ترانيم أعرابي: متى نتراجع عن الخطأ؟

نشر في 26-07-2016
آخر تحديث 26-07-2016 | 00:02
الإنسان يتطور كلما زادت معرفته، وينضج كلما كبر في السن، لكن المعرفة والنضج يساعدان المفكر تحديدا على سد فراغات المبادئ التي يؤمن بها أو ربما تطوير بعض الأفكار وتغيير الأساليب من العنف إلى الوسائل السلمية.
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم إن الاعتراف بالخطأ، بلا شك، فضيلة من الفضائل التي نتمنى أن نشاهدها في مجتمعاتنا العربية بشكل أكبر، لأن الاعتراف والتراجع عن الخطأ يحلان الكثير من المشكلات التي نمر بها ونواجهها في حياتنا، والاعتراف بالخطأ يسهل الحياة أيضا لأنه يقضي على المكابرة والتبرير ويريحنا من نقاشات بيزنطية لها أول وليس لها آخر.

يتبادر إلى ذهني سؤال ألا وهو: متى نعترف بالخطأ؟ وهل من يرتكبون الأخطاء متساوون؟ بل هل الخطأ الذي لا يؤثر إلا في الانسان ذاته هو في ميزان التأثير يساوي خطأ المفكر أو السياسي أو عالم الدين وغيرهم ممن نطلق عليهم أهل الحل والعقد أو الطبقة المؤثرة؟ كل هذه التساؤلات وغيرها الكثير لا أستطيع أن أجيب عنها في مقالي هذا، لكنني طرحتها حتى تقلّبها في ذهنك عزيزي القارئ لأن مساحة النشر لا تكفي!

سأركز في هذا المقال على تراجع الطبقة المؤثرة في المجتمع عن أخطائها، وأقصد بالطبقة المؤثرة هنا تحديدا المفكرين والمثقفين والسياسيين والكادر الأكاديمي في الدولة وربما بعض الأدباء. هذه الطبقة في ظل وجود السطحية الثقافية في المجتمع العربي والخليجي تحديدا بحاج إلى عمق التفكير، ولا أعني هنا أن المجتمع سطحي إنما أقصد أن الكثير من أبناء المجتمع ثقافتهم هشة تعتمد على "غوغل" أكثر من اعتمادها على القراءة والبحث.

سطحية الفكر وهشاشة المعلومات وقلة القراء المتأملين في المجتمع جعلت كل من فاق هذا الهامش من الثقافة بإمكانه التصدر للأسف، هذا التصدر في الغالب، ولا أبني معلومتي على أساس بحثي إنما من خلال احتكاكي في المجتمع، يكون بثلاثة أسباب رئيسة: أولها وأهمها حمل شهادة عليا والدكتوراه غالبا، وإذا ما كانت الجامعة التي حصل فيها المثقف على شهادته يشار إليها بالبنان فقد حاز علاوة على إنجازه، وبدأت الآذان تصغي إليه لأنه خريج كامبردج وإكسفورد ويال وهارفارد والسوربون وغيرها، حتى إن كان لا يجيد سوى فن الطبخ! فتعظيم الأسماء والأماكن من القيود التي نقيد بها عقولنا دائما، مع أهمية ذكر أن التخرج من هذه الجامعات في الغالب دليل على التميز.

السبب الثاني لتصدر الطبقة المؤثرة، خصوصا في الخليج، هو الإعلام ووسائله، ويكون هذا التصدر في الغالب مبنيا على العلاقات التي تفيد المتصدر في أمرين مهمين: الأول كلما اقترب من الطبقة المتنفذة زادت قدرته على الخروج في وسائل الإعلام المؤثرة التي بدورها ستضع مساحيق التجميل على عيوبه وعواره الفكري وبطريقة احترافية ستجعل أهل الثقافة الأقل يعتقدون أنه سياسي العصر ومنظر هذا الزمان، وأديب العالم والدكتور الباحث المميز. هذه النقطة تقودني إلى أختها إذ إن العلاقات مع الطبقة المتنفذة للمثقف تساعده في التحليل والتنظير في أي مكان في العالم؛ لأنه يكون قد حاز كنز المعلومات التي يحتاج إليها، ولكن عندنا هناك خطوط اجتماعية وسياسية وربما مصالح شخصية تحول دون إفصاح الطبقة المؤثرة بأنواعها كلها عن حقيقة المعلومات، وتبرير ذلك أن ليس كل ما يُعلم يقال!

السبب الثالث لنفوذ هذه الطبقة في الخليج تحديداً قلة المحاسبين، وقد قال العرب "من أمن العقوبة أساء الأدب" وقلة الأدب التي ترتكبها هذه الطبقة في مجتمعاتنا هي أنها لا تكترث في كثير من الأحيان لردة فعل المتأثرين، وذلك لاعتمادها على أمرين: الأول السطحية الفكرية للمتلقي، والثاني المشاعر العاطفية الموجودة في المجتمع، دينية كانت أو عرقية وحتى طبقية. فالمثقف في هذه الطبقة المؤثرة يمتلك سلاح التلاعب بالأفكار عبر قنوات العاطفة أو الرغبة في الحديث من الناس لمجرد الحديث (التنفيس)، وربما لفضاوة المجتمعات التي تعتقد أن الجدال من الأمور الضرورية في الحياة.

ما علاقة ما سبق بعنوان المقال؟ علاقته أن هذه الطبقة المؤثرة واعتمادها على الأسباب الثلاثة ترتكب الكثير من الحماقات التي لا تغتفر، وفي هذه المقال سأركز على سقطات المفكر الخليجي الذي يأمن النقد بعض الشيء، ولا يكترث كثيرا لما ستؤول إليه الأمور إن أخطأ. بعض المفكرين في خليجنا العربي يتحدث عن مبادئ يؤمن بها لسنوات عديدة قد تصل إلى عشرات السنين، ولكن بقدرة قادر وفي يوم وليلة يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الفكري أو العكس، والتغيير في ذاته أمر محمود بلا شك لكن أسباب التغيير هي التي تجعلنا نضع ألف علامة استفهام حوله.

الإنسان يتطور كلما زادت معرفته، وينضج كلما كبر في السن، لكن المعرفة والنضج يساعدان المفكر تحديدا على سد فراغات المبادئ التي يؤمن بها أو ربما تطوير بعض الأفكار وتغيير الأساليب من العنف إلى الوسائل السلمية على سبيل المثال. سأضع مثلا حتى يتضح المقال: مفكر ليبرالي يؤمن بالليبرالية الحديثة بأنواعها كلها يتحول في شهر أو شهرين إلى طائفي يدافع عن حقوق طائفته أو مفكر إسلامي يدافع وبضراوة عن المبادئ الإسلامية يتحول إلى العلمانية. بالنسبة إلي التغيير بذاته لا بأس فيه إذا كان مبنيا على قناعات، فيخرج المفكر ليقول للمتأثرين فيه كنت على خطأ ولهذه الأسباب اعتنقت هذا الفكر الجديد، (قد) وأكرر قد يكون هذا الأمر مبررا لكن أن يتنقل المتصدر للمشهد الفكري بين أغصان المبادئ يتتبع مصلحة ما أو يدعم طرفا سياسيا، أو ربما رغبة في استمرار ظهوره في وسائل الإعلام فهذا يجب ألا يكون!

لن أستطيع أن أغطي كل الفكرة التي أرغب في إيصالها لك عزيزي القارئ، لكنني أدعوك لفعل ثلاثة أمور: إن سمعت من الطبقة المؤثرة معلومة فابحث عن مصدرها وارجع إليه بنفسك، وإن أعجبك منهم موقف فكري فضعه على ميزان الواقع، وأخيرا إن وجدت منهم خيرا فأنصفهم ولكن لا تقدّسهم!

شوارد:

"يكبر بعض الأدباء من صِغر المحيطين بهم؛ قالوا: بعرت شاة حول قطعة من حجر، فنطقت بعرة فقالت للحجر: يا ما أعظمك أيها الجبل الشامخ!"

أديب العربية مصطفى صادق الرافعي

سطحية الفكر وهشاشة المعلومات وقلة القراء المتأملين في المجتمع جعلت كل من فاق هذا الهامش من الثقافة يتصدر
back to top