرائيليين، بما فيها حزب «الوطنيين الأحرار» الذي أسسه الرئيس كميل شمعون، وذات يوم، عندما أرسلنا قارباً بالاشتراك مع حزب «الوطنيين الأحرار» إلى ميناء أشدود الإسرائيلي لشحن معدات عسكرية، أثار سخطنا سماع الإسرائيليين يطلبون منا تقاسم المعدات مناصفة مع حزب «الوطنيين الأحرار».

ما مبرّر التقاسم هذا علماً أن عددنا يفوق الأحرار بخمسة أضعاف على الأقل؟ دفع فائض الأسلحة بحزب «الوطنيين الأحرار» إلى الانخراط في معارك داخلية في أجزاء عدة من المنطقة المسيحية التي كان حجمها قد تضاءل بالفعل، ما أدى إلى عملية السابع من شهر تموز 1980 التي كرّست تفوّق حزب «الكتائب» وتوحيد الميليشيات المسيحية تحت جناح «القوات اللبنانية»، ولكنها كلفت ثمناً باهظاً ومؤسفاً تمثل في إزهاق أرواح خمسين شخصاً تقريباً.

وعلى غرار حزب «الكتائب» الذي تحوّلت نقطة الاتصال الخاصة به إلى نقطة لـ «القوات اللبنانية»، كان عدد من الأحزاب المسيحية يمتلك نقاط اتصال تمكّنه من التواصل مع الإسرائيليين من أجل تبادل المعلومات وإجراء حوارات استراتيجية، وكان معظمها يتكتم حولها، وبالتالي فإن توحيد الاتصالات مع جارنا في الجنوب لم يتم، وكنّا خلال فترة الانقلاب اعترضنا اتصالات تشير إلى تواطؤ إسرائيلي مع جماعة جعجع. أما نحن، وبعد انتخاب إيلي حبيقة رئيساً للهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» في العام 1985، فقد عمدنا إلى إغلاق مكتبنا في القدس وأفهمنا الإسرائيليين الذين كان لهم مكتب في مناطقنا بأنهم أصبحوا أشخاصاً غير مرغوب فيهم.

(...) خلال الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، كانت أجهزة المخابرات التابعة لنا ترصد تحركات القادة الفلسطينيين، وبخاصة ياسر عرفات، وتُعلم الإسرائيليين بها. وكانت التعليمات إلى عملائنا في بيروت الغربية تنص كذلك على تحديد موقع هذا الأخير على الدوام، مع الإشارة إلى أن اعتراضنا الهاتفي لهم كان ممكناً برغم صعوبته، كوننا حافظنا على الكابلات التي تربط بين جزءي العاصمة. وقد تمكّنا بفضل ذلك من التفاوض على عمليات وقف إطلاق النار، ومن اعتراض اتصالات بين قادة مسلمين وفلسطينيين، سياسيين أو عسكريين، رسميين أو قادة بحكم الأمر الواقع، وكذلك اتصالات بعض السفارات.

(...) لم أكن مقبولاً كثيراً في صفوف المقاتلين الذين كانوا يسمونني «المتحدث بالفرنسية» ويرون فيّ دخيلاً مستجداً على عالم القتال. كانوا يذكرونني بذلك دائماً، ويصرّحون بأنهم لا يكنون لي الولاء ويطيعون أوامري أحياناً على مضض. فبالنسبة لهم، لم أكن وصياً إلا على الذين أوظفهم، أي الكادرات الإدارية، وبالتالي لا أمارس أي نفوذ عليهم. وكانوا يعزون النجاحات إلى أنفسهم ولاعتبارات قائدهم العسكري، وينسبون الفشل إلى نصائح «المدنيين». لذا لم يكونوا مهتمين بالتقرب مني لأني كنت ذلك الذي يحرص على حسن سير العمل، وأفضح العمليات الملتبسة بدافع أخلاقي، وأشير، بغية تحسين الفاعلية، إلى الثغرات وأشجع على الاحتراف في تنفيذ العمليات.

رفيق في السلاح

قال الشنتري قبلوا بي أخيراً رفيقاً في السلاح. غير أنهم طلبوا مني على سبيل برهنة أهليتي، أن أقتل سجيناً بيدي العاريتين، أمام «لجنة كبرى» لن أكشف عن هوية أعضائها. وكانت تلك بالنسبة إليهم الطريقة الوحيدة حتى أُثبت أني جدير بثقتهم وبثقة المنظمة ككل. فوافقت على ذلك، بشرط أن يستحق السجين الموت فعلاً. فاقترحوا علي سجيناً: وبعدما قرأت ملفه، حملت خنجراً وقتلته من دون أن يرفّ لي جفن. واضاف: وقد رفض أحد الرفاق في «القوات اللبنانية» استخدام السلاح الأبيض حين تمّ اختباره بالطريقة عينها، وأفرغ رشاشه في جسم ضحيته. ولكننا كنا نقتل، سواء بطعنات خنجر أو بوابل الرصاص، كانت النتيجة واحدة. واكتشفت فيما بعد أن هذه الممارسة سائدة لدى الميليشيات كافة.

وتابع: «فقدت عذريتي» ذلك اليوم الذي قتلت فيه بدم بارد. كنت قد اجتزت بذلك الخط الذي يفصل بين القتل عبر الواسطة، والقتل باليد. بقيت مصدوماً بضعة أيام، ثم سرعان ما عدت إلى الأحداث الدامية التي تعاقبت ميدانياً. وقتلت شخصاً آخر بيدي، مقتنعاً بأنه هذه المرة يستحق الموت. أصبح من السهل عليّ أن أقتل أو أن أحكم بالقتل، صرت مخضرماً بعدما كسبت ثقة المقاتلين. لكني بعد فترة طويلة، اكتشفت أنني لن أكون أبداً واحداً منهم... مع أنني أحبهم كثيراً.

لم أكن مقبولاً كثيراً في صفوف المقاتلين الذين كانوا يسمونني «المتحدث بالفرنسية» ويرونني دخيلاً مستجداً على عالم القتال
back to top