صوت من أعماق الماضي

نشر في 26-07-2016
آخر تحديث 26-07-2016 | 00:05
 يوسف عبدالله العنيزي جلست أمامه أنصت لذلك الصوت القادم من أعماق الماضي، الذي يتميز بالصدق والأمانة والحب والإخلاص لهذا الوطن الذي درجت أقدامه على ثراه فغدا جزءاً منه، أخذ تنهيدة من أعماق الوجدان، وبدأت الكلمات تنساب منه، يقرأ الأحداث على جدار الزمن، وكأنه يعايشها الآن، يحمل على أكتافه عقوداً من السنين تتجاوز الثمانين، لكنه حاضر الذهن متوقد الذاكرة.

تحدث قائلا: "كنت في الثانية عشرة من عمري عندما أخذني والدي، رحمه الله، إلى نوخذة إحدى سفن السفر التي ستتجه إلى الهند للتجارة، وكما يقال في ذلك الوقت "الهند هندك إذا قل ما عندك" وكانت مهمتي تقتصر على تقديم المساعدة على ظهر السفينة.

غادرنا الكويت وسط دعوات أحبائنا، وبشكل خاص والدتي، رحمها الله، والتي أصبح فؤادها فارغا كفؤاد أم سيدنا موسى عليه السلام. سارت الأمور بفضل من الله على خير ما يرام، وبعد ما يقارب الأسبوعين وصلنا إلى الهند، حيث تم البيع والشراء، وبعدها حان الوقت للعودة للكويت الغالية، كانت تلك الرحلة الأولى في حياتي، وكانت تجربة ما زالت عالقة في الذهن حتى الآن على الرغم من مرور السنين وتعاقب الأيام.

غادرنا الهند متوجهين إلى الكويت، سارت الأمور في بداية رحلة العودة على خير ما يرام، ولكنه البحر الذي لا أمان له، فهو غول فاتح فاه، فقد ابتلع العديد من أحبائنا، نحتسبهم عند الله شهداء، لكنه مصدر للرزق للكويت وأهلها، وشريان التواصل مع العوالم حولنا، وما هو إلا بعض الوقت حتى تلبدت السماء بالغيوم الداكنة السواد، وانهمر المطر بغزارة، وارتفع الموج حتى غدا كالجبال، وأخذت السفينة ترتفع حتى تكاد تلامس السماء، ثم تغوص حتى تكاد تستقر في القاع.

ظن الجميع أنها النهاية، فبدأ الدعاء إلى المولى القدير أن يخفف عنا قضاءه، ويلهم أهلنا الصبر والسلوان، أدرك النوخذة أن مواصلة الرحلة أمر مستحيل، فأمر برمي الحمولة والعودة إلى الهند، بعد عودتنا إلى الهند وصلتنا الأخبار بغرق "بوم الصقر" بما عرف بـ"طبعة بلال الصقر"، والذي راح ضحيته "24" بحارا ونجا "12" فقط، وبعد قضاء بعض الأشهر في الهند عدنا إلى الكويت، حيث كان الاستقبال بلوحة إنسانية يصعب وصفها، رسمتها دموع أهلنا في البلاد".

قد يظن البعض أن ما سردته قصة من نسج الخيال، لكنها قصة من واقع الحياة بكل أحداثها.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

راتب التقاعد وعجز الميزانية

رأيته عابس الوجه مكتئباً، وقبل أن أسأله عن سبب ذلك أخرج هاتفه النقال، وطلب مني قراءة رسالة نصية استلمها من وزارة الكهرباء والماء جاء فيها: "عزيزي المستهلك لاستمرار خدمتي الكهرباء والماء يرجى سداد فاتورتك بقيمة إجمالية 1300 دينار للمرفق... بحد أقصى 7 أيام من تاريخ الرسالة، واعتبار هذه الرسالة إنذارا نهائيا".

انهمر بعدها بسيل من التساؤلات: نعم أنا أتحمل بعض الخطأ لعدم متابعتي لفاتورتي، ولكن هل يمكن أن يتم قطع الماء والكهرباء عن منزلي وأهلي وأحفادي وبدرجة حرارة تجاوزت 50؟ وهل تم إرسال هذه الرسالة لكبار المسؤولين والمتنفذين وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء المجلس البلدي؟ وهل يمكن تسديد عجز الميزانية من ساكني بيوت الحكومة وأصحاب المعاشات التقاعدية؟ وهل يمكن أن يحصل ذلك في ظل هذا الفساد وهدر الملايين والمشاريع التي لا تكتمل؟ وهل... وهل... وقبل أن أعلق على تساؤلاته أدار ظهره وغادر، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.

back to top