الدب ميتشا يختتم أولمبياد موسكو 1980 بدمعة حيَّرت المراقبين

نشر في 27-07-2016
آخر تحديث 27-07-2016 | 00:02
بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الـ22 التي انطلقت في 19 يوليو 1980 ارتسمت عبارة «وداعاً موسكو وإلى اللقاء في الأولمبياد الـ23»، في استاد لينين الدولي.
«وداعاً موسكو وإلى اللقاء في الاولمبياد الـ23»، تلك العبارة ارتسمت على اللوحة الالكترونية في استاد لينين الدولي في موسكو يوم الثالث من أغسطس عام 1980، معلنة انتهاء دورة الألعاب الاولمبية الـ22 التي انطلقت في 19 يوليو.

وعلى اثر ارتسامها، ذرف الدب الشهير ميتشا «تميمة الألعاب» دمعة أبكت الجمهور وحركت عواطفهم وحيرت المراقبين وجعلتهم يتساءلون «أدمعة حزن تلك التي ذرفها ميتشا في وداع الشعلة الاولمبية، أم دمعة أسى على الرياضة التي أفسدتها السياسة، وهي ما دخلت شيئا إلا وأفسدته؟».

وكان الرئيس الأميركي جيمي كارتر نادى بمقاطعة ألعاب موسكو احتجاجا على التدخل السوفياتي في أفغانستان، فاستجابت 61 دولة لدعوته، وللمصادفة فإن الدورة الأولى في دولة اشتراكية شهدت مقاطعة من غالبية الدول الرأسمالية.

غياب عدة منتخبات

وفي غياب الولايات المتحدة واليابان وألمانيا الغربية والآخرين الدائرين في هذا الفلك، وحتى الصين، لم يتأثر المستوى الفني عمدا، لكن حربا ضروسا على انتزاع الميداليات دارت تحديدا بين الحليفين السياسيين والعملاقين اللدودين رياضيا الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية، واستطاع البلد المضيف الانتصار فحصد 80 ذهبية مقابل 347 لألمانيا الشرقية و8 لبلغاريا وكوبا وايطاليا.

وشارك في الألعاب 5179 رياضيا بينهم 1115 لاعبة، وهي المشاركة الأدنى منذ دورة ملبورن 1956، تنافسوا في 203 مسابقات ضمن 21 رياضة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والملاكمة والكانوي- كاياك والدراجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال وكرة اليد والهوكي على العشب والجودو والمصارعة والسباحة والخماسي الحديث والكرة الطائرة والرماية والقوس والنشاب واليخوت.

وعرفت الهوكي على العشب للسيدات دخولا مضطربا على الاولمبياد، إذ تخلفت خمس من الدول الست المتأهلة بسبب المقاطعة السياسية، فحضرت خمس أخرى حلت خلفها في التصفيات وهي تشيكوسلوفاكيا والهند وبولندا والنمسا وزيمبابوي، التي تلقت الدعوة قبل خمسة أسابيع فقط من موعد الألعاب، فجهز منتخبها على عجل وأحرز الميدالية الذهبية وسط ذهول الجميع ودهشتهم.

ولأن قلوب غالبية الرياضيين كانت مع المشاركة فإن لجانا أولمبية عدة تمايزت عن القرار السياسي لحكوماتها وأكدت استقلاليتها، وحضرت إلى موسكو حتى وان سارت خلف العلم الاولمبي كما حصل مع بريطانيا، وجاء القرار الإسباني بالمشاركة بعد تصويت داخل اللجنة الوطنية فصوت 17 عضوا معه ورفضه 14.

وكان بالطبع موقفا محرجا لنائب رئيس اللجنة الدولية رئيس اللجنة الإسبانية آنذاك خوان انطونيو سامارانش المرشح للرئاسة الدولية خلفا للورد كيلانين، الذي بذل المستحيل للحد من أضرار المقاطعة.

ورغم غياب الولايات المتحدة، تمثل الاميركيون بمايك بيري مدرب منتخب السويد لكرة السلة، وألبير ميرسادو الذي خاض تحت ألوان بورتوريكو نزالات الملاكمة في وزن الذبابة، وبيل ريا الذي شارك تحت ألوان النمسا في الوثب الطويل.

إغاظة الأميركيين

وإزاء المواقف التصاعدية، كان السؤال هل كان اختيار لاعب كرة السلة سيرغي بيلوف الذي خطف الفوز من الولايات المتحدة في نهائي دورة ميونيخ 1972، لإيقاد الشعلة من باب اغاظة الاميركيين؟

أما قسم اللاعبين فأداه رمز الجمباز نيكولاي اندريانوف الذي حصد ذهبيتين وفضيتين وبرونزية في الدورة مقابل ثماني ميداليات لمواطنه ألكسندر ديتياتن منها ثلاث ذهبيات.

ولم تؤثر المقاطعة بشكل مباشر على المستوى الفني، إذ شهدت الدورة تحطيم 34 رقما عالميا و39 أوروبيا و62 أولمبيا.

ومن أبرز الملامح الميدانية، كانت تلك الظاهرة التي تمثلت بتخصص بعض الدول في احتكار عدد من المسابقات، فألمانيا الشرقية احتكرت ذهبيات السباحة والتجذيف، والسوفيات ألقاب الجمباز ورفع الأثقال والرماية، والكوبيون بقيادة تيوفيلو ستيفنسون ذهبيات الملاكمة.

ولفت البريطانيون الأنظار في ألعاب القوى لا سيما في ظل غياب الاميركيين فبرز الاسكتلندي ألن ويلز وأحرز سباق 100م (10.25 ث) متقدما على الكوبي سيلفيو ليونارد.

ولعل من أجمل المنافسات صراع العدائين ستيف اوفيت وسيباستيان كو الذي مهد لسلسلة إنجازاتهما على مدى نحو عقد من الزمن، وفاز أوفيت في سباق 800م وحل كو ثانيا، وحصد الأخير ذهبية 1500م وجاء أوفيت ثالثا.

وتميز ديلي طومسون في المسابقة العشارية وجمع 8495 نقطة أهلته لضمان المركز الأول، ولقب حافظ عليه بعد أربع سنوات في لوس انجلس جامعا 8797 نقطة، ومحطما الرقم الاولمبي الذي حققه الاميركي بروس جينر (8618 نقطة) في دورة مونتريال 1976، لكن بأقل من نقطة واحدة من الرقم العالمي المسجل باسم الالماني يورغن هينغسن الذي اكتفى بالفضية «الاميركية».

وفاز الإيطالي بييترو مينيا في سباق 200م، بعد نحو عام من تحطيمه الرقم القياسي.

اللورد كو يكسب الصراع مع أوفيت

خلال نحو عقد من الزمن، تميزت سباقات المسافات المتوسطة بصراع البريطانيين سيباستيان كو وستيفن «ستيف» أوفيت، حتى إن جمهور بلديهما انقسم في مناصرته لكل منهما، فشكلا حالة خاصة على غرار استقطاب فرقة البيتلز وشعبية رولينغ ستونز.

كما اعتبر صراع العداءين من أجمل منافسات ألعاب القوى في دورة موسكو 1980، التي شهدت المقاطعة الغربية، وخاضتها بعض البعثات «الأطلسية» تحت جناح العلم الأولمبي، ومنها البعثة البريطانية، وذلك بقرار مستقل من لجانها الوطنية.

ولا شك أن هذا الصراع مهد لسلسلة إنجازات كو وأوفيت طوال تلك الحقبة.

وفي موسكو فاز أوفيت في سباق 800 م «1.45.40» دقيقة، وحل كو ثانيا «1.45.85» دقيقة، وحصد الأخير ذهبية 1500 م «3.38.40» دقيقة، وجاء أوفيت ثالثاً «3.38.99» دقيقة خلف الألماني الشرقي يورغن ستروب «3.38.80» دقيقة.

كان كو في الرابعة والعشرين، وأوفيت في الخامسة والعشرين، وعموماً اعتبر تقدم أوفيت في 800 م مفاجأة. ويذكر كو أنه ركض للفوز «وأعتقد أني بذلت قصارى جهدي، لم أفلح وأعاقني الهواء. حاولت الالتصاق خلفه (أوفيت) لئلاً تتسع المسافة بيننا، لكن في الـ100م الأخيرة وجدت نفسي بعيداً جداً، ارتكبت خطأ خصوصاً عندماً ضاعف السوفياتي نيكولاي كريلوف (حل ثالثاً) الخطى».

ويضيف كو: «لم يكن هذا يومي. حصل تدافع، وهذا ما أمقته، لذا لا أحب الجري ضمن القافلة، أفضل أن أكون على سجيتي. لكن ببساطة كان هناك عداء أقوى وفاز وعلينا تهنئته».

عموماً، تحاشى كو لفظ اسم أوفيت، وحتى الإشارة إلى من هو أفضل عداء بريطاني للمسافات المتوسطة. وعلى منصة التتويج صافحه من دون أن ينظر إليه.

كانت هناك مقارنة ظالمة «ربما» بين البطلين وقتذاك، ودائماً ما وصف كو بالصالح وأوفيت بالشرير. لكن العداء الفائز لم يظهر بـ»الوحشية» التي نعت بها، بل برهن أنه يملك عاطفة جياشة عبر عنها خلال دورته حول المضمار محيياً الجمهور، وشاكراً مؤازرته، وإرساله قبلات في الهواء إلى والدته على المدرجات، فقيل: «من هنا يستمد أوفيت قوته ويخزن طاقته».

back to top