نسيم قرطبي من إمارة الأندلس

نشر في 21-11-2015
آخر تحديث 21-11-2015 | 00:04
 د. أفراح ملا علي منذ بداية القرن الثامن وحتى نهاية الخامس عشر كان يطلق اسم الأندلس على المساحة الجغرافية التي يقطنها العرب منذ دخولهم إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، ويجدر بنا القول إن الأندلس تغير حجمها الجغرافي كثيراً منذ دخول العرب إليها حتى انتزعها بعد ذلك الملوك الكاثوليك، ففي سنة 711هـ تحديداً، تغلغلت جيوش المسلمين، من عرب بربر وإفريقيين شماليين، في شبه الجزيرة من مضيق جبل طارق.

التعايش السلمي بين الثقافات والأديان كان في قمة التناغم، فالمسلمون في الأندلس لم يمنعوا أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية من ممارسة طقوسهم، والدليل مدينة قرطبة التي ظلت محتفظة بأحيائها العبرية والمسيحية حتى يومنا هذا، لأن المسلمين يعدون المسيحية واليهودية من ديانات التوحيد، وكل معتنق لهما يعتبرونه أخاً. ولعل هذا التعايش السلمي من أهم أسباب نشأة "المولودين" muladíes أو الملقبين بالمسلمين الجدد، وهم الإسبان الذين يعتنقون الإسلام ويتعايشون في ثقافاته ويمارسون عاداته وطقوسه نتيجة اختلاطهم بمسلمي الأندلس. وكان يشاع أن بعض "المولودين" كانوا يتجهون إلى الإسلام فقط للهرب من الضرائب، مما أدى إلى عدم اختلاطهم بالمسلمين القدامى.

وفي سنة 750هـ، أطاح العباسيون ببني أمية في دمشق، وانتهى الحكم الأموي هناك، فتحولت العاصمة إلى بغداد، ليقرر العباسيون سفك دم الأمويين، ويهرب الأمير عبدالرحمن الأول إلى الأندلس ويصل سنة 755 هـ، وقد جعل الموقع الجغرافي للأندلس طابعها وثقافتها الخاصين بها، ما أدى إلى مكوث عبدالرحمن الأول في أرض تتبع الحكم العباسي، رغم أنه أمير أموي، فأصبح بناء الثقافة الإسلامية بقرطبة مبنياً على عدة ثقافات.

والمثال الحي على ذلك جامع قرطبة الشهير، حيث يعد حصيلة لهذه الحقبة بشتى تغيراتها، إذ يجمع الأعمدة الرومانية والأقواس العربية، وخليطاً جميلاً من الثقافات ينطق بين آثار الأندلس بانصهار الفكر والمعتقدات. ثم تنتهي الأندلس المسلمة في غرناطة تحديداً بعد تسلُّم الملوك الكاثوليك مفاتيح غرناطة من أبي عبدالله سنة 1492... ويقول ابن عبد ربه الأندلسي المولود في قرطبة في شعره، والمشهور بمليح الأندلس:

الجسم في بلد والروح في بلدِ:: يا وحشة الروح بل يا غربة الجسدِ

back to top