على أوروبا التعاون معاً وإقفال حدودها أمام كل المجاهدين العائدين

نشر في 11-01-2016
آخر تحديث 11-01-2016 | 00:00
علينا اليوم أن نعيد النظر في الكثير من الافتراضات التي اعتبرناها طوال عقود أمراً مسلماً به، وتشمل هذه الحاجز الدولي الذي يحول دون تحويل أي شخص إلى إنسان لا دولة له، ولكن بما أن هذه المسألة لا تقتصر على المملكة المتحدة وتشمل كل الدول التي يشكل عدد من مواطنيها خطراً يهدد أمنها، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق.
 ذي تيليغراف يُعتبر قرار السويد التحقق من كل هويات المسافرين إليها قادمين من الدنمارك نقطة تحول واضحة، فبات يُطلب راهناً من كل القطارات، والحافلات، وسفن الركاب إبراز هويات تحمل صوراً كي يُسمح لها بعبور حدود ما كانت قائمة فعلاً طوال سنوات، فكانت الدول الاسكندنافية تدير منطقة شنغن صغيرة خاصة بها منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن أزمة الهجرة وميل السويد إلى استقبال عدد من اللاجئين لكل فرد من السكان يفوق ما قبل به أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي رسما لنهاية هذا الوضع.

لا شك أن ظهور شخصية "جون المجاهد" جديدة تنشر الرعب في البلد، متعهدةً بأعمال عنف وقتل، ستعيد فتح المناظرة بشأن كيفية التعاطي مع المواطنين الذين باتوا اليوم يقدمون ولاءهم لخلافتهم المزعومة.

سخر المجاهد المقنع، الذي تحدث بلهجة لندنية، من ديفيد كاميرون، ناعتاً إياه بـ"الغبي" لأنه أمر سلاح الجو الملكي باستهداف الدولة الإسلامية (داعش) في سورية، لنضع جانباً كل هذا التفاخر والتبجح بشأن قدرة جيش هجين على شن هجوم، إلا أن التهديد بـ"اختراق الحدود" حقيقي بالفعل، فقد توجه الآلاف من الأجانب للمحاربة إلى جانب "داعش" في سورية والعراق وربما عادوا إلى وطنهم، فكان مرتكبو مجزرة باريس مجاهدين بلجيكيين وفرنسيين سافروا من أوروبا وإليها بسهولة تامة، وخصوصاً أنه ما من (أو ما كان من) حدود داخلية. صحيح أن هؤلاء يقدمون ولاءهم لخلافتهم، إلا أنهم يستغلون جنسياتهم ليعاودوا دخول الدول التي رفضوها والتآمر ضدها، فلمَ نسمح لهم بذلك؟

على كل شخص يذهب للعيش في هذه الخلافة المزعومة التخلي عن جنسيته، بما أنه تواق إلى هذا الحد لتبني جنسية جديدة، فمن الضروري الترويج بصراحة ووضوح في المجتمعات الإسلامية كافة أن الشبان الإسلاميين المتطرفين الذين يتوجهون إلى سورية لا يمكنهم العودة. قد يحاولون وقد ينجحون إن لم تُكتشف هويتهم، لكن الشرطة وأجهزة الاستخبارات ستكون على علم بمعظم هؤلاء، وستوضع أسماؤهم على لوائح مراقبة. يطرح البعض فكرة أن من الممكن استغلال المجاهدين العائدين لإقناع آخرين يرغبون في الانضمام إلى "داعش" والقتال إلى جانبه بالعدول عن ذلك، لكن العثور على متطرفين سابقين مستعدين لأن يصنفهم أترابهم مرتدين لن يكون بالمهمة السهلة.

تنظم الحكومة برنامجاً لمكافحة التطرف يُدعى Channel (القناة)، وقد أُحيل مئات المتطرفين المشتبه فيهم إليه في محاولة لمنعهم من السقوط في قبضة "داعش"، لكن هذه الخطة انتُقدت لأنها شوهت صورة كل المسلمين، فضلاً عن أنه من غير الواضح مدى نجاحها في رصد المجاهدين العائدين.

سافر نحو 700 بريطاني مسلم إلى سورية، حيث قُتل نحو خمسين منهم، ويسود الاعتقاد أن 350 آخرين عادوا إلى البلد، ودِين 12 منهم بتهم دعم الإرهاب في الخارج، أو يخضعون راهناً للتحقيق في هذا المجال، لكن معظم هؤلاء لم يواجهوا أي تهم، مع أن الانضمام إلى "داعش" يشكل جريمة حسبما يُفترض.

لماذا؟ هل اتُخذ القرار بأن معظم المجاهدين العائدين لا يشكلون أي خطر، فهم اقترفوا خطأ وسيواصلون حياتهم بدون التسبب في أي مشاكل في المستقبل؟ قد يكون هذا صحيحاً، إلا أنها تبقى مغامرة كبيرة بالنسبة إلى أي دولة. لذلك من الأفضل عدم السماح لهم بالعودة في المقام الأول، ويتطلب هذا بالتأكيد القدرة على تحديد هويتهم واعتراضهم إن حاولوا الرجوع، لكن ضوابط حدودنا ليست مجهزة لمهمة مماثلة على الأرجح، فقد كشف تقرير صدر أخيراً عن مركز دراسات السياسة أن 67500 سفينة وطائرة لا تخضع لمراقبة موظفي الحدود المرهقين، في حين أنهم يغفلون غالباً عن أهداف عدة محددة للرصد والتوقيف. على نحو مماثل، أفاد مكتب المحاسبة الوطني أن نقاط الحدود تفتقر دوماً إلى عدد كافٍ من الموظفين، وأن برنامج الحدود الإلكترونية بدأ يعمل لتوه بعد 12 سنة وأكثر من 830 مليون جنيه خُصصت له.

بالإضافة إلى ذلك، عقدنا منذ زمن اتفاق إلغاء الحدود وهو شبيه بما نراه بين الدول الاسكندنافية في منطقة السفر المشتركة مع أيرلندا.

نتيجة لذلك، تكثر اليوم المخاوف من أن المتطرفين الإسلاميين البريطانيين العائدين من العراق وسورية يسافرون إلى دابلن وشانون ويتسللون إلى المملكة المتحدة عبر أيرلندا الشمالية. صحيح أن نقاط العبور هذه كانت تخضع لإشراف رجال الشرطة والجيش خلال مرحلة الاضطرابات، إلا أن عملية التحقق من جوازات السفر ما عادت معتمدة منذ الانفصال وحلول السلام، فلا أحد يود إقامة حدود بين أيرلندا والمملكة المتحدة، ولكن لا أحد أراد أيضاً العودة إلى فرضها بين الدنمارك والسويد.

نتيجة لذلك، علينا اليوم أن نعيد النظر في الكثير من الافتراضات التي اعتبرناها طوال عقود أمراً مسلماً به، وتشمل هذه الحاجز الدولي الذي يحول دون تحويل أي شخص إلى إنسان لا دولة له، ولكن بما أن هذه المسألة لا تقتصر على المملكة المتحدة وتشمل كل الدول التي يشكل عدد من مواطنيها خطراً يهدد أمنها، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق لتغيير المعاهدات أو على الأقل تعليقها بغية أخذ هذا الواقع الجديد الخطر في الاعتبار. وإذا رفضنا ذلك، نخاطر بمواجهة مجزرة أخرى شبيهة بما شهدته باريس.

لمَ لا ندافع عن نفسنا؟ يعلن المضطربون عقلياً أمثال جون المجاهد، وخلفه المقنع ولاءهم لدولة، فليبقوا فيها، فنحن لا نريدهم أن يعودوا إلى وطننا.

*فيليب جونستون

back to top