لعنة النفط انتهت

نشر في 26-08-2015
آخر تحديث 26-08-2015 | 00:01
 د. أحمد الخطيب اعتمدت أنظمة حكم كثيرة منذ القدم على ما سُمي بسياسة "العصا والجزرة"، من أجل بقائها، وهذه السياسة تذهب إلى أن المتعاونين معها يشاركون في الخيرات ويتنعمون بها، في حين أن الرافضين للتهميش، سيدفعون الثمن غالياً.

هذه المرحلة تجاوزتها دول كثيرة منذ زمن طويل، بعد أن وسَّعت قاعدة الحكم والمشاركة المجتمعية، لتشمل جماعات أو تنظيمات سياسية أو مالية أو عقائدية أو طبقية، وعلى الرغم من هذه المحاولات، فإن تلك الأنظمة لم توفق حتى الآن في إيجاد الصيغة المناسبة المطلوبة.

لكن، كما يتضح من التطورات الجارية في العالم، هناك ما يشير إلى ولادة جديدة بدأت تلوح في الأفق، تُبشر بمستقبل قادم أفضل، وقد سبق لي أن تناولت ذلك بالتفصيل في مقالات وكتابات سابقة.

منطقتنا المنكوبة

أما في ما يخص منطقتنا المنكوبة، فهي لاتزال تمارس ذات الأسلوب البدائي الأول، مع نوع من التغيير، فاستبدلت المفهوم السياسي الغربي بعباءة عربية أطلقت عليها مسمى سياسة "السيف والمنسف"، السيف لمن عصا، والمنسف والخير لمن تزلف ونافق وقبل بالمذلة.

لقد وفرت أموال عائدات النفط الهائلة فرصة للحصول على الولاءات وكسبها، بأثمان خيالية، وحتى الطامحون إلى السلطة من نفس المجموعة الحاكمة وجدوا أن البحبوحة، التي يحكمون بها، يتحكمون من خلالها في زمام الأمور، من دون عناء ومخاطرة القفز لاحتلال مراكز متقدمة في الحكم. أما مَن يعيش خارج دائرة الحكم، فقد صدقت عليهم مقولة "المال أذلّ أعناق الرجال"، فهؤلاء فقدوا كرامتهم، كما نشاهد - مع الأسف الشديد- عندما تحتاج إليهم السلطة لتلميع صورتها في بعض المناسبات السياسية أو الاجتماعية.

اهتزاز شديد

إن تدهور أسعار النفط المفاجئ والسريع أحدث اهتزازاً شديداً في هذا المشهد المأساوي، فالتنقيب عن مكامن النفط عمَّ العالم، ودخلت إلى السوق دول وشركات جديدة، واتخذت خطوات مهمة لتطوير بدائل للنفط، كما اتخذت إجراءات فعّالة لتوفير استخدامه، لذلك، فإن الرهان على السوق الصيني الواعد خذل المتفائلين، لأنه غير قادر على الاستمرار، بسبب طبيعة الحكم الشمولي، الذي يستظل بداخله، المهيمن على كل شيء، وهذا الحكم لا يمكن أن يحقق تنمية مستدامة، مادام القرار بيد فرد واحد، ولا يوجد مَن يقترح أو يحاسب.

عذاب وعقاب

الخبير الإيطالي الرئيس السابق لشركة ENI النفطية Leonardo Maugeri، يتوقع أن يصل سعر البترول إلى 35 دولاراً للبرميل الواحد، وتأثير ذلك بات واضحاً الآن، بعد أن بدأ البعض في إصدار سندات حكومية، أي بالعربي الفصيح بدأ يقترض من الداخل، للمشاركة في المشاريع، بعد أن كان ينفرد بتنفيذ المشاريع الضخمة المكلفة، سواء المفيدة أو الاستعراضية.

لقد خسرنا نعمة النفط التي وهبها الله لنا، إذ أصبح النفط عقاباً وعذاباً، بعد أن غدا مصدراً للتبذير وإنكار النعمة، في حين أضحى البعض غير قادر على الحفاظ على المؤسسات التي أنشأها داخل البلد وخارجه لدعم النظام. لا أريد أن أتوسَّع هنا، حتى لا يُقال إنني أتشفى، فكل كارثة تحلُّ على البلد، لا تستثني أحداً، وسوف يدفع الجميع الثمن، لا سمح الله.

تدهور أسعار النفط يمكن أن يتحوَّل إلى نعمة لا نقمة، إذا اتعظ البعض. نحن في الكويت احتطنا لكل هذا، عندما وضعنا دستور 1962، لينظم حياتنا، ويجعلنا قادرين على مواجهة كل المصائب التي تعترض مسيرتنا... وهذا ليس درساً للكويت وحدها، بل نأمل أن يستفيد منه الجميع.

back to top