معلوماتنا الغذائية غير دقيقة؟

نشر في 22-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 22-07-2015 | 00:01
No Image Caption
تقدم الحكومة الأميركية، منذ عقود، نصائح للشعب الأميركي بشأن ما عليه تناوله. لكن هذه التوصيات تتبدل باستمرار مع تبدل آراء العلوم الغذائية. واللافت أن هذه الآراء شهدت تبدلات. على سبيل المثال، اعتبرت الدهون والكولسترول شراً، في حين ظل السكّر بعيداً عن الأنظار. أما اليوم، فلا بأس في تناول الدهون (مع أن الدهون المشبعة لا تزال تُعتبر ضارة)، وعاد الكولسترول إلى مكانته، فيما تحول السكر إلى شر جديد.

ما سبب كل هذه التبدلات الكبيرة؟ قد يكون الجواب: «العلوم السيئة».

كل خمس سنوات، تجتمع اللجنة الاستشارية للتوجيهات الغذائية التي تضم خبراء تغذية وصحة حول العالم، بغية مراجعة آخر المنشورات العلمية والطبية. واستناداً إلى تحليلهم المدروس هذا، يطرحون توجيهات غذائية.

لكن مقالاً افتتاحياً نُشر أخيراً في مجلة Mayo Clinic Proceedings يُظهر أن الجزء الأكبر من العلوم التي يراجعونها يعاني عيوباً أساسية. فبخلاف التجارب في علوم الكيمياء والفيزياء والأحياء المثبتة، التي تعتمد على المراقبة الدقيقة والمباشرة، يستند معظم الدراسات الغذائية على بيانات شخصية. يُقاس طول المشاركين في الدراسة ووزنهم ويخضعون لفحوص طبية، ومن ثم يُسألون عما يأكلونه. بعد ذلك تُربط هذه الخيارات الغذائية بنتائج صحية، مثل الإصابة بالسرطان، الوفاة، مرض القلب، وغيرها.

لكن هذه ليس طريقة مدروسة وعلمية، وفق إدوارد آرتشر، باحث في المركز الغذائي لأبحاث السمنة في جامعة ألاباما وأحد أبرز مَن شاركوا في كتابة هذا التقرير.

يضيف هو وزملاؤه في مجلة Mayo Clinic Proceedings: {لا شك في أن الافتراض أن الذاكرة البشرية تستطيع تقديم معلومات دقيقة ومحددة عن أنماط سلوك غذائي سابقة خاطئ تماماً}.

دراستان

تستند دراستان كبيرتان عن الاستهلاك الغذائي في الولايات المتحدة، المسح الوطني للصحة والغذاء الذي أجرته مراكز ضبط الأمراض والوقاية منها ودراسة «ماذا نأكل»، إلى الطلب من المشاركين فيهما التذكر، بالتحديد، ما يتناولونه عادة وبأي كمية.

ولكن رغم كل الإجراءات التي يتخذها الباحثون في المسح الوطني للصحة والغذاء لمساعدة المشاركين على التذكر، مثل دعوتهم إلى تذكر ما تناولوه خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية فحسب أو حتى تقديم لهم توجيهات بشأن المقاييس بغية مساعدتهم على إعطاء بيانات دقيقة، ظلت المعلومات التي جمعتها هذه الدراسة غير دقيقة البتة. فقد كشف تحليل أجراه آرتشر عام 2013 أن معظم المشاركين في هذا المسح الذين فاق عددهم الستين ألفاً ذكروا أنهم تناول عدد من السعرات الحرارية أدنى مما يحتاجون إليه فعلياً ليظلوا على قيد الحياة، فكم بالأحرى اكتساب كل هذا الوزن الذي يعاني منهم الأميركيون خلال العقود القليلة الماضية؟

الذاكرة

إذاً، لا تُعتبر البيانات الشخصية التي تستند إلى الذاكرة دقيقة. لكن هذا ليس بالخبر الجديد بالنسبة إلى مَن يألفون طريقة عمل الذاكرة. لا تعتمد هذه الأخيرة على عملية تسجيل، تعيد بناء المعلومات بالاستناد إلى الأفكار، المشاعر، وكل ما حدث بعد ما حاول الإنسان تذكره. نتيجة لذلك، يكون كل إنسان عرضة لهفوات الذاكرة.

رغم ذلك، يستند الجزء الأكبر من الأبحاث حول الغذاء وعلاقته بالصحة إلى الطلب من المشاركين تذكر التفاصيل التي يمكن أن تتبدل بسرعة بشأن ما تناولوه. ولا عجب في أنها تشير في اتجاه مختلف بين الحين والآخر.

أعلن آرتشر في بيان صحافي: «يستحق الشعب الأميركي أفضل علم ممكن. لذلك حان الوقت لنكف عن إنفاق مليارات الدولارات على أبحاث الصحة التي تجمع معلومات غير دقيقة وغير علمية، بيانات غير موضوعية تُعتبر غير ذي جدوى».

دراسات أكثر دقة

تُجرى الدراسات الغذائية بالاستناد إلى المعلومات الشخصية لأنها أكثر سهولة. ولكن في هذه الحالة، لا يكون السهل الأفضل. لا شك في أن المنشورات العلمية تحفل بكثير من الدراسات الغذائية المتقنة، إلا أنها تضيع وسط كم هائل من المعلومات الضعيفة التافهة. ولعل هذا السبب الذي جعل الغذاء عرضة للمساومات.

يكتب آرتشر: «لا يُعتبر الجهل العقبة الكبرى أمام التقدم العلمي، بل وهم المعرفة الناجم عن بيانات شبه علمية لا يمكن اعتبارها صحيحة أو خاطئة».

بدل التركيز على النصائح الغذائية غير الدقيقة، يحض آرتشر على تجديد التركيز على النشاط الجسدي كأداة للحفاظ على الصحة.

تحفل الأبحاث الغذائية بكثير من التقلبات. ولإصلاح هذا الخطأ، من الضروري أن يكتفي العلماء بدراسات أكثر دقة وجدية، ويُفضل أن تكون تجارب عشوائية مضبوطة. كذلك على الوكالات الممولة مثل معاهد الصحة الوطنية ومراكز ضبط الأمراض والوقاية منها أن تقدم منحة لأبحاث مماثلة فحسب.

تتبع الجمعية الملكية في لندن، وهي أقدم مؤسسة علمية في العالم العصري، شعار Nullius in Verba.

يكتب آرتشر: {تعني هذه العبارة: لا تصدق كلام أحد. وهي تشير إلى أن المعرفة العلمية يجب أن تستند إلى أدلة موضوعية، لا سلطة ما أو خطاب ما أو كلام أحد}.

والمفارقة أن البيانات الشخصية تتناقض مباشرة مع شعار الجمعية الملكية. فعلماء الغذاء السذج يصدقون فعلياً كلام الناس. ولكن من الضروري أن يتبدل هذا الوضع.

back to top