الصيف وثقافة الخوف

نشر في 24-07-2016
آخر تحديث 24-07-2016 | 00:08
يتبدى الخوف وكأنه ظاهرة العصر وسمته المائزة، على النحو الذي لم تعد فيه أي مساحة في المجتمع خالية من الخوف والرعب، فالخوف بات الشعور الذي يتحكم في حركة الشارع والناس، ولذا انبرى عدد من علماء الاجتماع إلى القول إن ثقافة مجتمعاتنا الراهنة يصدق عليها وصف «ثقافة الخوف».
 منصور مبارك المطيري ليس هناك برهان على أن الحركات المتطرفة والإرهابية قد اشتد عودها وغدت كونية النشاط أكثر مما نشهده في فصل الصيف وبدء موسم الارتحال، حيث يشهد كل من يغادر حدود موطنه أن عبور الحواجز الأمنية في المطارات أصبح أمرا شاقا وصعبا، ويكاد يغمرنا الحنين- في كل مرة نختبر فيها تعقيدات التنقل في المطارات- إلى تلك الأيام الخوالي، التي كان عبور الحواجز الأمنية في حده الأقصى لا يتطلب سوى إفراغ الجيب من العملات المعدنية والمفاتيح.

في السابق كان التنقل من بلد لآخر أمرا سهلا، فقد يعنّ للمرء أن يزور بلدا ويقفل عائدا في اليوم نفسه، ولذلك كانت عملية الرحيل على قدر كبير من اليسر، فلم يكن المرء في تلك الرحلات السريعة مرغما على حمل أمتعة إضافية، فيكفيه صحيفة أو كتاب يقتل بهما الوقت، ولكن في وقتنا وأوضاعنا الراهنة أصبح كثير من الضروريات الصغيرة كالقداحة ومقلمة الأظافر من أكثر المواد خطورة في السفر، ولذلك يتحتم على من يحملهما إخراجهما من جيبه، ووضعهما في صندوق بلاستيكي شفاف وإرسالهما في طريق منفصل ليلتقطهما بعد ذلك من الصندوق ويعيدهما إلى جيبه.

ويزداد الأمر سوءا وتعقيدا في الرحلات الطويلة التي يحتاج فيها المرء إلى أشياء مثل معجون الأسنان والعطور والشامبو، لأن الأشياء كافة المصنفة كسوائل يجب أن توضع في حقيبة بلاستيكية لا يزيد حجمها في كل الأحوال عن لتر واحد، وفي حال جرى استخدامها يتوجب على المسافر التخلي عنها، والأقسى من ذلك أن حمل زجاجات مياه معدنية بات أمرا محرما.

هذه الأنظمة الجديدة جرى تطبيقها بعد اكتشاف المخططات الإرهابية في لندن خريف 2006، التي عقد الإرهابيون فيها العزم على استخدام سوائل متفجرة لتدمير الطائرات في الجو، وهذه القوانين، التي تقيد حرية الملايين من المسافرين كل عام، تقدم تبريرات لها بهجمات إرهابية قد لا تقع. ومع ذلك فإن المسافرين يقبلون هذه القيود على حريتهم من دون تبرم، فالخوف من الإرهاب يتبدى هنا وكأنه الصوت الذي لا يعلو عليه أي صوت آخر.

وهذا مثال واحد من بين أمثلة عدة يوضح الطريقة التي تمكن فيها الخوف من إعادة صياغة أسلوب حياتنا، وللحق يتبدى الخوف وكأنه ظاهرة العصر وسمته المائزة، على النحو الذي لم تعد فيه أي مساحة في المجتمع خالية من الخوف والرعب، فالخوف بات الشعور الذي يتحكم في حركة الشارع والناس، ولذا انبرى عدد من علماء الاجتماع إلى القول إن ثقافة مجتمعاتنا الراهنة يصدق عليها وصف "ثقافة الخوف"، فقد أصبح الخوف هو العدسات الثقافية المضخمة التي نرى من خلالها العالم.

وكائنا ما كان الأمر فإن الخوف الذي نواجهه يقع خارج ذواتنا، وما نواجهه هو شيء يحاول إلغاء ما نتطلع إليه، فنحن ينتابنا الخوف من سلب الأشياء المهمة أو تدميرها في حياتنا، كالحرية والكرامة والصحة والمكانة الاجتماعية أو أغلى ما نملك وهو حياتنا.

back to top