تجربة كوريا الشمالية قد تُضعِف صفقة إيران!

نشر في 04-08-2015
آخر تحديث 04-08-2015 | 00:01
لن تتمتع الولايات المتحدة بأي نفوذ إضافي لإجبار إيران على الالتزام بالاتفاق أكثر مما فعلت مع كوريا الشمالية، وستكسب إيران على الأرجح حصة الأسد من المنافع الاقتصادية، وستتمكن من الحصول على أموال نفط مجمدة بقيمة تفوق المئة مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة.
 لوس أنجلس تايمز هل تبدو إيران أقرب إلى كوريا الشمالية أم ليبيا؟ إنه السؤال الذي يجب أن يطرحه السياسيون والرأي العام عند تحليل الصفقة النووية التي أبرمها الرئيس أوباما، إذ تعكس ليبيا قصة نجاح باهرة على مستوى نزع الأسلحة عن طريق التفاوض، وهي واحدة من قصص النجاح القليلة في هذا المجال، ففي 19 ديسمبر 2003 وبعد تسعة أشهر على المحادثات السرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وافق معمر القذافي على تسليم كامل ترسانته من أسلحة الدمار الشامل التي كان يُفترَض أن تتدمر العناصر التي تتكوّن منها الأسلحة أو تُشحَن إلى الخارج.

بعد بضعة أشهر فقط تمكن المسؤولون الأميركيون من عرض المعدات النووية المأخوذة من ليبيا في مدينة أوك ريدج، تينيسي، ودُمّرت أطنان من الأسلحة الكيماوية ومكونات الأسلحة، حتى إن القذافي لجأ إلى الولايات المتحدة لـ»حفظ» خمسة صواريخ «سكود سي» كجزءٍ من وعده بالتخلص من أي صواريخ يفوق مداها 300 كلم، وفي وقتٍ سابق دان القذافي الأعمال الإرهابية ووافق على دفع 2.7 مليار دولار كتعويض لعائلات ضحايا تفجير طائرة «بان آم 103» في عام 1988 فوق لوكربي باسكتلندا.

لكن التجربة مع كوريا الشمالية كانت مختلفة بالكامل، ففي عام 1994 وبعد التهديد بالانسحاب من «معاهدة منع الانتشار النووي»، وقّعت بيونغ يانغ على «إطار العمل المتفق عليه» حيث تتعهد بتجميد بناء مفاعلات البلوتونيوم وتشغيلها، وفي المقابل وافقت الولايات المتحدة على منحها مساعدات قيّمة مثل شحنات الوقود ومساعدتها على بناء وحدتين من مفاعل الماء الخفيف يمكن استعمالهما لإنتاج الطاقة النووية لا الأسلحة النووية، وكان يفترض بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يراقبوا مدى التزامها بالاتفاق.

وقدمت الولايات المتحدة بموجب الاتفاق مساعدات على شكل أغذية ومصادر طاقة بقيمة 1.3 مليار دولار، وفي عام 2001 بدأ العمل على بناء أول وحدة من مفاعل الماء الخفيف، صحيح أنّ المشروع لم يكن يرتبط بـ»إطار العمل المتفق عليه»، لكن كوريا الشمالية تلقّت هبات أكثر سخاءً من كوريا الجنوبية التي وفرت، بموجب «سياسة الشمس المشرقة»، مساعدات اقتصادية بقيمة 8 مليارات دولار بين عامي 1996 و2008.

لكن نعلم الآن أن كوريا الشمالية لم تكن تنوي يوماً تنفيذ التزاماتها، فقبل التوقيع على «إطار العمل المتفق عليه» وبعده، كانت بيونغ يانغ تخصّب اليورانيوم سراً، وفي عام 2002 اعترف مسؤولون من كوريا الشمالية بذلك صراحةً أمام وفد أميركي كان يزورهم.

أدى ذلك الاعتراف إلى اندلاع أزمة بين البلدين، وعلّقت الولايات المتحدة شحنات النفط وأنهت بناء مفاعل الماء الخفيف، وانسحبت كوريا الشمالية من «معاهدة منع الانتشار النووي»، وفي محاولةٍ لإلزامها بالاتفاق أطلقت إدارة جورج بوش الابن محادثات سداسية مع بيونغ يانغ، وكمبادرة حسن نية وافقت الولايات المتحدة على إلغاء قرار تجميد رصيد مصرفي كوري شمالي في ماكاو (2006) وحذف كوريا الشمالية عن لائحة الدول الراعية للإرهاب (2008).

إذا استعملت إيران أساليب الاحتيال كما فعلت كوريا الشمالية فسيكتشف العالم مجدداً أن الأوان قد فات للقيام بأي شيء.

فشلت تلك الجهود كلها واختبرت كوريا الشمالية أول سلاح نووي في عام 2006، إذ تشير تقارير حديثة صادرة من الصين إلى أن كوريا الشمالية تملك على الأرجح 20 رأساً حربياً نووياً، ويشتبه مسؤولون عسكريون أميركيون في أنها توشك على تركيب تلك الرؤوس الحربية على صواريخ بالستية طويلة المدى يمكن أن تستهدف الساحل الغربي من الولايات المتحدة.

هل ستكون صفقة إيران، أي «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أقرب إلى الاتفاق مع كوريا الشمالية أم إلى ليبيا؟

صحيح أن إيران وافقت على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التشغيلية من 9500 إلى 6 آلاف جهاز، وعلى تقليص كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب التي تملكها من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300، وعلى إحداث تغيرات في بعض المنشآت لمنع استعمالها لتصنيع أسلحة نووية، لكن يمكن عكس هذه الخطوات كلها، فلن تدمر إيران البنى التحتية الخاصة بأسلحتها النووية كما فعل القذافي، ولن تتنازل عن الصواريخ البالستية أو تدين الإرهاب أو تعوّض عن الاعتداءات الماضية، بل ستكتفي بتجميد برنامجها النووي كما فعلت كوريا الشمالية.

لمراقبة مدى التزام إيران بالاتفاق، فلا بد من إجراء عمليات تفتيش ميدانية من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ تشمل الصفقة التي عقدها أوباما عدداً إضافياً من عمليات التفتيش المكثفة مقارنةً بما يفرضه «إطار العمل المتفق عليه» مع كوريا الشمالية، لكن لا يعني ذلك أن هذه الإجراءات ستكون كافية، وستستمر المراقبة في بعض المواقع النووية المعلن عنها، لكن إيران ستتمكن من تأخير عمليات التفتيش في المنشآت المثيرة للجدل لأربعة وعشرين يوماً على الأقل، مما سيمنحها الوقت الكافي لتنظيف الموقع من الأدلة، فهل ستكون صفقة إيران إيجابية بما يكفي؟

ثمة مشكلة أكبر وهي تتعلق بمساحة إيران الشاسعة، تماماً مثل كوريا الشمالية: إذا أرادت الحكومة إخفاء أمرٍ ما فستنجح في ذلك على الأرجح، وسيتوقف حجم التزامها على تعاونها الطوعي. قد تكون إيران متعاونة لكنها لم تعترف حتى الآن أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود 12 «منطقة مقلقة» لها «أبعاد عسكرية محتملة» في برنامجها النووي.

هذا الوضع لا يبشّر بالخير، فهو يشير إلى أنّ إيران، مثل كوريا الشمالية (أو ربما مثل العراق خلال التسعينيات)، ستخوض لعبة القط والفأر مع المفتشين، وإذا مارست الخداع كما فعلت كوريا الشمالية، فسيكتشف العالم مجدداً أن الوقت تأخّر للقيام بأي شيء.

عند انهيار «إطار العمل المتفق عليه»، حرمت الولايات المتحدة كوريا الشمالية من بعض المنافع تزامناً مع تقديم حوافز جديدة لحثها على التعاون، وتابعت كوريا الجنوبية من جهتها دعم كوريا الشمالية مالياً إلى أن تشكّلت حكومة أكثر تحفظاً في سيول، ولم يكن التحرك العسكري خياراً جدياً لأن الحرب كانت ستتخذ طابعاً مدمّراً.

لن تتمتع الولايات المتحدة بأي نفوذ إضافي لإجبار إيران على الالتزام بالاتفاق أكثر مما فعلت مع كوريا الشمالية، وستكسب إيران على الأرجح حصة الأسد من المنافع الاقتصادية، وستتمكن من الحصول على أموال نفط مجمدة بقيمة تفوق المئة مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة، فلا يمكن إلغاء تداعيات هذا القرار، وسيصبح التحرك العسكري ضد إيران محفوفاً بالمخاطر بعد رفع الحظر على بيع الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية لطهران.

لا أهمية لأيٍّ من هذه الأمور طبعاً نظراً إلى الاختلاف الكبير الذي يجعل صفقة إيران أكثر سخاءً من تلك التي عُقدت مع كوريا الشمالية، إذ لم يذكر «إطار العمل المتفق عليه» تاريخ انتهاء صلاحية العقد بعكس صفقة إيران، وحتى لو التزمت إيران بكامل الشروط فسينتهي مفعول الاتفاق خلال 10 أو 15 سنة وستصبح حينها على حافة العتبة النووية.

* ماكس بوت | Max Boot

back to top