عواقب عدم الكفاءة

نشر في 23-09-2015 | 00:01
آخر تحديث 23-09-2015 | 00:01
 واشنطن تايمز لكل عمل عواقب، ولكن العواقب تكون أكبر أحياناً لعدم اتخاذ الخطوات اللازمة، فقد يشكل هذا درساً صعباً، ومن الضروري أحياناً تعلمه أكثر من مرة، وها هي موجات المهاجرين التي تهدد باجتياح أوروبا تعلمنا إياه من جديد.

في أزمة إنسانية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وصل 381 ألف مهاجر إلى أوروبا هذه السنة، أي ما يزيد على السنة الماضية بنحو 216 ألفاً، وما زالت أعدادهم تنمو يومياً، يأتي معظمهم من سورية، وثلاثة من كل أربعة منهم رجال، فضلاً عن آلاف الأولاد، ولا شك أن صورة جثة الصبي السوري الصغير البائس في الثالثة من عمره التي جرفتها الأمواج على أحد شواطئ تركيا، بعد أن غرق مع أمه وأخيه، فطرت قلب كل مَن له أولاد.

رغم ذلك، يمثل هذا الوضع أيضاً معضلة بالنسبة إلى أوروبا، حيث يذكر ريتشارد هاس من مجلس العلاقات الخارجية: "كلما تفاعلت أوروبا مع هذه الأزمة عززت تدفق المهاجرين، فهي واقعة في دوامة". ولا أحد يعرف ما يجب فعله، فكلما زادت مساعدة الأوروبيين تفاقمت الأزمة، وتفرض المعايير الأخلاقية استقبال الغرباء (قاومت الدول العربية حتى اليوم كل ميل غير مضبوط لاستقبال اللاجئين)، ولكن ثمة حدود، ونتيجة لذلك هددت هنغاريا ببناء سياج لمنع مَن يدخلون أراضيها بطريقة غير مشروعة، وحذرت الاتحاد الأوروبي من فرض حصص لتوزيع اللاجئين في مختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي، في المقابل حض البابا فرانسيس الجميع على استقبال المهاجرين، وقال إن الفاتيكان سيستقبل اثنين.

بالإضافة إلى ذلك ثمة حدود لمدى استعداد أوروبا لاستبدال ثقافتها وتقاليدها بثقافة وتقاليد الحشود الوافدة، التي يتألف معظمها من المسلمين. فقد يُعتبر كل مَن يتجرأ على التعبير عن هذه الأفكار بصوت عالٍ معادياً للمهاجرين، ومتطرفاً، وعنصرياً، وغيرها من النعوت السيئة، لكن البعض يفصح عنها في مطلق الأحوال، تماماً كما يعبر عنها دونالد ترامب في الولايات المتحدة. على سبيل المثال تشير ميلاني فيليبس في مقالاتها في صحيفة Times of London إلى أن هذا الدفق من المهجرين "سيبدل التوازن الثقافي في البلد بشكل جذري"، أما غيرت وايلدرز، زعيم المحافظين الشعبوي في البرلمان الهولندي، فيدعو هذه الموجة "الغزو الإسلامي" الذي "يهدد ازدهارنا، وأمننا، وثقافتنا، وهويتنا".

لم يكن لأزمة المهاجرين في أوروبا حتى اليوم تأثير يُذكر في الولايات المتحدة (التي عليها التعاطي مع أزمتها الخاصة من المهاجرين)، باستثناء التزامها بأن تستقبل "حصتها" من المهاجرين والأصوات المطالبة بأن تزيد عدد مَن تستقبلهم، لكن الولايات المتحدة عموماً، والرئيس الأميركي خصوصاً، يتحملان جزءاً من اللوم في هذه الأزمة، فقد سمح باراك أوباما بالإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، وسحب الجنود الأميركيين في وقت سابق لأوانه من العراق، ورسم خطوطاً حمراء في سورية أدت إلى المزيد من الفوضى والعنف، وأبعد واشنطن عن إسرائيل، وسعى إلى تحسين العلاقات مع الإخوان المسلمين، وها هو اليوم يعقد صفقة تضمن تطوير قنبلة إسلامية في الشرق الأوسط.

مَن لا يهرب من هذا كله؟ ستظل "الأرض المقدسة" جرحاً مفتوحاً على وجه الأرض ينشر سمومه من خلطته الخاصة من الكره العرقي والديني، ويتحدى كل محاولات الرجال الأخيار لحل صراعاته ونزاعاته القديمة، لكن القوة العظمى الوحيدة في العالم لا يمكنها أن تتنصل من مسؤوليتها التي ترافق مكانة مماثلة، فما من رئيس وخصوصاً هذا الرئيس، يستطيع أن يقود من الخلف، فالقادة من الخلف ليسوا قادة.

علاوة على ذلك على صانعي القرارات بين النخب أن يحدوا من استخفافهم بمن يضطرون إلى التعايش مع عواقب الكوارث والمآسي، إذ تصفهم بيغي نونان في صحيفة وول ستريت جورنال بمن يعيشون في "مجتمعات فكرية مسوّرة ويمرون بسياراتهم الفاخرة"، فقد تمكنت هذه النخبة من دفع المال للتملص من عواقب ما تقترفه، إلا أنها لا تشارك فيها مطلقاً.

back to top